"دويتشلاند فونك": هكذا حررت لاجئة سورية نفسها في ألمانيا!

"دويتشلاند فونك": هكذا حررت لاجئة سورية نفسها في ألمانيا!
الأخبار العاجلة | 13 مايو 2019

تجلس فاطمة المحيو أمام طاولة المطبخ البيضاء في شقتها الجديدة في ألمانيا وتروي قصتها بينما يقف أطفالها الأربعة خلفها على شكل نصف دائرة، كما لو أنهم يريدون تقوية ظهر أمهم.

فاطمة تركت زوجها في حلب قبل ثلاث سنوات وجاءت إلى برلين مع أطفالها الأربعة، وذكرت كيف عانت من الصدمة الثقافية هنا في ألمانيا، وتفاجأت كيف يقبل الأزواج بعضهم في الشارع، إلا أنها بحسب ما أورد تقرير لموقع إذاعة "دويتشلاند فونك" الألمانية؛ بدأت تدرك بهدوء وبطء وثبات أن وضع النساء في ألمانيا أفضل بالمقارنة مع سوريا.

تقول فاطمة "المرأة هنا إذا ذهبت إلى العمل فهي مثلها مثل الرجل، لكن في سوريا فإنها تحتاج غالباً إلى مساعدته، إنها لا تستطيع أن تفعل أي شيء دون هذه المساعدة، في وطننا وثقافتنا الأمر مختلف بعض الشيء، الرجال يعملون والنساء يبقون في المنزل" على حد قولها.

تبلغ فاطمة 33 عاماً من العمر، وفي نفس السن الذي تنجب فيه بعض النساء الألمان الطفل الأول، كانت هي قد أنجبت بالفعل ابنًا وثلاث بنات، لقد كانت في السابعة عشرة من عمرها عندما أنجبت طفلها الأول.

واعتبر تقرير "دويتشلاند فونك" أن الحياة في ألمانيا تعتبر فرصة لكسر الأدوار التقليدية للجنسين بالنسبة للاجئين، حيث تجد المرأة هنا دخلها المادي الخاص والأصدقاء الذكور، بالإضافة إلى إمكانية إنشاء حياة اجتماعية بعيدا عن الأسرة، لكن هذا بالطبع يسبب للبعض منهن صراعات مع الرجال التقليدين في عائلاتهم، حيث اعتاد البعض على صورة نمطية للمرأة.

تحت السيطرة على مدار الساعة!

في حلب كانت تحت مراقبة زوجها وحماتها على مدار الساعة، تقول فاطمة أن المنزل في سوريا هو عالم النساء وكل شيء خارج الباب يخص الرجال وحدهم، وأن يكون هناك حياة للنساء المتزوجات بصرف النظر عن عائلاتهنّ هذا لا يمكن تصوره؛ تضيف فاطمة، وتابعت "في برلين التقيت بأمهات عازبات، كانت هذه مفاجأة لي، هنا لديك الكثير من الحرية الشخصية".

تضحك وتبدو امرأة سعيدة وتهز شعرها الطويل الداكن بعد أن خلعت الحجاب عن عمد: "نعم أنا مسلمة وأقبل ذلك ، لكنني أيضًا حرة".

لم يكن من السهل خلع الحجاب!

ويشير التقرير الألماني إلى أن فاطمة "استيقظت وعبأت جميع أغطية رأسها في حقيبة ثم تسلقت على كرسي ووضعتهم في الجزء الخلفي من الخزانة، لم تكن ترغب في رؤيتهم مجددا".

ويسأل المراسل "كم بقي منهم؟ هل احتفظت بهم جميعا؟ أين خبأتهم؟"، تمد فاطمة يدها إلى الجزء العلوي من الخزانة؛ وتقول: "أحيانًا أرتديهم كأوشحة حول عنقي، بعضهم رقيق وبعضهم سميك مفيدون في الشتاء".


اقرأ أيضاً: ألمانيا: أكثر من مليون لاجئ ينتظرون إعادة توطينهم "بشكل عاجل"


كومة كبيرة من المناديل التي لم تعد فاطمة بحاجة إلى التستر عليها؛ تستخدمها فقط للتدفئة والزينة، لكن لم يكن من السهل عليها خلع الحجاب.

وتشير فاطمة في حديثها إلى أن الناس "يتحدثون ورائها كثيراً؛ هذه المرأة ليست نظيفة، ليست جيدة، ليس لديها زوج وتفعل ما تريد، إنه أمر غير طبيعي، لقد تحدثوا كثيرًا عني، لكن هذا لا يهم.. لا يهمني".

التشهير باسم الإسلام!

بعض الرجال في مخيمات اللاجئين ودورة اللغة الألمانية، اعتبروا بحسب التقرير الألماني أن من حقهم انتقاد فاطمة باسم الشرف واسم الإسلام؛ لكنها حصلت على دعم من نساء أخريات مثل "رؤيا" احدى السيدات التي تعمل في سكن اللاجئين ومنذ ذلك الحين أصبحتا صديقتين.

تقول صديقتها العاملة في سكن اللاجئين: "جاءت فاطمة إلى مكتبنا ذات مرة وقت الغداء باكية وقالت بأنها تعرضت للتخويف في المدرسة اليوم؛ حيث تعرضت الى معاملة سيئة للغاية من بعض الشبان".

تضع رؤيا ذراعها على كتف صديقتها فاطمة؛ والتي هي نفسها كانت قد فرت من إيران إلى ألمانيا في عام 1986 وتعرف كفاح النساء من أجل تقرير المصير،  تقول لها "فاطمة كوني قوية، هذا هو رأيك، إنها حياتك ولا يحق لأحد التدخل، لسوء الحظ يتدخل الكثيرون وليس من السهل منع ذلك، لكن يجب أن تكوني قوية جدًا...  فاطمة أظهرت أنها قوية، وأنا سعيدة جدًا بهذا".

قالت فاطمة "أنا هنا في أوروبا وأعيش في ألمانيا، يجب أن أعيش بطريقة مختلفة. فعلت ذلك خطوة بخطوة مع أطفالي وحياتي ، وكل شيء".

هربت فاطمة مع أربعة أطفال..

فاطمة هي من بعض الاستثناءات، وليست من الحالات النموذجية لمئات الآلاف من اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا في السنوات الأخيرة، حيث 70 في المائة منهم رجال و 30 في المائة فقط نساء؛ لأن النساء عادة ما يأتون مع أزواجهن وأطفالهن.


قد يهمك: رمضان السوريين في أوروبا...مأكولات شعبية وفوانيس تضيء عزلتهم


يوضح هربرت بروكر "مدير معهد التكامل التجريبي وأبحاث الهجرة في برلين"، أن "الهروب خطر للغاية وأكثر خطورة بالنسبة للنساء من الرجال، لهذا السبب غالباً ما يفر الرجال بمفردهم أو بالاشتراك مع الأصدقاء، النساء يهربن دائمًا فقط مع العائلة أو على الأقل بالاشتراك مع الأقارب، عادة لا تهرب امرأة عزباء ".

ويضيف بروكر أن الشباب معظمهم يسافرون في مجموعات، في حين يهيمن الرجال على دورات اللغة الألمانية، وتمثيل المرأة ناقص، حيث قلة من النساء يكسبن عيشهن بأنفسهن عن طريق الذهاب إلى العمل، معظمهن يبقين في المنزل لرعاية أطفالهن. و"السبب الرئيسي هو الوضع العائلي المختلف تمامًا للرجال والنساء، حوالي 70 في المئة من النساء لديهن أطفال، بالنسبة لللاجئين الرجال  30 في المئة فقط ".

تعلم اللغة الألمانية بشكل أفضل وابدأ بالتدريب..

فاطمة التي جاءت إلى برلين دون زوجها، فخورة بأطفالها الأربعة الذين يتحدثون الألمانية الآن أفضل من والدتهم، ابنتها حسناء البالغة من العمر 14 عامًا تتحدث الألمانية تقريبًا بدون لكنة، لكنها تقابل صديقتها من سكن اللاجئين بصعوبة.

تقول حسناء "إنني لا أستطيع مقابلة أقرب صديقاتي إلا سراً، حرمها والداها مقابلتي لأنني لا أرتدي الحجاب، صديقتي لا تريد ارتداء الحجاب وقالت إنها تريد التخلص منه؛ لكن والديها ضدها، ليس بوسعنا أن نلتقي كثيرا لأن والدي صديقتي يعتقدون أنني سيئة لأنني لا أرتدي الحجاب؛ ولأنني مختلفة. أنا أخرج مثل  الآخرين، وأرتدي سراويل قصيرة وهي غير مسموح لها بذلك".

حسناء لديها أيضا هواية غير عادية؛ وهي "الملاكمة"،  تقول أن أمها كانت متشككة في البداية، تروي ذلك وهي تغمز والدتها. "لكنها الآن فخورة ، لأن ابنتها تفوز دائمًا".

وتتابع حسناء "أردت دائمًا أن أكون ملاكمة.. هذا أنا أيضًا، والدتي لم تسمح لي في وقت سابق..  لكن فيما بعد قالت يمكنك أن تفعلي ذلك. لقد بدأت بالملاكمة منذ ثلاث سنوات وأنا جيدة حقان في الواقع  لقد تغيرت والدتي بشكل إيجابي وأعتقد أن هذا جيد حقًا. حسنًا، لقد تغيرنا حقًا "، وتريد الآن فاطمة أن تقف على قدميها؛ وهدفها أن تتعلم اللغة الألمانية بشكل أفضل؛ ثم البدء في التدريب لتصبح معلمة.

الزوجة ملك لزوجها؟!

محمد كيراتلي، المتخصص الاجتماعي والبالغ من العمر 58؛ ولد في تركيا لذلك ليس لديه صعوبة في فهم مشاكل الآباء السوريين والإيرانيين والعراقيين، حيث يتم استدعاء كيراتلي إلى ملاجئ اللاجئين عندما يقوم الرجال بضرب زوجاتهم وأطفالهم هناك.

في كثير من الأحيان ، يكون عدم الفهم هو أول رد فعل للمدانين ، كما يقول محمد، ويضيف: " يقول الرجال: كيف عشت على ما أنا عليه  20 أو 30 عامًا ، وربيت أطفالي، والآن هل يجب أن أغير نمط حياتي، حتى مع زوجتي؟ لا .. هذا غير ممكن، إذا كانت المرأة تريد أن تقرر مصيرها بنفسها ، فلا يجب أن تتزوج".

"الزوجة ملك لزوجها" يصطدم الأخصائي الاجتماعي محمد كيراتلي بهذه الأفكار مرارًا وتكرارًا؛ في بعض الأحيان تبدأ المشاكل بحساب الزوجة على فيسبوك.

ويتابع كيراتلي "الرجل يقول: لدينا حساب مشترك (لي ولها) وأنا أتحكم في هذا الحساب وأحتاج إلى معرفة لمن تكتب، وبالتالي فإن الرجل لديه السيطرة على المرأة، وهي  لا تتجرأ على معارضته، على الأقل في العلن ".
 

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف الألماني يدعو اللاجئين للعودة إلى سوريا.. "الحرب انتهت"!


يعمل رئيس مفوضية الشرطة؛ مايكل بنديكس كادين، في مكتب ولاية برلين للجريمة ، على حماية النساء والأطفال داخل مساكن طالبي اللجوء وخارجها. ويوفر المكتب المركزي للوقاية من خلال نشرات لمساكن  اللاجئين ويوفر الفرصة لموظفي الملاجئ لطلب المساعدة من الشرطة بشكل سري.

لكن رئيس مفوضي الشرطة بينديكس كادن علم أن موظفوا المخيمات لا يتصلون بالشرطة إلا بعد فوات الأوان؛  والسبب "أنهم يريدون المحافظة على على مساحة هادئة خالية من الشك في السكن، وأن العنف لا يأخذ الدور الأكبر هناك.. نحاول أن نحميهم في البداية".

ويتحدث كادين "إذا تصاعد العنف، فإن الضحايا - ومعظمهم من النساء والأطفال- بحاجة إلى حماية فورية، أنت بحاجة إلى مكان في ملجأ للنساء؛ وهذا بالضبط ما هو ناقص في العاصمة وفقًا لمتطلبات الاتحاد الأوروبي، ستحتاج برلين إلى 500 مقعد ، لكن يوجد 301 مقعد فقط حاليًا، يجب على العديد من النساء المعنفات و المنتهكات الانتظار بسبب هذا؛ لذلك في كثير من الأحيان  ليس لديهم خيار سوى مواصلة تقاسم الشقة مع زوج عنيف".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق