يحتفل العالم في الثالث من شهر أيار في كل عام؛ باليوم العالمي لحرية الصحافة، وتأتي احتفالات هذا العام تحت عنوان "الإعلام من أجل الديمقراطية: الصحافة والانتخابات في زمن التضليل الإعلامي".
حيث يوصي المجتمع الدولي في كل عام، البلدان التي عرفت انتهاكات عديدة لحرية الصحفيين، لا سيما تلك التي تعيش أوضاعا سياسية غير مستقرة؛ بضرورة الاستماع لانشغالات الصحفيين ورفع الرقابة على عملهم واحترام حريتهم في إعلام الجماهير والوصول إلى المعلومة.باهظة هي التكاليف التي تكبدها قطاع الصحافة والإعلام في سوريا خلال السنوات الـ 8 الماضية، والذي عمل على نقل المشهد السوري؛ وما تعرض له مئات الآلاف من السوريين في مدن متعددة من الجغرافيا السورية خلال المراحل المختلفة للنزاع المسلح في سوريا.
العديد من الصحفيين والناشطين في مجال الإعلام ونقل الأحداث تعرضوا إلى انتهاكات مختلفة، ابتداء بالاختطاف أو الإعتقال أو الإخفاء القسري وانتهاء بالموت قصفاً أو اغتيالاً أو تحت التعذيب.
ليبقى السؤال المعضلة حول إمكانية محاسبة من تعرض للصحفيين في سوريا و ارتكب الانتهاكات الجسيمة بحقهم، في ظل غياب أهم العوامل الأساسية لتحقيق ذلك، والمتمثل بمنح المحكمة الجنائية الدولية المقدرة لأن تقوم بتحقيقات على الأرض فيما يتعلق بهذه القضايا.
ولعل واقع الصحافة في المنطقة العربية ومنها سوريا؛ لم يكن في تاريخه بخير، حيث كان دائما الصحفي يعاني من الاضطهاد، وكانت ثقافة التعاطي مع الإعلاميين في العالم العربي ثقافة سيئة بالعموم، ليسوء الحال أكثر في الحروب والأزمات، الأمر الذي يؤدي إلى استسهال استهداف الصحفيين.
صحافة سوريّة تراقب و تحمي الإنتخابات؟
الكاتب الصحفي؛ سامر الأحمد، قال في حديث لـ "راديو روزنة" أن للصحافة الحرة المحايدة دور كبير في الوصول لأعلى درجات نزاهة ممكنة في الانتخابات؛ و ذلك لأنها تكون بمثابة عين الرقيب لنزاهة الإنتخابات، مع ضرورة أن تكون غير منحازة و أن تعطي مساحة واسعة للتعبير عن الرأي.
و من أجل يتحقق دور للصحافة في الانتخابات بسوريا؛ شدد الأحمد على وجوب أن يكون هناك إطلاق للحريات العامة و للحريات الصحفية؛ واعتبر أن تحقيق ذلك يكون مشروطاً في المقام الأول بالتخلص من النظام السياسي القائم في سوريا.
وأضاف حول هذا السياق: "النظام بشكله اليوم لا يمكن أن يسمح بحرية صحافة أولاً؛ و بصحافة تراقب الانتخابات ثانيا؛ و بانتخابات ديمقراطية نزيهة ثالثا، وعند زوال هذا النظام سنكون أمام صحافة تأخذ دورها بشكل صحيح وتوعية الجمهور لممارسة العملية الديمقراطية".
اقرأ أيضاً: الصحافة في سوريا تواجه المخاطر والانتهاكات

وشدد الأحمد على ضرورة وضع قانون إعلام عصري في سوريا خلال المرحلة القادمة؛ يتيح المجال للحريات الصحفية؛ ويراعي مبادئ حقوق الإنسان؛ ويراعي الحفاظ على حيادية وموضوعية الإعلام وسلامة وحماية الصحفيين.
وحول مستقبل حرية الصحافة في ظل الأوضاع القائمة في سوريا؛ قال الأحمد: "نحن بانتظار تسوية سياسية تنتج عملية سياسية وانتقال لنظام ديمقراطي، وهذا النظام الديمقراطي المنشود هو من سيطلق حرية الصحافة لأن تمارس دورها الفعلي".
واعتبر أن من يتحمل التضييق على حرية الصحافة في سوريا هي سلطة النظام السياسي بالمقام الأول، ويأتي ثانيا الفصائل العسكرية والتنظيمات المتطرفة؛ وكذلك قوات سوريا الديمقراطية.
و ختم بالقول: "التحدي كبير اليوم على (الصحفي في سوريا)؛ يبدأ من الحاجز إلى الاعتقال التعسفي والخطف والمنع من التغطية و طرد الصحفيين وهذا حصل في سوريا منذ عام 2011، وللتغلب على هذه التحديات من خلال وجود عملية سياسية؛ ويجب على منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام أن تأخذ دورها بالضغط من خلال المجتمع على القوى العسكرية".
و اختير يوم الثالث من أيار للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة من أجل إحياء ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي عام 1991؛ حيث ينص الإعلان على أنه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرة ومستقلة وقائمة على التعددية؛ وهذا شرط مسبق لضمان أمن الصحفيين أثناء تأدية مهامهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقا سريعا ودقيقا.
ويمثل هذا اليوم بحسب الأمم المتحدة؛ فرصة لـ "الاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة؛ وتقييم حال حرية الصحافة في كل أنحاء العالم؛ و الدفاع عن وسائل الإعلام أمام الهجمات التي تشن على حريتها؛ و الإشادة بالصحفيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء أداء واجبهم".
فيما تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".
اقرأ أيضاً: وسائل إعلام سورية تطلق "دليل السلامة للعمل الإعلامي في سوريا"

و تضع الأمم المتحدة ضمان حرية وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم كأولوية مهمة، وترى أن وسائل الإعلام المستقلة والحرة والتعددية، أسس للحكم الصالح إذ "تعمل وسائل الإعلام الحرة على: ضمان الشفافية والمساءلة وسيادة القانون، وتعزيز المشاركة في الخطاب العام والسياسي، وتسهم في مكافحة الفقر".
واقع الصحافة السورية…
الباحث في مركز الحريات الصحفية، محمد الصطوف، قال في حديث لـ "راديو روزنة" أن إن بيئة العمل الإعلامي في سوريا محفوفة بالمخاطر الكثيرة التي من المحتمل أن يتعرض لها الاعلامي خلال ممارسته لعمله، حيث تتنوع هذه المخاطر؛ وفق وصفه، بين القصف المباشر الذي من الممكن أن يودي بحياة الاعلامي أو يعرضه للإصابة والجرح.
وأضاف الصطوف: بأن "(العامل في الحقل الإعلامي) يتعرض للاعتقال والاحتجاز والاختطاف من مختلف الأطراف المتصارعة على الساحة السورية وخاصة النظام السوري، لما كان للصحفي من دور كبير في نقل وقائع الأحداث على الأرض السورية إلى المجتمع المحلي والدولي على حد سواء".
وأردف قائلاً: "عمل الصحفي والناشط الإعلامي شكل هاجسا لدى الجهات المنتهكة، فأصبح الاستهداف الإعلامي غالبا ما يكون بشكل مباشر؛ كما يتعرض الإعلاميين في سوريا إضافة إلى ذلك للاعتداء بالضرب أو المنع من العمل الإعلامي والتغطية الصحفية؛ وانتهاكات أخرى متنوعة، كل ذلك خلف مئات الانتهاكات ضد الإعلام في سوريا خلال السنوات الماضية، منذ بدء الحراك السلمي عام 2011".
اقرأ أيضاً: الصحفيون يشتكون من رقابة جديدة في المناطق التابعة للمعارضة

الباحث في مركز الحريات الصحفية؛ أشار إلى أن أوضاع العمل الإعلامي في سوريا، كانت متفاوتة بين عام وآخر خلال السنوات الـ 8 الماضية، فكانت تزداد الخطورة عند ازدياد الأعمال العسكرية والقصف الممنهج من النظام وحليفه الروسي، أو الضغط على الحريات الإعلامية من مختلف الأطراف الاخرى، إلا أنه أكد أن عام 2013 وعام 2017 شهدا ارتفاعا في الانتهاكات المختلفة.
ونوه بأن ما يتعرض له الإعلاميون في سوريا يتعرض له باقي المدنيين من انتهاكات وجرائم ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية، وخاصة ما يرتكبه النظام السوري وحلفائه بمختلف الوسائل القمعية، وفق قوله، مضيفاً: "وإن كان الاستهداف للصحفيين والإعلاميين يكون بشكل مباشر".
الشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت في تقريرها الصادر اليوم الجمعة؛ بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة إن واقع المواطن الصحفي في سوريا يتجه نحو الاعتزال أو التشريد، وقد ذكر التقرير أن سوريا جاءت في المرتبة 174 من بين 180 حسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2019 الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود.
وأشار التقرير إلى أن النظام السوري يتحمل المسؤولية الأكبر فيما وصلت إليه سوريا من أسوأ التصنيفات على مستوى العالم، وتشويه صورة سوريا والشعب السوري، واعتبر التقرير أن هيمنة الأجهزة الأمنية على أي هامش للصحافة أو الإعلام قد بدأت منذ بداية سلطة النظام في عهد الأسد الأب؛ وازدادت بشكل فظيع بعد اندلاع الحراك الشعبي في آذار/ 2011؛ كون الصحافة المستقلة سوف تفضح ممارسات وانتهاكات النظام وتدحض زيف ادعاءاته التي كان ينشرها عبر وسائل الإعلام الرسمية، و التي تحكمت فيها الأجهزة الأمنية بشكل مطلق.
وطالب التقرير مجلس الأمن الدولي بالمساهمة في مكافحة سياسة الإفلات من العقاب عبر إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية وبذل جهود واضحة في إنهاء حالة النزاع في سوريا عبر عملية سياسية تنقل سوريا من دولة شمولية إلى دولة حضارية ديمقراطية مستقرة.
الكلمات المفتاحية