طرح إعلان استثمار مرفأ طرطوس من قبل روسيا أسئلة كثيرة، كان أبرزها مصير العاملين ومستقبلهم، إذ يتخوف عدد كبير منهم أن يتم صرفهم تعسفياً من قبل الشركة الجديدة التي ستستثمر المرفأ.
تلك التخوفات برزت مع وجود همس حول خلاف بين الشر كة الروسية المستثمرة وإدارة المرفأ، إذ من بين الأفكار التي طرحت حول مسألة العمال الموجودين، كان إبقاء نحو 35 في المئة من إجمالي عدد العمال البالغ ٥٣٥٠، وتحويل الآخرين إلى جهات حكومية أخرى، أو إحالة بعضهم إلى التقاعد المبكر.
"بات واضحاً أن المواطن السوري هو المستهدف الوحيد في هذه الحرب" تجيب مها، الموظفة بالمرفأ، لدى سؤالها عما ستؤول إليه أوضاع العمال في المرفأ. وتضيف لـ"روزنة": "المتضرر الأكبر هو العامل العادي صاحب الدخل المحدود. خطابات كثيرة وأفعال معدومة، لقد انعدمت الثقة ما بين الشعب والحكومة، لا قرار جاء لمصلحة المواطن على العكس زاد من الطين بله".
مها، الأم لخمسة أطفال والتي تعمل في المرفأ منذ 26 سنة، تخشى صرفها تعسفياً من وظيفتها من دون حصولها على تعويض. وهي ترى أياماً سوداء في انتظارها في حال صحّت تخوفاتها. تقول "مهزلة الأسعار مضحكة، الحياة الكريمة منهارة إلا لأصحاب الجاه والمصفقين، لا قرارت جيدة تعطي الأمل ولا شيء يثلج الصدور، وإن تكلمت بوجع الناس قالوا عنك متآمر مع الخارج أو عميل! أين الحل؟".
حال الترقب لم يقتصر على الموظفين الذين قضوا سنيناً طويلة في عملهم بالمرفأ، إنما طال أيضاً أصحاب العقود المؤقتة، أو العمال المياومين، إذ كان العمل في المرفأ يشكل لهم حبل نجاة رفيع لمواجهة سوء حالهم وانعدام مصادر قوتهم.
اقرأ أيضاً: تضارب المعلومات حول مصير عمال مرفأ طرطوس.. وحكومة النظام آخر من يعلم!
بشعره المغزول بالشيب، ووجهه الذي كورته تجاعيدٌ تحاكي المعاناة الكبيرة التي قاساها بعد فراره مع عائلته من حصار قرية الفوعة في ريف إدلب، وتوجهه إلى مدينة طرطوس، حيث يعمل اليوم في مرفئها، يشكو أبو عمر سوء حاله، ويروي لـ"روزنة" مخاوفه: "هربت من حصار إلى حصار آخر.. وكأن القدر لا يريد لي أن أهنأ أو أستريح بعض الشيء".
يضيف أبو عمر "بدأت العمل في المرفأ منذ سنة، من دون وجود عقد ملزم أو راتب ثابت، عملت كحارس لمدة وحمّالاً للبضائع مدة أخرى، وكنت أتقاضى أجراً يومياً يختلف مع اختلاف العمل".
ويبلغ عدد العمال المياومين أو بعقود مؤقتة نحو 1800، تقتصر مهامهم على تفريغ وتحميل البضائع في المرفأ، وهذه العقود نص عليها القانون رقم 75 لعام 1979 بإطار نظام الاستثمار المطبق على المرفأ، وأخيراً بالاستناد إلى أحكام النظام الداخلي للشركة، والأخير قد يتغير مع دخول الشركة الروسية.

ويعود تاريخ آخر قرار لتنظيم عقود العمال المياومين السنوية في مرفأ طرطوس، إلى الخامس عشر من أيلول/سبتمبر، حيث حفظ قرار صدر عن رئاسة مجلس الوزراء حقوق نحو 1700 عامل قضوا أكثر من ثماني سنوات من العمل في المرفأ، وكانوا دائماً مهددين بخسارة وظائفهم، حيث قامت وزارة النقل بالاحتفاظ بهم في المرفأ ونظّمت عقود توظيفهم السنوية. وهؤلاء يتقاضون أجوراً زهيدة جداً، خصوصاً مع وصول متوسط دخل الفرد إلى حدود 60 دولار، مقابل 460 دولار قيمة احتياجات أسرة مؤلفة من 5 أفراد.
وتزداد مخاوف المواطنين من التسريح و توقف العقود للمياومين من العاملين في الميناء بسبب انعدام فرص العمل في المحافظة، وحسب مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة طرطوس بلغ عدد المسجلين لديها في مكتب التشغيل بلغ 235949
من آذار وحتى كانون الأول في العام الماضي، ولم تستطع تأمين سوى 17 فرصة عمل في شركات القطاع الخاص في المدينة.
والمحافظة التي يبلغ عدد سكانها نحو 800 ألف نسمة، قالت صحيفة البعث أن عدد القتلى من المقاتلين العسكريين وصل منذ عام 2011 نحو /8689/ قتيل، فيما لم تشهد أي عمليات عسكرية ميدانية داخل المدينة خلال السنوات الماضية.

و يعتبر نظام استثمار الشراكات العامة معمول به داخل سوريا، و هو أحد أنظمة العقود التشاركية بين القطاع العام و الخاص، و اصدر الاسد المرسوم التشريعي رقم /8/ لعام 2007 سمح بموجبه للاجانب بتملك واستئجار الاراضى والعقارات اللازمة لإقامة المشاريع الاستثمارية.
وأوضح الوزير أن "تحديد فترة العقد ب49 عاماً كون الدراسة والجدوى الاقتصادية للمشروع تحتاج لهذه المدة لتحقيق الربح المطلوب للطرفين، فاستثمار مرفأ طرطوس سيعود بإيرادات كبيرة على الاقتصاد الوطني".

ويتضمن المشروع توسيع الجزء الشمالي من المرفأ الذي بنته شركة دنماركية عام 1960، وتحديث بنيته التحتية وإنشاء مرفأ جديد بتكلفة تقديرية تتجاوز 500 مليون دولار. وأضاف حمود في تصريحاته للصحيفة، أن "المرفأ قديم، و أن الأرصفة الموجودة حالياً أعماقها تتراوح بين 4 و13 متراً ولا يستوعب أكثر من 30 لـ35 ألف طن كوزن سفينة واحدة، وبالتالي كان لابد من السعي لتأمين أرصفة جديدة بأعماق كبيرة تستوعب حمولات سفن تصل إلى 100 ألف طن وهذا يتطلب مبالغ كبيرة".
وأشار الوزير إلى أن سوريا لديها "تجارب كثيرة في مجال الاستثمار في المرافئ، فهناك شركة فلبينية كانت تعمل في مرفأ طرطوس وتوقف عملها في بداية الحرب ولدينا شركة مشتركة فرنسية - سورية تعمل في مرفأ اللاذقية في الإدارة والاستثمار، وهي مستمرة بالعمل، وهذه التجارب كانت ناجحة ونعوّل على الشراكة الروسية بأنها ستكون أكثر نجاحاً".
ماذا سيغيّر استثمار روسيا للمرفأ؟
توضح رهف، الموظفة في قسم إدارة المعلومات لـ"روزنة": "نحن بحاجة للتفكير بطريقة مختلفة لأن التفكير النمطي لا يحل مشكلة صعبة، فلا الرقص أمام الكازيات ولا المشي وركوب الأحصنة أو الدراجة ولا توزيع السندويش والعصير والكتب والجرائد على طوابير الكازيات ولا حتى التنديد من وراء الشاشة حول مسألة تخفيض عدد عمال المرفأ قادر على إيجاد الحل الصحيح". وتتابع "نحن بحاجة لقرارات جريئة تساعد في إفشال الحصار الاقتصادي، وتوظيف البدائل لتخفيف وطأة العقوبات على الشعب".

يشار إلى أن استثمارات روسيا لم تقتصر فقط على استئجار مرفأ طرطوس، بل زادت لتشمل الكورنيش البحري وشراء أراض بحرية واسعة لتنفيذ مشاريع ضخمة. وتستثمر شركة "ستروي ترانس غاز لوجستيك" في أكثر من قطاع داخل سوريا، وذكرت صحيفة "الوطن" السورية أن الأسد أصدر قانونا صدق بموجبه على عقد موقع بهذا الشأن بين المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية وشركة "ستروي ترانس غاز لوجستيك" الروسية.وبموجب العقد سيتم تقاسم الإنتاج بين الطرفين، حيث تبلغ حصة المؤسسة السورية من كمية الإنتاج نسبة 30%، مقابل 70% للشركة الروسية.