ما الذي سيوقف توغل النفوذ الإيراني في سوريا؟

ما الذي سيوقف توغل النفوذ الإيراني في سوريا؟
الأخبار العاجلة | 23 أبريل 2019

ترتفع حدة المؤشرات المطالبة بإخراج النفوذ الإيراني من سوريا بشكل نهائي؛ وسط تطورات متعددة تحصل على الساحة السورية بين الحين والآخر خلال الشهور القليلة الماضية.

ووسط استمرار الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع عسكرية تتمركز فيها قوات تابعة لإيران؛ فضلا عن استهداف مقرات عسكرية تُخزّن فيها طهران عدد من الأسلحة والصواريخ المتطورة، ترفع واشنطن من لهجتها التي تؤكد من خلالها على ضمان إنهاء أي "خطر" إيراني يستهدف مصالحها في المنطقة سواء كان ذلك في سوريا أو حتى في العراق ومناطق متفرقة من المنطقة العربية.

موسكو هي الأخرى يبدو أنها بدأت في تفعيل خيار مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا؛ فعلى الرغم من الأنباء المتداولة مؤخراً والتي أشارت إلى حدوث إشتباكات تابعة لكل من الطرفين سواء في محيط مطار حلب أو في مناطق من ريف حماة.

فإن موسكو ومع إعلان تسريبات روسية عن مبادرة تقوم عليها الرئاسة الروسية لتقريب وجهات النظر بين الرياض و دمشق؛ فإن ذلك يعني حكماً أن المطلب الرئيسي لإنجاح هذه المساعي سيتجلى في إبعاد أي نفوذ إيراني عن سوريا.

ذلك الأمر قد يتجلى بشكل أكبر خلال الأيام القليلة القادمة، إلا أنه وعلى الرغم من حالة العزلة السياسية التي تواجهها طهران، وكذلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي دفعتها إلى تقليص ميزانية الدفاع إلى النصف، إلا أن الحرس الثوري (الذي وضعته واشنطن مؤخراً على قائمة الإرهاب)؛ له الأولوية الرئيسية ودعم أنشطته الخارجية خاصة في سوريا؛ والتي تحظى بالاهتمام الكبير من إيران، والنفوذ الإقليمي الذي تسعى له طهران هو ما يشكل حالة وجود إيران؛ والتخلي عنه يعني انسحاب إيران عن المشهد كقوة إقليمية.
 

اقرأ أيضاً: سباق روسي-إيراني على الملف السوري مع أنقرة... لمن الغلبة؟


وبعد دفع فاتورة كبيرة للتدخل الإيراني في سوريا، وعلى إثر المشاركة العميقة في "الحرب في سوريا" والتي خاضتها طهران إلى بجانب النظام، فإنها لن تتخلى عن تواجدها بسوريا؛ "بسهولة".

فالتواجد الإيراني في سوريا بحسب تقديرات مراقبين يمثل مصالح رئيسية واستراتيجية لطهران، لذلك فإنه وبعد كل هذه السنين وكل هذا الدور والمبالغ التي دفعتها طهران في سوريا، فإنها لن تتخلى بسهولة عن وجودها ونفوذها.

ماذا عن استمرارية التجذر الإيراني في سوريا؟

الكاتب والباحث السوري؛ خالد تركاوي، قال لـ "راديو روزنة" أن إيران و لضمان استمراريتها في سوريا تستخدم الوجود العسكري الذي بنته منذ العام 2012، كنقطة انطلاق لاختراق الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك فإنها تستمر بالتغلغل وإعادة هندسة المجتمع السوري بشكل دائم لخدمة مصالحها، خاصة في ضوء الفراغ الناشيء عن نزوح عدد كبير من السوريين، وانشغال المعارضة بمشاريع سياسية ثانوية إضافة لشلل الخطاب الدولي.

واستذكر تركاوي حول جزئية الاستراتيجية الإيرانية التي بدأت بالتوجه نحو التجذر في المجتمع السوري، بالقول: "في حمص القديمة عام 2012، ألقى الثوار القبض على عدد من عناصر اللجان الشعبية، ومما يلفت النظر آنذاك؛ أن العناصر سوريي الجنسية تلقوا تدريبات في معسكرات قرب طهران العاصمة الإيرانية".

وتابع مضيفاً: "وفي محيط حمص القديمة كان ضباط إيرانيين يقدمون الدعم لقوات الدفاع الوطني من خلال تدريبات ميدانية وإشراف على الأعمال العسكرية، هذه الأعمال وإن كانت قد انطلقت من تدريبات وتقديم دعم لوجستي وفني إلا أنها تسارعت لتشكيل منظومات عسكرية مرتبطة بإيران، وتجسدت بشكل رئيسي في بناء جماعات عسكرية مرتبطة مالياً وعسكرياً وإيدلوجياً بإيران".

وأردف مُذكّراً بملف تهجير سكان حي الوعر في مدينة حمص عام 2017، "عندما تم تهجير(سكان) حي الوعر بحمص سارت القافلة برفقة القوات الروسية عبر مناطق شرق شمال حمص (التي كانت منطقة نفوذ إيرانية)، وقد كانت الرايات المرفوعة والوجوه لعسكريين تلك المنطقة كلها تدل على أنهم أجانب".

وتشير تقديرات دراسات أجرتها "الرابطة السورية لكرامة المواطن" التي تحدثت عن التغيير الديمغرافي في سوريا؛ إلى تحذيرات عديدة من خطر تهجير المدنيين من مناطقهم وبلداتهم في بقاع مختلفة سورية؛ حيث لفتت تلك الدراسات إلى أن استمرار مسلسل التهجير وعدم عودة سكان المناطق الأصليين إلى منازلهم واحيائهم ينذر بالكشف عن مخطط معد مسبقاً لتغيير الهندسة الديموغرافية في سوريا.

ولم تكن حمص وحدها التي سارت على طريق التهجير أو فيما أسمته حكومة النظام بـ "التسوية"، فقد كانت مناطق مثل الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ومدن وبلدات من محافظة درعا، فضلا عن المناطق الشرقية من مدينة حلب، وبلدات وقرى عديدة في أرياف دمشق وحمص والقنيطرة شاهدة على هذا السيناريو.


قد يهمك: خط أحمر إيراني تجاوزه ترامب.. هل بدأت طهران تستشعر الخطر من "إسرائيل"؟


واعتبر تركاوي أنه وعلى الرغم من نجاح إيران من ناحية تشكيل قوات سورية وغير سورية موالية وتابعة لها وذلك في ظل نظام سوري متأكل ومتكئ عليها بشكل كبير، إلا أنه اعتبر أن إيران تدرك تماماً أن العناصر المقاتلة الموالية لها لن تشكل لها مرتكزاً مستقبلياً في سوريا، مضيفاً أنه وبحكم أهمية "الجيوبوليتيك" (الجغرافيا السياسية) داخل المعادلة السورية، فإن إيران قد بدأت منذ عام 2013 تنتقل للعمل بكثافة على محوري الاقتصاد والاجتماع السوري؛ حسب تعبيره.

على الصعيد الاقتصادي أشار الباحث خالد تركاوي لـ"روزنة" إلى أن إيران أعطت للنظام قروضاً مفتوحة السقف لتمويل أنشطة "الحكومة ومؤسساتها"، وكذلك وقعت عقود مع النظام للاستثمار في مجال الطاقة الكهربائية من خلال بناء محطة في اللاذقية على الساحل السوري قبالة أميال من أوروبا "بقيمة عقد 400 مليون يورو؛ وطاقة انتاجية 540 ميغا وات".

وكذلك فقد وقع النظام مع طهران عقوداً لإعادة بناء محطات الكهرباء في حمص ودير الزور وحلب، إضافة إلى استثمارات في حقول الفوسفات شرق حمص إضافة لمصفاة جديدة في ذات المنطقة، وفي عام 2017 تم الاتفاق على استثمار حقول نفط قرب دير الزور من قبل إيران، وهي المنطقة التي تشكل الممر البري من الساحل السوري نحو العراق.

وتابع في نفس السياق بالقول: "(لقد) استثمر رجال أعمال إيرانيين في مطاعم وصالات رجال الأعمال وشركات الصيانة في مطار دمشق الدولي، كما وقعّت إيران عقداً لبناء مشغل اتصالات ثالث، وهي سلسلة من مشاريع لها قطاعات رديفة في مجال الكهرباء والنقل في العراق منذ سنوات طويلة".

طهران أنفقت منذ عام 2011 أكثر من 20 مليار دولار مساعدات عسكرية ومالية للنظام، كما قدمت إليه تسهيلات ائتمانية تُقَدَّر بمليار دولار سنوياً، وذلك بهدف الحفاظ عليه وعلى مصالحها في المنطقة، و في خطوة وصفتها دمشق بالتاريخية، وقعت حكومة النظام السوري والسلطات الإيرانية نهاية شهر كانون الثاني الماضي؛ اتفاقا حول التعاون الاقتصادي الاستراتيجي بعيد الأمد بين الجانبين.

وجرى توقيع الاتفاق آنذاك على يد رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، ونائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، حيث تم إبرام 9 مذكرات تفاهم في مجالات عدة بينها سكك الحديد وبناء المنازل والاستثمار ومكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال بالإضافة إلى التعليم والثقافة.

وفي تصريحات أدلى بها عقب مراسم التوقيع، اعتبر خميس أن الاتفاقات التي أبرمتها حكومته مع إيران "دلالة على جدية دمشق بشكل كبير في تقديم التسهيلات للشركات الإيرانية العامة والخاصة للاستثمار وإعادة الإعمار"، وأضاف أنها تجري "استكمالا للاتفاقيات الموقعة سابقا لكن اتفاقية التعاون الاقتصادي طويل الأمد هي أهم اتفاقية"، معتبرا أن التوقيع على (الاتفاقات) هي "لحظة تاريخية" في العلاقات" بين البلدين.

هل من مواجهة لتوغل المشروع الإيراني؟

و أما على الجانب الاجتماعي فقد أوضح تركاوي خلال حديثه لـ "روزنة" إلى استمرار الرحلات الدينية من طهران إلى دمشق بتكاليف بخسة "لزيارة المراقد الشيعية"، وفق وصفه، فضلاً عن توسع نطاق المساعدات المالية والغذائية للفئات الفقيرة في حزام دمشق.

وأضاف: "يسعى التجار العراقيون والإيرانيين لشراء مزيد من العقارات داخل العاصمة دمشق؛ إضافة لمشروع بساتين المزة خلف السفارة الإيرانية ومشاريع أخرى في محيط العاصمة دمشق، حيث يسيطر حزب الله المتبني للإيدلوجية الإيرانية على مساحات واسعة على الحدود اللبنانية السورية؛ وداخل الأراضي السورية في كل من دمشق وحمص،  كما تم التوقيع على عقد لاستثمار 5000 هكتار من المناطق الزراعية في المناطق الشرقية؛ التي تصاحبها حملة واسعة لرجال الدين الإيرانيين لجذب السكان وتغير ايدلوجيتهم باستخدام كل الأدوات الممكنة بما فيها الغذاء والمال".

في شهر شباط الماضي؛ أعلن نائب رئيس جمعية المقاولين في طهران ايرج رهبر، في تصريح لوكالة "فارس" الإيرانية، أن طهران تستعد لبناء مدينة و200 ألف وحدة سكنية في دمشق، وذلك في إطار مذكرة تفاهم تم إبرامها بين طهران ودمشق شهر كانون الثاني.

ولفت إيرج رهبر آنذاك بأن مذكرة التفاهم المبرمة تقضي ببناء مدينة و200 ألف وحدة سكنية، مرجحاً تنفيذ المذكرة في غضون الأشهر المقبلة، وبيّن رهبر أن الأعمال الإنشائية المذكورة سترتكز في العاصمة دمشق، كما نقل رئيس جمعية مقاولي طهران رغبة الجانب السوري بحضور المقاولين الإيرانين في إعادة إعمار سوريا.


اقرأ أيضاً: إسرائيل تنذر بعاصفة عسكرية ضد إيران في سوريا!


الكاتب والباحث السوري؛ خالد تركاوي لفت في حديثه لـ "روزنة" بأن عام 2019 وصلت فيه إيران إلى عنق الزجاجة في تكوين النظام الاجتماعي والاقتصادي الخاص بها في سوريا؛ بعد إنضاج المنظومة العسكرية خلال السنوات السابقة؛ وفق رأيه.

وأضاف: "التحديات الحالية أمام إيران هي التنافس بين المستثمرين من خلفيات سياسية مختلفة سواء روس أو سوريين، كذلك القوى المحلية داخل سوريا، وطريقة تعامل المجتمع الدولي مع هذا التقدم الإيراني في سوريا".

ووفق الاعتبارات التي أشار إليها تركاوي يلفت من خلالها إلى أن إيران بدأت بـ "التشبيك" أكثر مع المجتمعات المحلية من خلال منظومتها "الدينية والسياسية" حيث يزور موظفوها الضباط والمسؤولين المحليين المؤثرين في القرار؛ مستخدمين كافة الوسائل المتاحة لاستمالتهم، "بما في ذلك حمايتهم من الإقالة أو ترقيتهم على السلم الوظيفي"؛ حسب تعبيره.

وكانت مصادر عسكرية معارضة أفادت لـ "روزنة" في وقت سابق إلى أنه وعلى إثر وجود صراع قوي بين روسيا وإيران؛ من أجل فرض النفوذ داخل فروع الأمن لدى النظام السوري وكذلك وزارة الدفاع، فإن روسيا شعرت بأنه إذا ما أرادت فرض قرارها على النظام؛ فيتعين عليها أن تمسك بمفاصل القرار الداخلي والمتمثل بشكل رئيسي بالمفصل الأمني و المفصل العسكري، ومن خلال ذلك يتوجب عليها سحب البساط من تحت الجانب الإيراني بشكل نهائي وحاسم، ما قد يصل إلى سعي روسيا لحل الفرقة الرابعة في قوات النظام؛ والتي تعتبرها موسكو تابعة للنفوذ الإيراني.

وختم تركاوي حديثه لـ "روزنة" بالقول: "التحركات الإيرانية لاستكمال نظام اجتماعي واقتصادي موالي لها؛ سريعة ومركزة ووفق خطوات ممنهجة واستراتيجية في ظل غياب مشاريع قادرة على الردع، وانشغال المعارضة بوهم الحل السياسي في الظروف الحالية، حيث تغيب الأكثرية القادرة على التأثير في القرار وتتراجع المعارضة العسكرية وتشغل المعارضة السياسية بصياغة الدستور والبحث في تفاصيل أسماء لتشكيل لجنة دستورية، الأمر الذي يتوقع -إذا ما استمر على ذات الخطوات الحالية- خلال فترة قريبة أن نشهد نشوء مجتمعات جديدة مؤدلجة إيرانياً ستشكل بعداً وعمقاً لن تتمكن المشاريع الأخرى من تجاوزه لعشرات السنوات".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق