عَقبَ اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني؛ محمد جواد ظريف، مع رئيس النظام السوري بشار الأسد؛ في دمشق، يوم الثلاثاء الفائت، وصل ظريف إلى أنقرة يوم الأربعاء حيث التقى خلال هذه الزيارة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
اللقاء الذي جمع ظريف بأردوغان تشير التوقعات والتحليلات بأن ما دار به قد يشي بالكثير من التطورات خلال الأيام القادمة على صعيد العلاقات بين أنقرة و دمشق من خلال الوسيط الإيراني.
و رغم أن ظريف لم يفصح عن وجود وساطة إيرانية بين دمشق وأنقرة، إلا أنه أعلن عن سعي بلاده إلى إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة إلى طبيعتها؛ فقد جدد التأكيد على التفهم الإيراني للمخاوف التركية من التهديدات الإرهابية، وأهمية ضبط قوات النظام السوري لحدود بلاده لإذابة القلق التركي وإنهاء مخاوف أنقرة.
هذا وتأتي زيارة ظريف إلى أنقرة قبل أسبوع من عقد الجولة القادمة من محادثات أستانا؛ في العاصمة الكازاخية "نور سلطان"، حيث يرتقب أن يهيمن ملف تشكيل اللجنة الدستورية والوضع في إدلب على قائمة جدول أعمالها.
ومن المتوقع أن تحمل الاجتماعات التي قام بها ظريف قبل محادثات أستانا القادمة؛ الكثير من الخطوات التي قد تنقل العديد من الملفات ذات الصلة بالشأن السوري نحو الأمام.
ساعي البريد الإيراني؟
الباحث و المستشار السياسي؛ د.باسل الحاج جاسم، اعتبر خلال حديث لـ "راديو روزنة" أن وزير الخارجية الإيراني لديه الكثير لحمله من دمشق لأنقرة، خاصة وأن ظريف كان تحدث بشيء من هذا صراحة، عندما قال انه اجتمع طويلا مع الأسد و سينقل ذلك إلى الرئيس التركي، مشيراً إلى أن طهران سبق و أن أبدت استعدادها للعب دور وسيط بين أنقرة و دمشق.
وأضاف بالقول: "في السياسة كل شيء ممكن، لاسيما في ظل التعقيد الكبير الذي تمر به اليوم خارطة توزع وسيطرة القوى داخل الجغرافية السورية، و أنقرة اليوم تعمل بالدرجة الأولى داخل سوريا من خلال التنسيق مع موسكو من جهة، و مع طهران بدرجة أقل، و تجلى ذلك في عمليات درع الفرات و غصن الزيتون لمحاربة الإرهاب داخل سوريا، و سبق ذلك اتفاق حلب، وأخيرا اتفاق سوتشي حول إدلب، ولكن لم يكن هناك مفر من دور إيراني لما تمتلكه من مجموعات و (مقاتلين) داخل الأراضي السورية، و هنا كانت عملية أستانا الثلاثية التي جمعت روسيا و تركيا و إيران".
هذا وتشير زيارة الوزير الإيراني إلى أنقرة بأنها تأتي ضمن محاولة إيرانية لإقناع تركيا على التقارب مع دمشق خلال الفترة القريبة القادمة؛ لتعزيز الحفاظ على مصالح أنقرة في سوريا، بالتوازي مع رغبة إيرانية في تعزيز دورها الإقليمي؛ من خلال تدخلها في منح ضمانات أكيدة لأنقرة إزاء مصالح أمنها القومي.
اقرأ أيضاً:كيف ستنجح روسيا في تمرير اتفاقاتها مع تركيا؟
المستشار السياسي حاج جاسم؛ لفت خلال حديثه لـ "روزنة" إلى الرغبة الروسية في فتح قناة مباشرة بين دمشق و أنقرة؛ وذلك من خلال التلويح أكثر من مرة في إحياء اتفاق أضنة، وكذلك ضرورة تنسيق أي تحرك عسكري خارجي داخل سوريا مع دمشق، باعتبار وجود خطر مشترك في شمال و شرق البلاد، يهدد وحدة الأراضي السورية أولا، وهو ما يشكل أيضاً وقت تهديدا للأمن القومي التركي.
وتابع في هذا السياق: "(هناك) المجموعة المسلحة التي تشكل امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني(المصنف على قوائم الإرهاب في الناتو)، (قد) تمددت في بقعة جغرافية يشكل العرب فيها غالبية مطلقة تحت ذريعة محاربة داعش، (الرقة العرب فيها أكثر من 93 بالمئة، الحسكة العرب هناك أكثر من 75 بالمئة، منبج العرب أكثر من 94 بالمئة، دير الزور و تل رفعت العرب هناك أكثر من 99 بالمئة، و الباقي خليط بين أكراد وتركمان و آشوريين وأرمن وغيرهم)، حيث ارتكبت قوات الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني ( YPG /PKK) جرائم حرب ضد العرب في شمال و شرق سوريا وفق تقارير منظمة العفو الدولية".
بينما اعتبر حاج جاسم أن ملف إدلب محكوم تماما بالتفاهم الروسي التركي، إلا أنه أشار إلى أن ملف شرق الفرات حيث "المجموعات الانفصالية" وفق تعبيره؛ فإنه يحتاج لتنسيق بين أكثر من جهة، قد يكون بينها تنسيق أنقرة دمشق في شق ما، وعلى مستوى معين ما في هذه المرحلة.
هل تنجح إيران في مسعاها مع الجانب التركي؟
الكاتب والباحث السياسي؛ د.مأمون سيد عيسى، اعتبر في حديث لـ "روزنة" أن إيران تقف الآن بين المطرقة الأميركية الإسرائيلية وبين السندان الروسي؛ فهي على حد وصفه تتعرض لعقوبات أميركية تحاول خنقها اقتصاديا من أجل خلق تفجيرها من الداخل، إضافة للضربات الإسرائيلية التي تستهدف مرتكزاتها العسكرية في سوريا، أما الروس فيحاولوا إزاحتها من سوريا كي لا تنافسها في اقتسام الغنيمة السورية.

وأضاف بالقول: "التقطت إيران الإشارة التركية بأنها غير موافقة على تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وبدأت بمحاولة استرضاء الحليف التركي وتعزيز الشراكة مع تركيا، و زيارة ظريف لأنقرة هي ضمن خطة إيران القادمة؛ في العمل على إرضاء الحليف التركي الذي يلعب اللعبة بشكل صحيح، بعد أن كسب الروس و أحضروهم لطرفهم والآن يحاولوا ذلك مع الإيرانيين".
و اعتبر أن أنقرة تحاول تحصيل مكاسب عدة؛ منها تعزيز وقف التصعيد، فضلا عن مطالبات لتركيا بضم حلب لـ غرب الفرات؛ مع تنازلات لإيران ربما بمنطقة جسر الشغور وشرق السكة وجنوب حلب؛ وفق قوله.
وتابع: "لا ننسى أن تركيا هي على علاقات نفطية مع إيران؛ وهذا يستوجب مراضات الحليف التركي وتخفيض حدة التصعيد الحالي في ريف ادلب وريف حماة الشمالي وهذا ما نتوقع أن يحدث".
وكان وزير الخارجية الإيراني قد أعلن قبل لقائه بالرئيس التركي؛ أن انتشار قوات النظام السوري على الحدود مع تركيا هو السبيل الأفضل لصون أمن جميع دول المنطقة.
وقال ظريف في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو يوم الأربعاء "كانت لي محادثات مسهبة مع الرئيس بشار الأسد وسأقدم تقريرا عنها للرئيس رجب طيب أردوغان"، وأضاف أن إيران ترغب بأن تكون العلاقات طيبة ومتقدمة وذات رؤية مستقبلية بين الدول الصديقة لها، وكان ظريف قال للصحفيين في دمشق، سأبحث الوضع في إدلب مع المسؤولين الأتراك.

وقال لدى وصوله إلى أنقرة، سأبحث مع المسؤولين الأتراك القضايا الثنائية والتعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين، كما سيتم بحث القرارات التي اتخذت في اجتماعات اللجنة العليا للعلاقات الثنائية على مستوى رؤساء البلدين.
بينما عرض ظريف مضمون مباحثاته مع الأسد على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال لقائه معه في أنقرة، مساء أمس (الأربعاء)، ملمحاً إلى أن بلاده تسعى لإعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة إلى طبيعتها، والتقى ظريف إردوغان عقب مباحثات مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو تركزت في جانب كبير منها على التطورات في سوريا.
قد يهمك:كيف ستواجه أنقرة الضغوط الأميركية في الملف السوري؟
وقال ظريف في تصريحات صحفية من أنقرة؛ أن بلاده ترغب في أن تسود علاقات ودية بين دول المنطقة، قائلاً: إن طهران لم تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، واكتفت فقط بالإفصاح عن تطلعاتها، وأضاف "سنعمل على إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين جميع الدول، بما فيها بين تركيا وسوريا".
لافتاً بأن الأيام القليلة المقبلة ستشهد عقد اجتماع في مدينة نور سلطان في كازاخستان في سياق مسار آستانا (في 25 و 26 نيسان الحالي)، معرباً عن أمله في إحراز تقدم بمرحلة جديدة إلى الأمام بالتعاون مع الأصدقاء الأتراك والروس، وبمشاركة الأطراف السورية والأمم المتحدة.
وبالنسبة لمطالبات تركيا بإقامة منطقة آمنة لحماية في شمال شرقي سوريا حدودها من تهديدات وحدات حماية الشعب الكردية، قال ظريف: "نحن على علم تماماً بهواجس أصدقائنا في تركيا إزاء التهديدات، وقد أعلنا للأصدقاء في المنطقة دوماً بأن السبيل الأفضل لصون أمن جميع دول المنطقة هو انتشار الجيش السوري (قوات النظام) على الحدود مع تركيا، والاطمئنان إلى عدم قيام أي جماعة إرهابية بالتعرض لتركيا وشعبها".
وكانت تقارير صحفية قد تداولت أنباء تحدثت عن حمل وزير الخارجية الإيرانية رسالة خاصة من رئيس النظام السوري؛ إلى الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، فحواها عودة العلاقات وبدء التطبيع، وهو ما نفاه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سيد عباس موسوي.
ونفى موسوي يوم أمس الأربعاء، النبأ الذي تداولته عدد من وسائل الإعلام حول تفاصيل اللقاء بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ورئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، وأكد المتحدث أن ظريف لم يحمل إلى أردوغان أية رسالة من جانب الأسد، ولكن خلال اللقاء قدم تقرير حول لقائه مع رئيس النظام السوري.
اقرأ أيضاً:شرق الفرات... كلمة السر السوريّة في التوافق الأميركي-الروسي!
وبدأ وزير الخارجية الإيراني يوم الثلاثاء جولة إقليمية بدأها من سوريا؛ حيث التقى ظريف رئيس النظام السوري بحضور وزير خارجيته وليد المعلم.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن ظريف قوله بعد وصوله إلى العاصمة السورية إن زيارته تهدف لمتابعة ما وصفها بـ "الانتصارات الميدانية" في سوريا، وتعزيز المحادثات الرامية للتوصل إلى حل سياسي فيها، وتنسيق سياسات دول المنطقة.

وتعد إيران حليفا قويا للنظام السوري، وقد دعمته عسكريا وماليا خلال سنوات الحرب، ولا تزال مستمرة في دعمه رغم الضغوط التي تتعرض لها لسحب قواتها من الأراضي السورية.
وانتقدت أنقرة مؤخراً العقوبات الأميركية على إيران؛ والتي شملت مؤخرا تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وأكدت مرارا أنها مستمرة في تطوير مبادلاتها التجارية مع جارتها، بينما عبرت طهران عن دعمها لتركيا في مواجهة الضغوط الأميركية عليها.
الكلمات المفتاحية