أعاد مجلس الشعب السوري مشروع قانون الجمارك الذي كان يناقشه تحت القبة إلى مجلس الوزراء لإعادة النظر فيه.
في حين وافق النواب؛ خلال جلستهم الأخيرة، على بعض مواد المشروع منها تحويل "مديرية الجمارك العامة" إلى "هيئة عامة" برئاسة وزير المالية، تتمتع باستقلالية مالية.
موقع قناة "روسيا اليوم" والذي نقل الخبر، ذكر بحسب مصادره أن سبب إعادة المشروع ترجع بسبب منح "سلطة تقديرية كبيرة" منحت لمدير الجمارك؛ وفق مشروع القانون، الأمر الذي لم يقبل به رئيس النظام السوري، وأرسل بكتاب إلى المجلس لإعادة مشروع القانون، وفق ما نقلت حول ذلك صحيفة "الوطن" المحلية.
وكانت مناقشة مواد المشروع شهدت نقاشات حادة بين النواب ووزارة المالية، خاصة أن مناقشة المشروع جاءت وسط أوسع حملة شنتها الجمارك ولم تستثن منطقة وشملت دخول المحلات والمستودعات.
حيث عمدت حكومة النظام مطلع الشهر الفائت إلى إطلاق خطتها في مكافحة التهريب، وتوقعت مصادر محلية في دمشق آنذاك بأن تحصد الضابطة الجمركية ما يصل مقداره إلى مليار ليرة قبل انتهاء الأسبوع الثاني من إطلاق الحملة.
اقرأ أيضاً:صراع بين مجلس الشعب و المصرف المركزي.. ما هي الأسباب؟
وقام جهاز الجمارك بعدة حملات مداهمة في محافظات عدة، بدأها في حماة، وانتقلت إلى درعا والقنيطرة، واستمرت بكثافة في دمشق، حينما حررت الضابطات الجمركية في مدينة دمشق وحدها، أكثر من 40 أمر تحرٍّ شملت العديد من الأسواق والمناطق التجارية بدمشق، أهمها الزبلطاني وزقاق الجن ومحال ومستودعات في دمشق القديمة.
كما تم ضبط مهرَّبات معظمها أدوات صحية ولوازم شبكات وألبسة أطفال والعديد من المواد والبضائع ذات المنشأ التركي، وذلك وفق تصريحات رسمية لمسؤول في الضابطة الجمركية؛ والتي قامت في منتصف الشهر الفائت بتغريم وإغلاق عشرات المحلات التجارية في أسواق المناطق الراقية بدمشق، مثل المالكي وكفرسوسة والطلياني وأبو رمانة والمزة والروضة والشعلان والقصاع، لوجود بضائع مهربة ذات منشأ أجنبي من مواد غذائية ومستحضرات تجميل وألبسة وأحذية وسجاد بلغت غراماتها 115 مليون ليرة سورية.
تسهيل عمليات التهريب؟
المحامي فهد الموسى، أوضح خلال حديثه لـ "راديو روزنة" أن ما قام به الأسد بطلبه إعادة مشروع القانون للدراسة، هو أمر ينتهك مبدأ فصل السلطات الدستورية، لكن هذه القاعدة القانونية المهمة غير معمول بها في سوريا، مشيراً إلى أنه وبحسب الدستور المعمول به من قبل النظام، فإن توجيه الأسد إجراء طبيعي ولا يعتبر خرقا؛ لأنه بالأصل لا يوجد فصل سلطات في سوريا.

وأضاف بالقول: "الأصل بحسب ما هو معمول به ضمن قوانين النظام، بأن ما تقترحه لجان مجلس الشعب من مشاريع قوانين يمكن للسلطة التنفيذية أن تأمرهم بإرجاع القانون للدراسة"، وأردف متابعاً "مبدأ فصل السلطات هو مبدأ دستوري أساسي في كل دساتير العالم، إلا أنه لا يوجد في سوريا هذا المبدأ، وما وجه به الأسد يخل بمبدأ فصل السلطات بحسب الدساتير العالمية، فهو خرق دستوري واضح".
الموسى اعتبر أن سلطة النظام لا ترغب بأن تضبط الجمارك التهريب المنتشر في الأسواق السورية؛ لأن النظام وفق وجهة نظره لا يرى بأن من مصلحته زعزعة السوق، فضلا عن سعي واضح من النظام لمنع الجمارك من مكافحة التهريب.
قد يهمك:ما هي أبرز ملامح السياسة الاقتصادية للنظام السوري خلال عام 2018؟
وتابع موضحاً حول ذلك: "هنا ينبغي الإشارة إلى أن أزمة المحروقات التي يعاني منها النظام، فهو من خلال تهريب المحروقات من المناطق المحررة إلى مناطق سيطرته يستفيد من ذلك ، فضلا عن تهريب المواد والسلع الغذائية التركية المهربة، فجميع هذه المواد أيضا تدخل من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام عن طريق التهريب".
وختم منوهاً بأن سلطة النظام تسعى من خلال ذلك لحماية الجماعات المسلحة التابعة له والمهربين كذلك، وأضاف: "فمن هذه الحالة يمكن التنويه إلى علاقة وثيقة بين تلك الجماعات المسلحة والمهربين وضباط المخابرات".
إعادة هيكلة الجمارك!
الباحث والخبير الاقتصادي؛ أدهم قضيماتي، أفاد خلال حديثه لـ "راديو روزنة" حول مشروع القانون المتعلق بالجمارك، بأن سن قانون جديد للجمارك في سوريا يحتاج إلى إعادة هيكلية مديرية الجمارك بحد ذاتها وتسريح نسبة كبيرة من العاملين فيها؛ وفق قوله.
معتبراً أن هذا التوجه بحاجة أيضاً إلى دراسة واقعية من خبراء مختصين وتشكيل عدة لجان من النقل البحري والجوي والبري؛ والعمل على ربط قوانين هذه المديريات ببعضها المتعلقة بالجمارك، إلا أن كل هذا لم يتم العمل به في القانون الجديد؛ خاصة بعد القبول بتحويل المديرية العامة للجمارك إلى هيئة عاملة للجمارك.
وأكد قضيماتي على أن هكذا تحويل يحتاج إلى إقرار تشريعات وتسهيلات؛ وكذلك وجود بيئة عمل تجذب المستثمرين الدوليين دون اعتبارات شخصية من قبل المسؤولين في النظام.
إلا أن المشروع الجديد يعمل على دمج الضابطة الجمركية مع إدارة الجمارك العامة؛ مما يسهل وبشكل أكبر إدخال وإخراج كل ما يريده النظام السوري من وإلى سوريا؛ وفق اعتبار الخبير الاقتصادي.
اقرأ أيضاً:"البطاقة الذكية" أولى خطوات حكومة النظام لـ "خصخصة" القطاع النفطي
وختم حديثه لـ "روزنة" بالقول: "إن مديرية الجمارك في سوريا تلقب بمديرية الفساد والفاسدين؛ فهل يستطيع النظام السوري أن يقنع أزلامه وموظفيه بالإقلاع عن الفساد والرشوات والاتاوات، وإصدار قانون جديد يحمي خزينة الدولة من السرقات المعتادة".
حملة مكافحة التهريب التي أطلقتها حكومة النظام؛ في الشهر الفائت، وجّهت ضربة قاسية إلى الأسواق التجارية في وقت ترزح فيه البلاد تحت حالة ركود قاس، بالتوازي مع تفاقم أزمة الوقود ومواد الطاقة (الغاز والمشتقات النفطية والكهرباء).
وكانت وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، أكدت أن الحملة المستمرة منذ سنوات "ساهمت في تحقيق إيرادات كبيرة ودعمت الخزينة العامة بالأموال الوطنية والقطع الأجنبي"، بينما أشارت مصادر في حكومة النظام بحسب تقارير صحفية محلية، بأن ضبط التهريب هو الأساس في تحقيق سياسات ترشيد المستوردات والحفاظ على القطع الأجنبي "وحماية الاقتصاد الوطني".
الكلمات المفتاحية