دمشق: حظر الدروس الخصوصية يضاعف معاناة طلبة المدارس

دمشق: حظر الدروس الخصوصية يضاعف معاناة طلبة المدارس
القصص | 23 مارس 2019

تخطى انتشار الدروس الخصوصية لطلبة المدارس في المجتمع السوري حد الظاهرة حتى وصل خلال المرحلة الحالية إلى مستوى الضرورة في أحيان كثيرة، وليس من المبالغة أيضا القول أن هذه الدروس باتت عند بعض العائلات "المقتدرة مادياً" عرفاً سائداً تولعت به من أجل البروز بين معارفهم.

وعند الحديث عن ضرورة الدروس الخصوصية فإن الإشارة تجدر إلى الوضع التعليمي في المدارس السورية الحكومية، والتي بات فيها المدرس مجرد ملقن للتلاميذ ما تحتويه الكتب؛ وفي ظل هذه الواقع ظهرت الدوافع لتزايد الحاجة إلى الدروس الخصوصية.

إلا أنه ومع تطبيق قرار مكافحة الدروس الخصوصية بشكل مشدد؛ الذي أقرته وزارة التربية فقد خسر العديد من المدرسين عملهم الرديف تخوفاً من العقوبات والغرامات التي ستطال هذا العمل.

تضييق على المدرسين!

تقارير صحفية محلية أكدت مؤخرا، أن وزارة التربية في حكومة النظام؛ وجهت مديرياتها "شفويا"، بتأجيل التشديد في معاقبة مدرسي الخصوصي خلال الفترة الحالية، مع إبقاء الرقابة والمتابعة من قبل الضابطيات العدلية في مديريات التربية على المؤسسات التعليمية غير المرخصة أينما وجدت.

وذكرت التقارير بأنه من المتوقع أن الرقابة على مدرسي الخصوصي ستكون كبيرة والمحاسبة ستكون قاسية، بعد أن تقوم الوزارة برفع طبيعة العمل للمدرسين، وتثبيت المعلمين الوكلاء، وكان مُدرّسي طرطوس اشتكوا مؤخراً من مداهمة منازلهم للبحث عن دليل يثبت أنهم يقومون بإعطاء الدروس الخصوصية.

حيث انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخباراً تتحدث عن قيام عدة دوريات تتبع لـ "الضابطة العدلية" في مديرية تربية طرطوس؛ بمداهمة منازل لمدرسين في المحافظة بحثاً عما يثبت قيامهم بالدروس الخصوصية، بينما ادعت وزارة التربية أن عمليات المداهمة كانت عمليات فردية؛ وبأنها غير مسؤولة عنها.

هذا و تبرز عدة عوامل تجعل من "سوق الدروس الخصوصية" سوقاً مزدهراً، ولعل من أهمها المنهاج المدرسي الجديد والوضع المادي للمدرس السوري، حيث يلعب العاملين دوراً مهماً في خلق هذا السوق.

"ولاء.س" (مُدرّسة في أحد أحياء مدينة دمشق)، تتحدث لـ "روزنة" عن أسباب توجهها لامتهان الدروس الخصوصية؛ بالقول: " لقد عملت في القطاع الحكومي لمدة سنتين، ومن بعدها بدأت بالدروس الخصوصية التي كانت معيلاً لي مع عملي في المدرسة، حيث كان تعيني لدى وزارة التربية ضمن نظام الساعات، وكنت أتقاضى 300 ليرة سورية على الساعة، بينما في الدرس الخصوصي أتقاضى 1500 ليرة، ولم تكن النقود التي أكسبها من المدرسة تكفيني أجرة للمواصلات فقط، إذ أن على المُدرّسين المتخرجين حديثاً قضاء فترة تدريسية في مدارس الريف".

بينما تذكر ولاء صعوبات عدة في العمل المدرسي، يأتي منها عدد الطلاب المرتفع ضمن الصف الطلابي الواحد؛ حيث يتوجب على المُدرّس شرح الدرس ضمن الحصة الواحدة خلال 45 دقيقة فقط لـ أكثر من 40 طالب في الصف.

اقرأ أيضاً:الدورة التكميلية للطلاب.. المعارضة وافقت والنظام لا يزال رافضاً!

ويتقاضى المُدرّسون الجدد رواتب شهرية تبلغ حوالي الـ 25 ألف ليرة سورية (ما يعادل الـ 50 دولار أميركي)، وعلى الجانب الآخر تختلف أسعار الدروس الخصوصية بحسب المكان وبحسب طبيعة تلك الدروس، حيث يتقاضى المدرس بالحد الادنى ألف ليرة سورية عن الساعة، وقد تصل أيضاً إلى 5 آلاف على الجلسة الواحدة فقط.

وكذلك فقد تأثر المُدرّسون من عدم استطاعة وزارة التربية استيعاب المُدرّسين الجدد؛ والذين يعتمدون في دخلهم على هذه الدروس، وحول ذلك تحدث "حسين.و" (مُدرّس من منطقة مصياف): "إن لم أقم بالتدريس الخصوصي؛ من أين سأستطيع تأمين متطلبات حياتي، علما أنني أعزب ولا أملك أسرة أعيلها، والوزارة لا تقوم بالمطلوب منها، فمسابقات تعيين المُدرّسين فاسدة وغارقة في الواسطات".

وتابع: " إن سرى قرار مكافحة الدروس الخصوصية بشكل جدي؛ سأكون أنا وزملائي كبش الفداء، فلا يوجد من يدعمنا أو يؤمن لنا واسطة لمزاولة هذا العمل؛ لذا توقفت الآن عن التدريس الخصوصي حتى تظهر عواقب هكذا قرار".

بينما تقول "منى.ص" (مُدرّسة في محافظة حمص): "لا أعرف إن كانت أخبار المداهمات ومنع الدروس الخصوصية صحيحة، ولكن ما أعرفه أن اختياري لأصبح مُدرّسة في سوريا كان نقمة عليي، واختياري أن أبقى في سوريا هو النقمة الأكبر، هم يطردوننا على مهل؛ و يقتلون أبسط وسائل العيش".

من جانبه اعتبر "حسام.ي" مُدرّس في مدينة دمشق، وهو الذي يعتمد في دخله على دورات التقوية التي يقوم بها للصفوف الثانوية، ذكر خلال حديثه لـ "روزنة" كيفية سيعمل قرار منع الدروس الخصوصية على إقصاء المُدرسين من دورهم التعليمي، "إن طُبِقَ القرار بشكل جدي، وتمت الملاحقة بشكل قانوني؛ فهذا يعني حكم بالإعدام على 80 بالمئة من موظفي قطاع التربية، وهذا معناه ازدهاراً للمعاهد المرخصة ومُدرسيّها".

وعلى إثر سريان خبر دوريات التربية التي تقوم بمداهمة منازل المٌدرّسين؛ قام العديد منهم بالتوقف عن إعطاء الدروس الخصوصية، خوفاً من أن يكونوا كبش الفداء في عمليات محاربة الفساد التي تدعيها وزارة التربية في حكومة النظام.

تردي المنهاج التعليمي يزيد من حاجة الدروس الخصوصية!

منع الدروس الخصوصية وملاحقة مُدرّسيها، لم يكن الطامة الوحيدة التي وقعت فيها العملية التعليمية، وإنما وبحسب عدة مُدرّسين فإن الحاجة الماسة التي بررت ضرورة الدروس الخصوصية هي تغيير المناهج بشكل جذري وقيامها على آلية تعليم غير متاحة في المدارس العامة.

حيث لفت المُدرّس "حسام.ي" وهو الذي قضى نحو 30 عاما في التدريس، أن المنهاج الجديد الذي بدأ اعتماده منذ عام 2017، يعتمد على أسلوب تعليم لم يطرح في سوريا من قبل، إذ أن اغلب المواد الدراسية تحتاج لمشاركة بين المُدرّس والطالب؛ في البحث عن المعلومة، إضافة للتجارب العلمية وحلقات البحث والنمط التشاركي، وهو الأسلوب الذي يختلف تماما عن أسلوب التعليم التلقيني المتبع في سوريا منذ عقود.

وأضاف حول ذلك متابعاً: "تدريس منهاج كهذا يتطلب إعداد بنية تعليمية؛ تتوافق ومتطلباته، إذ لا يمكن تلقين أبحاث علمية للطلبة، إضافة لإشكالية هيكلية المدرسة السورية؛ وبنية الكادر التدريسي، لقد سعيت كثيراً خلال سنوات تدريسي إلى أن أخلق التشاركية بين الطالب والمُدرّس؛ فهي أهم وسيلة في نظري للتعليم والتربية، ولكن فرضها بشكل مناهج غير مدروسة هو أكبر خطأ واكبر تدمير لأجيال من الطلبة".

قد يهمك:بعبع الفيسبوك يدفع وزارة التربية لإغلاق صفحات المدارس السورية

و كانت المناهج الجديدة بمثابة الصدمة للمُدرّسين، وذلك بسبب صعوبة التعامل معها من خلال الإمكانيات الضعيفة في المدارس، حيث أن المدارس العامة غير مهيئة شكليا لاستيعاب منهاج يعتمد على البحث والتجربة، فلقد كانت صعوبة التعامل مع المنهاج وعدم انسجامه مع بنية التعليم في سوريا، العامل الأبرز في خلق الحاجة لدى الأهالي من أجل طلب الدروس الخصوصية لأبنائهم، في ظل عدم احتواء كتب هذا المنهاج على المعلومات الكاملة عن الدروس.

وبحسب رأي السيدة "عبير.ت" والتي قالت لـ "روزنة": "أنا لم أكن أواجه صعوبة في تعليم أبنائي ومتابعتهم دراسياً في المنزل منذ سنوات مضت، إلا أن المنهاج الجديد لا أستطيع التعامل معه، حيث أن المعلومات لا تتوفر ضمن الكتاب، بل هي في دليل المدرس الذي يملكه مدرسو المواد؛ إضافة إلى أن أغلب المواد يبدو ابني عاجزا عن فهمها واستيعابها من المدرسة، مما دعاني لتسجيله في معهد خاص لتقويته في بعض المواد".

كما ذكرت "عبير.ت" وهي أم لثلاثة أطفال يتلقون الدروس الخصوصية، معاناتها في تدريس أبناءها المنهاج المدرسي" أولادي لا يستطيعون الدراسة لوحدهم وانا لا يمكنني أن أفيدهم بسبب المنهاج وبسبب ضعفي باللغات الأجنبية، إضافة إلى أن جميع أصدقاء أبنائي يتلقون الدروس ويحصلون علامات أفضل ولا أريد أن يتراجع أبنائي دراسياً".

باتت أزمة الدراسة في مناطق سيطرة حكومة النظام تمثل إشكالية خطيرة على البناء الفكري والعلمي للأطفال، فهي على إثر الوضع الحالي ضمن الحاجة للدروس الخصوصية بسبب إقرار المناهج غير المتناسبة مع العملية التعليمية، فقد تحولت هذه العملية من حق إلى تجارة.

وعلى ضوء هذه المعطيات لا يمكن لوم الكادر التدريسي، والذي يتشارك في المعاناة مع أهالي الطلبة، وضمن هذا السياق لا يمكن التغاضي عن القول بأن أزمة الدراسة ما هي إلا حلقة جديدة من سلسلة الفساد المتفشي في أسس النظام التربوي؛ والذي يتبجح بمقولة "مجانية التعليم"، و غدت هذه الأزمة اليوم  إشكالية نظام كامل يعمل لتدمير التعليم وتعزيز التفرقة الطبقية في ظل أسوء وضع اقتصادي تشهده سوريا.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق