كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وثائق عن قنوات سرية للتفاوض بين دمشق وتل أبيب، استمرت لمدة 20 عام، ومهّدت الطريق أمام مطالبة إسرائيل بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة.
وسردت الصحيفة تفاصيل تاريخية عن اجتماعات انخرط بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصياً مع الجانب السوري، عبر وسيط أميركي، وكان آخرها في آذار/مارس 2011، وهو تاريخ توقف المحادثات بين الجانبين رسمياً.
وقالت الصحيفة، إن موقف إسرائيل حيال تلك المفاوضات تغيّر بشكل تدريجي بسبب الحرب التي اندلعت في سوريا، وحينها قررت تل أبيب إنهاء ما كانت تعتبره "الخيار السوري" لتسوية مسألة الجولان، ليتلقف اليمين الإسرائيلي المبادرة ويصل بها إلى مجلس الشيوخ الأميركي، الذي تهيمن عليه الأكثرية الجمهورية المقربة من الرئيس دونالد ترامب.
وفقاً للصحيفة، فإن المفاوضات كانت في مرحلة متقدمة وجادة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث تم إعداد خرائط وسيناريوهات لاحتمالات عديدة، كان من بينها أن تنسحب إسرائيل إلى خط 1967.
تذكر الصحيفة أن المحادثات الجدية بدأت خلال عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق رابين عام 1992، حيث زار وزير الخارجية الأميركية آنذاك جيمس بيكر العاصمة السورية دمشق لفتح قناة تواصل بين الإسرائيليين والسوريين، الذي أبلغ بعدها رابين استعداد الأسد الأب لعملية سلام مع إسرائيل. وتذكر الصحيفة أن بيكر قال لرابين وقتها "الأسد مستعد للسلام مثل السادات".
البروفسور إيتمار رابينوفيتش، الذي ترأس الوفد الإسرائيلي خلال المفاوصات مع سوريا في عهد رابين، قال إن المفاوضات بين الطرفين كانت تجري في الطابق السادس في وزارة الخارجية الأميركية على مدار 3 ساعات. وأضاف وفق ما نقلت عنه "هآرتس"، أن الفترة التي شهدت التقدم الأكبر خلال عملية التفاوض كانت بين أيلول/سبتمبر عام 1992 وآب/أغسطس 1993، حيث كانت تجري جلسات المفاوضات كل شهر تقريباً.
مقترح رابين للسلام مع سوريا تضمن انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من الجولان، مقابل تطبيع كامل بين دمشق وتل أبيب يشمل كل المستويات، بما فيها الأمنية، وهذا المقترح حمله رابين إلى وزير الخارجية الأميركية آنذاك وارن كريستوفر، لكن تقول "هآرتس" إن مقترح رابين كان كرتاً في جيد كريستوفر لاستخدامه عند الضرورة، وخصوصاً إذا قدم السوريون أي التزامات.
بعد اغتيال رابين، استمرت المفاوضات خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق شيموت بيريز، لكن النتائج لم تكن مثمرة، إلى أن جاء بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء، وحينها أبلغ الأميركيون رئيس الوزراء الإسرائيلي في ولايته الأولى بأن كل ما حدث خلال عهد رابين لن يكون ملزماً لنتنياهو.
عام 1998، بدأ نتنياهو أولى جولات التفاوض مع سوريا، واستخدم قناة سرية للحديث مع الأسد عبر رجل الأعمال الأميركي، وشريكه المقرب، رون لاودر، جدد خلالها نتنياهو عرض رابين باستعداد إسرائيل الانسحاب من الهضبة المحتلة إلى حدود عام 1967.
خلال تلك الفترة، طلب الأسد من لاودر، وفق ما كشفت مصادر "هآرتس"، أن يعرض عليه خريطة طريق واضحة لمسار عملية السلام، وكانت نقطة الخلاف الأكبر بين الجانبين تتمثل في إصرار إسرائيل بالإبقاء على وجود ما لها في جبل الشيخ، الأمر الذي عدّه السوريون أنه يأتي في سياق التجسس.
بعد وفاة حافظ الأسد، استمرت المفاوضات بين نتنياهو والأسد الابن، وقد دخل حينها وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك بشكل سري في قنوات التواصل بين الطرفين، والتي تولاها المبعوثين الأميركيين فريد هوف ودنيس روس عام 2010.
استقرأت تل أبيب العلاقات السورية الإيرانية جيداً خلال تلك السنوات، فوضع نتنياهو شرطاً جديداً مقابل انسحاب إسرائيل الكامل من هضبة الجولان، وهو ابتعاد دمشق عن طهران وفك ارتباط سوريا مع إيران بالكامل، والتخلي عن دعم وتمويل مليشيا حزب الله اللبناني.
وصل الطرفان إلى مرحلة صياغة بيان بالمبادىء التي كان من الممكن أن يتفق عليها الأسد ونتنياهو، لتكون بديلاً عن المسودات الأميركية التي دونت كل مسار التفاوض على مدى 20 عاماً، لكن كل ذلك انهار في آذار/مارس 2011، قبل ستة أشهر فقط من أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق نهائي.