في الوقت الذي تدعو فيه روسيا بشكل مستمر إلى سحب قوات الولايات المتحدة من الأراضي السورية، تعتبر روسيا أن وجودها العسكري المستمر منذ أيلول 2015 "شرعي" بطلب من النظام السوري.
إلا أن ما يؤثر على مطالبة موسكو بخروج القوات الأميركية؛ هو توسع النفوذ الإيراني في المنطقة عبر سوريا، وهو ما ترفضه إسرائيل بالشراكة مع الولايات المتحدة، ما يدفع إسرائيل دائماً لاستهداف قواعد عسكرية إيرانية في سوريا فضلاً عن المطالبة بخروج القوات التابعة لها.
ضمن هذه المعطيات، و بالنظر إلى المساعي الروسية في تحقيق مصالحها الاستراتيجية جراء تدخلها العسكري المباشر في سوريا، يبدو أن روسيا ستعمل خلال المرحلة المقبلة على تغليب استمرار تحصيل نجاحات سياساتها تجاه سوريا وفق رؤيتها، ويمكن قراءة ذلك من خلال نتائج لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي؛ بنيامين نتنياهو؛ في موسكو، يوم أمس الأربعاء.
حيث نقلت وكالة "تاس" الروسية عن مصدر حكومي إسرائيلي رفيع، أن روسيا وإسرائيل ستشكلان فريق عمل بمشاركة عدد من الدول لدراسة مسألة إبعاد القوات الأجنبية من سوريا.

وأضافت في نقلها عن المصدر قوله: "تم اتخاذ قرار بتشكيل فريق عمل بمشاركة روسيا وإسرائيل وعدد من الدول الأخرى لدراسة مسألة إبعاد القوات الأجنبية من سوريا".
اقرأ أيضاً:هل اتفق روحاني و الأسد على مواجهة إسرائيل؟
ويأتي ذلك في أعقاب مباحثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قام بأول زيارة لروسيا بعد حادثة إسقاط طائرة روسية قرب السواحل السورية في أيلول الماضي، حملت موسكو إسرائيل المسؤولية عنها.
فيما جاء في بيان لـ "الكرملين" أن بوتين بحث مع نتنياهو مسائل التعاون الثنائي والقضايا الدولية والإقليمية، وخاصة الوضع في سوريا والتسوية في الشرق الأوسط.
ما الأهداف الروسية المنتظر تحقيقها؟
المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية؛ د. نصر فروان، اعتبر خلال حديث لـ "راديو روزنة" أن المصالح الروسية في المنطقة أبعد من حفظ تواجدها على المياه الدافئة، واختبار الأسلحة الروسية في سوريا، معتبراً أن موسكو الآن بموقع دفاعي بعدما طرحت أميركا استراتيجية تغيير الشرق الأوسط، لتعود بذاكرتها إلى حلف بغداد عام ١٩٥٥، الذي ضم آنذاك كل من أفغانستان والعراق وإيران وتركيا وباكستان، وبحسب العلاقات الدولية الأميركية فإن من يسيطر على هذه الدول تقع على خط واحد؛ يسيطر على العالم؛ وفق رأيه.
وأضاف: "الهدف من (ذلك) الحلف كان إقامة حاجز أمام المد السوفييتي، أما الطبعة الجديدة لحلف بغداد والتي بدأ بها عام ٢٠٠١ فلها أهداف عدة منها؛ إقامة حاجز أمام المد الروسي؛ أي تضييق المجال الحيوي الروسي لدرجة خنقها، وثانيا؛ أدركت أميركا بأن هذه الدول الخمس سارت بدأت بمشاريع نهضوية؛ ولا بد من إيقافها والسيطرة عليها، وتم وضع سيناريو لكل دولة من هذه الدول، شاهدنا التغيير في أفغانستان وفي العراق".
قد يهمك:ما الذي ينتظر الملف السوري بعد مؤتمر وارسو؟
وفي سياق مواز؛ رأى فروان خلال حديثه لـ "روزنة" أن سيناريو إسقاط إيران، شبيه بمخطط سقوط الاتحاد السوفييتي؛ بمعنى أن أي سقوط من الداخل؛ سيجدث تغيير جذري "راديكالي، سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ثقافي، وإيديولوجي".
وتابع حول ذلك: "أما تركيا التي لا يمكن لحلف الناتو الاستغناء عنها؛ ولا هي تستطيع أن تستغني عن الناتو، فالتغيير يقتصر على النظام السياسي؛ أي أزمة اقتصادية ثم انقلاب، وربما اغتيال أردوغان، إذاً تدّخل روسيا وإيران في سوريا كان هروب للأمام،
والهدف الأساسي لروسيا حاليا هو المحافظة على المكاسب الجيوسياسية التي حصلت عليها في سوريا".
هل نجحت روسيا في تدخلها بسوريا؟
وكان المدير العام لشركة "كلاشنيكوف" الروسية للأسلحة، فلاديمير دميترييف، قال في تصريحات صحفية مطلع الأسبوع الجاري، بأن العمليات في سوريا التي تقودها وزارة الدفاع الروسية، أصبحت في الواقع منصة لاختبار عدد كبير من الأسلحة، سواء التي تم الانتهاء من تصنيعها أو الأسلحة قيد التطوير.

وأضاف مدير "كلاشينكوف" إنه "ووفقًا لنتائج العملية، إما نجري التعديلات أو ننتهي من تصنيع المنتج، وهذا ينطبق على معظم منتجاتنا".
وكان دميتري شوغايف، رئيس هيئة التعاون العسكري الفني الروسي، قد كشف أوائل الشهر الجاري، عن أهم مكسب حققته روسيا خلال حربها في سوريا، وهو تصدير السلاح الروسي لدول العالم، وأشار شوغايف إلى أن حجم صادرات الأسلحة الروسية في عام 2018 يقدّر بـ15 مليار دولار، بحسب وكالة "إنترفاكس" الروسية.
وأوضح أن ما جرى استخدامه خلال الحرب في سوريا؛ يستأثر بالأولوية في اهتمامات مستوردي الأسلحة الروسية، خصوصًا صواريخ "كورنيت" المضادة للدروع.
اقرأ ايضاً:هل تتوافق واشنطن و موسكو حول إنهاء مشاكل إيران؟
الكاتب والباحث في الفلسفة السياسية؛ د.رامي الخليفة العلي، لفت خلال حديثه لـ "راديو روزنة" إلى أن الهدف الروسي الأهم للوجود في سوريا؛ يأتي للوقوف في "وجه الربيع العربي والثورات العربية"، والتي كانت ممكن أن تمتد إلى عقر دار موسكو؛ أو إلى الجمهوريات التابعة لها أو القريبة منها، على حد تعبيره.

كما اعتبر أيضاً أن من أهداف روسيا في سوريا؛ يعود إلى سعيها في عودتها إلى المسرح الدولي واعتبارها قوة كبرى، والذي اعتبره العلي هدف جوهري و أساسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فيما يأتي من ضمن الأهداف الروسية الأخرى؛ الترويج للصناعة العسكرية الروسية، وهذا ما كان أقر به المدير العام لشركة "كلاشنيكوف" الروسية للأسلحة، فيما اعتقد العلي خلال حديثه بأن روسيا نجحت في ذلك، مضيفاً بالقول: "منذ تدخل روسيا في سوريا؛ فهي استطاعت توقيع معاهدات عسكرية كثيرة سواء مع دول في المنطقة أو خارجها".
ولفت الباحث في الفلسفة السياسية بأن روسيا نجحت في تحقيق أهدافها إلى حد ما؛ وذلك وفق قوله بأنها نجحت بالحفاظ على النظام السوري، متابعاً: "هذا كان هدفاً أساسيا للنظام الروسي، كما نجحت أيضا في العودة مرة أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط؛ وعودتها إلى المياه الدافئة واستعادة دورها باعتبارها قوة دولية".
قد يهمك:خطط إيرانية لمواجهة واشنطن و موسكو في سوريا
إلا أنه رأى في الوقت ذاته وعلى الرغم من تحقيق الأهداف الروسية، لكن من المبكر القول بأن "المعركة" قد انتهت؛ سواء في سوريا أو في أوكرانيا أو شرق أوروبا، وأضاف: "هناك صراع إرادات موجود بين روسيا؛ والاتحاد الأوروبي، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، لذلك اللعبة لم تنته؛ ولكن حتى الآن روسيا تحقق تقدما على أكثر من صعيد".
وكان الباحث السياسي الروسي؛ ليونيد بيرشيدسكي، ذكر في مقال له؛ نشره موقع "بلومبيرغ" في بداية شهر كانون الثاني من عام 2018، ذكر فيه بأن روسيا تمكنت من اختبار أكثر من 200 نوع من الأسلحة الجديدة التي ابتكرها الجيش الروسي مؤخراً، فقد كانت تصميمات الأسلحة الجديدة ترسل إلى سوريا لمعرفة نتاج عملها.
الكلمات المفتاحية