منطقة تركيّة آمنة في سوريا... و صراع بين واشنطن و موسكو!

منطقة تركيّة آمنة في سوريا... و صراع بين واشنطن و موسكو!
الأخبار العاجلة | 28 فبراير 2019

لا يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ سيقبل بصرف نظر أنقرة عن إقامة المنطقة الآمنة مهما كانت شكل التفاهمات مع حلفاءها، وذلك وسط تلويح تركي أيضاً على ترأسها إدارة شؤون هذه المنطقة، الأمر الذي قد يدفع الأطراف الدولية إلى القبول بإنشاء هذه المنطقة؛ مقابل موافقة أنقرة على منحهم مهلة زمنية تمهد لصياغة مستقبل هذه المنطقة ولكن بإدارة مشتركة لشؤونها.

الرئيس التركي كرر تصريحاته خلال الأسبوع الجاري عدة مرات؛ و التي تكشف عن عزم أنقرة إنشاء المنطقة وتولي مسؤولية الإشراف عليها، حيث أكد أردوغان، يوم الثلاثاء الفائت؛ خلال حديثه لمحطة تلفزيونية تركية؛ بأنه لا يمكن لأنقرة السماح لأحد بتولي مسؤولية الإشراف على المنطقة الآمنة المحتملة شمال شرقي سوريا، بما يشكل تهديدا لتركيا.

كما شدد الرئيس التركي على ضرورة تولي تركيا الإشراف على المنطقة الآمنة قائلا: "نحن من سيكون هناك"، وأردف أردوغان أن "الشعب السوري يثق بتركيا، وعشائر المنطقة تدعوها باستمرار لتطهير منطقة منبج السورية من الإرهابيين".

بينما أشار إلى أن "هدف أنقرة في الوقت الحاضر هو ضمان إخراج تنظيم بي كا كا من منبج، ووفاء واشنطن بوعدها المتمثل بجمع الأسلحة التي قدمتها للتنظيم".

هل تستطيع أنقرة فرض إنشاء المنطقة الآمنة؟

وعلى الرغم من التأكيدات التركية على إدارة المنطقة الآمنة بعد الإعلان عن تشكيلها خلال الفترة القريبة القادمة؛ إلا أن التساؤلات تبقى تدور حول مدى ضمان أنقرة عدم حدوث توتر في العلاقات مع الولايات المتحدة؛ بسبب الإصرار التركي على المنطقة الآمنة.

يأتي ذلك بالتزامن أيضاً؛ استكشاف حقيقة التوافق الروسي-التركي على الوضع في الشمال السوري؛ ومدى تجاوب موسكو على منح السيطرة والنفوذ لتركيا مقابل غياب أي دور لدمشق هناك.

الكاتب والمحلل السياسي؛ توفيق شومان، أشار في حديث لـ "راديو روزنة" إلى "نواة تفاهم" روسي ـ تركي ، حول ما يمكن تسميته بـ "المنطقة العازلة" وفق قوله؛  تأخذ بالاعتبار مصالح دمشق وأنقرة.

وبحسب وجهة نظر شومان فإنه يتراءى الآن بأن هذه المنطقة، قد تكون تعبيرا عن تعديل مؤقت على الأقل في " اتفاقية أضنة " للعام 1998 بين سوريا وتركيا، والتي كانت تتيح للجيش التركي بملاحقة المعارضين الأكراد داخل سوريا بعمق 5 كيلومتر.

فيما اعتبر أن التعديل الجديد قد يوسع هذه المهام أمام الأتراك، إنما في شمالي سوريا وليس في شمالي وشرقي سوريا حيث قوات " قسد "، و المختلف على الموقف منها بين موسكو وأنقرة، بالإضافة إلى أن عدم انسحاب الأميركيين كليا من هذه المناطق؛ لا يتيح لتركيا وروسيا التفاهم حول المناطق الخاضعة لسيطرة " قسد"، وفق رأيه.

اقرأ أيضاً:ما علاقة الانسحاب الأميركي بتقسيم سوريا؟

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قد أكد يوم الإثنين الفائت بأن أنقرة مستمرة في التنسيق مع واشنطن وموسكو وطهران حول المناطق الأمنة على الحدود مع سوريا.

وقال الوزير التركي آنذاك في تصريحات صحفية: "نحن نعمل لإنشاء منطقة آمنة، ولم تحدد مساحتها بعد، نحن نعمل مع روسيا والولايات المتحدة والشركاء بصيغة أستانا، ولقد التقى فريقنا الفني عدة مرات، ونحن نقدر أن روسيا تتفهم مخاوف تركيا الأمنية لكننا مستمرون في العمل".

وأضاف الوزير فيما يخص إمكانية نشر قوات شرطة عسكرية روسية في المنطقة الآمنة على الحدود التركية السورية "انها خلف حدودنا مباشرة، لذا يجب أن تقود تركيا هذه العملية، لكننا نعمل دائما مع روسيا وسنواصل العمل، بما في ذلك مع الأمن والجيش الروسيين".

وفي هذا السياق كان تقرير لـ "راديو روزنة" أشار في السادس من الشهر الجاري، نقلاً عن مصدر دبلوماسي روسي أفاد لـ "روزنة" عن دور فاعل لموسكو في المنطقة الأمنية/الآمنة المزمع الاتفاق حولها، حيث يجري التنسيق بشأنه مع أنقرة.

و يقضي الدور الروسي بحسب المشاورات والمفاوضات المستمرة؛ بنشر قوات تتبع لها داخل المنطقة الآمنة تفصل بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية، مقابل عدم انسحاب القوات الكردية من مناطق عدة تتواجد فيها شرق الفرات والحفاظ على عتادهم العسكري الكامل؛ على أن تتشارك المهام معها قوات "البيشمركة السورية" فقط.

شومان لفت حول ذلك أنه وبصرف النظر عن تفاصيل التفاهم التركي ـ الروسي المستجد، فإن عسكريين من الطرفين يعملون على إنتاج صيغة التفاهم المذكور، معتبراً بأنه على الأرجح بأن القمة الثلاثية بين رؤساء الدول الضامنة (روسيا، تركيا، وإيران) في آذار المقبل، قد تشهد إعلانا عن هذه الصيغة.

قد يهمك:ما احتمالات تشكيل تحالف فرنسي-سعودي في شرق الفرات؟

بينما اعتبر أن عدم الانسحاب الأميركي كليا من شمالي وشرقي سوريا، والإبقاء على قوة أميركية قوامها 200 جندي، يعني إبعاد  البحث بمصير هذه المنطقة إلى أجل غير مسمى، خصوصا أن الأوروبيين حسب رأيه؛ قد يعززون وجودهم في هذه المناطق بإرسال 1000جندي، يحلون محل القوات الأميركية المنسحبة.

مضيفاً بأنه بذلك "تصبح المعادلة قائمة على شراكة أوروبية ـ أميركية في شرقي سوريا، لذلك لا أتوقع توسيعا للمنطقة العازلة أو الآمنة نحو المناطق المذكورة، مع الإشارة إلى أن الأميركيين كانوا حذروا تركيا من الدخول إلى مناطق " قسد"، ولا أظن أن تركيا يمكن أن تغامر وتدخل إلى هذه المناطق، والتي يبدو أنها ستبقى في المدى المنظور على الأقل، تحت النفوذ الأميركي ـ الأوروبي ، أي نفوذ الناتو".

يذكر أن الرئيس التركي ذكر سابقاً في مقابلة مع شبكة "سي.إن.إن.ترك"، يوم السبت، أن أي منطقة آمنة على طول حدود تركيا مع سوريا يجب أن تكون تحت سيطرة تركيا.

وجاءت تصريحات أردوغان بعد إعلان مسؤول بالإدارة الأميركية يوم الجمعة الفائت، أن واشنطن ستبقي على نحو 400 فرد من قواتها في سوريا (نصفهم سيكون في قاعدة التنف على الحدود السورية-العراقية-الأردنية)، فيما اعتبر تراجعاً من جانب الرئيس دونالد ترامب عن سحب القوات الأميركية بشكل كامل من سوريا، مما يمهد الطريق أمام حلفاء الولايات المتحدة للإبقاء على قوات هناك.

هل ما زال العمل العسكري وارداً في شرق الفرات؟

القيادي في المعارضة العسكرية السورية؛ مصطفى سيجري (رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم)، أفاد في حديث لـ "راديو روزنة"، أن الإعلان عن سحب كامل القوات الأميركية من سوريا؛ كان منذ البداية وفق رأيه غير جاداً من قبل واشنطن، معتبراً أن الأمر كان سيذهب إلى إعادة تموضع لهذه القوات داخل الأراضي السورية؛ وهو ما يتم الحديث عنه الآن.

واعتبر أن إعادة تموضع القوات الأميركية تسعى واشنطن من خلاله لتحقيق عدة مكاسب؛ أبرزها على الصعيد الداخلي، خصوصاً في الوقت الذي تشهد فيه الإدارة الأميركية خلافات عدة، فضلاً عن خلافات مع البنتاغون ومجلس الشيوخ الأميركي.

قد يهمك:النظام يُصعّد قصفه على إدلب.. هل وأدت روسيا اتفاقها مع تركيا؟

لافتاً في الوقت ذاته إلى أن الرئيس ترامب يدفع باتجاه إنهاء الخلافات مع تركيا، والذي يستوجب أن تتحول المسائل العالقة بين الطرفين إلى إجراءات تنفيذية على أرض الواقع، من خلال إقامة المنطقة الآمنة، وتابع: "لذلك واشنطن ستدفع باتجاه المنطقة الآمنة و إعادة تموضع القوات الأميركية داخل الأراضي السورية".

وأضاف: "إلى حد ما المعارضة تعتقد أن من أهم الأمور للوصول إلى حلحلة العُقد في الوضع السوري، بأن يكون هناك تفاهم بين واشنطن وأنقرة، لأن ذلك سينعكس إيجابا على القضية السورية".


 وفي سياق ذي صلة، كشف سيجري عن مساعي روسية لعقد صفقة مع الجانب التركي فيما يخص مناطق شمال شرق سوريا و منطقة إدلب، مشيراً في سياق ذلك إلى أن ثمن عدم التوافق على التفاهمات بين روسيا و تركيا و إيران، جاء بتصعيد الروس عمليات القصف على إدلب، و ليمارسوا من خلال ذلك ضغطا على الجانب التركي باتجاه تحقيق اتفاق في شمال شرق سوريا.

واعتبر رئيس المكتب السياسي في "لواء المعتصم" أنه ومن خلال الاطلاع المباشر والتنسيق السابق والمستمر مع الجانب التركي، يفيد أن أنقرة عازمة باتجاه إنشاء المنطقة الآمنة، أو "تطهير" الحدود الجنوبية داخل الأراضي السورية من "تنظيم بي كي كي".

وتابع حول ذلك: "من خلال الاستعدادات التركية العسكرية السابقة؛ بالإضافة لقوات الجيش الوطني، نعتقد أن الأمور جادة باتجاه العمل العسكري في حال وصلت الأمور بين تركيا والولايات المتحدة إلى طريق مسدود من خلال المفاوضات".

كما أكد أن تركيا لا تسعى للتصعيد مع الجانب الأميركي، منوهاً بأن أنقرة لا تسعى للتصعيد مع الجانب الأميركي، حيث يهمها الحصول على رضى من الجانب الأميركي لأي عمليات قادمة سواء كانت عسكرية أو غير عسكرية؛ باتجاه مناطق شمال شرق سوريا؛ إلا أنه شدد على أن ذلك أيضاً لن يكون على حساب تهديد الأمن القومي التركي.

اقرأ أيضاً:ما حقيقة التوافق على اقامة "منطقة أمنية" في شمال سوريا؟

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد تصميم تركيا على إقامة المنطقة الآمنة، سواء لمست تعاونا من حلفائها أم لا.

وقال الرئيس أردوغان في حديثه يوم السبت: "نتمنى إنشاء المنطقة الآمنة بالتعاون مع حلفائنا، لكن في حال لم يتم توفير مثل هذه التسهيلات لنا، فإننا مصممون على إقامتها بإمكاناتنا الخاصة مهما كانت الظروف".

وشدّد على أن المنطقة الآمنة المزمع إقامتها في سوريا "مهمة جدا"، وأوضح قائلا: "نريد تسريع عودة السوريين إلى ديارهم"، والمنطقة الآمنة ستساهم في ذلك.

في الصدد ذاته، دعا الرئيس أردوغان إلى جعل إدلب "آمنة تماما"، مضيفا: "نتباحث مع روسيا وإيران بهذا الشأن، وقطعنا بالفعل شوطا هاما"، وأكد أن "الشعوب الأوروبية تعيش اليوم بأمن وسلام في بلدانها بفضل تضحيات تركيا وشعبها"، "لكننا لن نواصل تقديم هذه التضحيات إلى الأبد".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق