شبح حرب إقليمية يحوم في سوريا... من يشعلها؟

شبح حرب إقليمية يحوم في سوريا... من يشعلها؟
الأخبار العاجلة | 28 فبراير 2019

بات تأخر التوافق على الملفات المؤجلة و العالقة في الملف السوري يزيد من تعقيد حلها، ومع استمرار الفتور الدبلوماسي بين روسيا و الولايات المتحدة ومراوحة الأزمات بين البلدين على حالها سواء في سوريا أو في مناطق أخرى، صار الملف السوري بمثابة القابع على فوهة بركان؛ بحيث قد يؤدي تسلسل الأزمات إلى تفجير المنطقة برمتها.

التقارب الروسي-الإسرائيلي الجديد والمتمثل بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو؛ والذي ترافق معها بحسب تقارير إعلامية اتفاق روسي إسرائيلي بشأن خروج القوات الأجنبية المتواجدة في سوريا، ينذر بمواجهة مفتوحة ضد النفوذ الإيراني بالمنطقة، حيث باتت طهران تزعج المصالح الروسية فضلاً عن النوايا المعلنة من واشنطن وتل أبيب بإخراج إيران من المنطقة كلها.

إلا أن الإصرار الإيراني على المجابهة وتحدي القوى الإقليمية والدولية؛ لن يؤدي إلا لتصدام غير محسوب العواقب من قبل طهران؛ وهي التي باتت في مأزق؛ بعد إعلان الذراع اللبناني لها "حزب الله" كـ "منظمة إرهابية" بشقيه السياسي والعسكري من قبل بريطانيا مؤخراً، بالتوازي مع استعصاء الأزمة اليمنية واستمرار الضربات السعودية-الإماراتية منذ سنوات عدة لجماعة الحوثيين المدعومة من إيران.

اقرأ أيضاً:هل تحقِق إسرائيل الأهداف الروسية في سوريا؟

وتبقى هذه الوقائع مجرد عناوين عريضة لأزمات أكثر تشابكاً وتعقيداً؛ ولو أن تداخلاتها تختلف فيما بينها من ناحية التأثير المباشر على الأوضاع والمفاوضات حول سوريا، لكنها تبقى معطيات تهدد استقرار المنطقة بشكل كامل؛ مع عدم التوصل لحل للأزمة الخليجية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، وما تخلقه من اصطفافات بين المؤثرين على ملفات المنطقة، وكذلك تلك الاصطفافات العربية المتعلقة بإيران وما تمثله من تهديدات.

فضلاً عن الضجة التي أحدثتها ما باتت تعرف بـ "صفقة القرن" والتي ما تزال ارتداداتها تؤثر على صورة المشهد العربي بشكل رئيسي؛ وهي من ناحية ثانية قد تلعب دوراً في المساهمة بارتفاع حدة التوتر مع تضارب المواقف حولها حيناً، واللعب من تحت الطاولة فيما يتعلق بتفرعاتها حيناً آخر.

كل هذه المسائل باتت تنذر بشبح حرب يحوم حول المنطقة، سواء كانت مواجهة عسكرية مفتوحة على الأرض السورية تكون إيران الخصم الأوحد فيها، أو حرب إقليمية متعددة الأطراف تنهي كل أزمات هذه المسائل بشكل نهائي وعلى رأسها الملف السوري؛ إلا أن ما قد يثير التساؤل هنا، هو في أي البقاع ستدور رحى هذه الحرب.

ماذا عن الأطراف الإقليمية؟

الكاتب والباحث السوري؛ سقراط العلو، أفاد خلال حديثه لـ "راديو روزنة" بأن روسيا لا يمكن لها أن تنخرط في مواجهة مباشرة مع إيران على الأرض السورية، وعزى ذلك لسببين، اعتبر في أولهما بأن العلاقات بين موسكو وطهران تتجاوز الملف السوري إلى ملفات أخرى أكبر من حيث المصالح المشتركة والتنسيق.

 كما أن روسيا وفق رأيه لا تعتبر الوجود الإيراني في سوريا على رأس أولوياتها كما تعتبره إسرائيل والخليج وأمريكا، وفي ثاني الأسباب رأى العلو أن روسيا لا تمتلك القدرة على فتح معركة مع المسلحين التابعين لإيران في سوريا، بسبب عدم امتلاك موسكو لقوات برية كافية، وهي التي تعتمد في معاركها على قوات النظام وإيران، ما يجعل احتمال المعركة شبه مستحيل، في ظل موقف النظام السوري الداعم للوجود الإيراني في سوريا، والذي أكدته زيارة الأسد إلى طهران.


من جانبه اعتبر الباحث السوري؛ د.عبد القادر نعناع، خلال حديثه لـ "راديو روزنة" أن المنطقة لم -ولن- تشهد استقراراً، مشيراً إلى أنها قابلة للتفجر؛ نتيجة عوامل ذاتية تتعلق بطبيعة أنظمتها السياسية، ونتيجة عوامل خارجية، قائمة على صعود قوى وهبوط أخرى.

قد يهمك:ما الرسائل السياسية التي قرأها الأسد في خطاب المجالس المحلية؟

كما لفت نعناع في حديثه إلى تأثير عدم وجود اتفاق نهائي بين الولايات المتحدة وروسيا على توزيع المصالح في سوريا والمنطقة، وما يترتب عليه من حصص للقوى الأصغر.

على الرغم من أن الولايات المتحدة، ونهج ترامب الحالي، لا يوحي بنهج عسكري تصعيدي، بقدر ما هو نهج تصعيد سياسي وإعلامي وتحشيد دولي، يهدف "حتى الآن" لعمليات ابتزاز سياسي ومالي من كافة دول المنطقة، وذلك لتعظيم منافع الولايات المتحدة بأقل الخسائر؛ وفق رأيه.

وفي سياق آخر؛ رأى أن محاولة التحشيد الدولي ضد إيران، نجحت في إحداث آثار سلبية بالغة الضرر في الاقتصاد الإيراني، وبشكل متسارع (نهج التدمير من الداخل)، في وقت لا يوجد فيه عمل دولي فعلي لبناء تحالف فعلي ضد إيران.

وأضاف متابعاً: "عدا عن أن هذا التحالف قوامه ثلاثة قوى دافعة له: الولايات المتحدة، إسرائيل، والسعودية، لكن الأطراف العربية الأخرى، والأوروبية والدولية، ليست مستعدة الآن لهذا الاندفاع العسكري، بل وربما يؤدي مزيد من الاشتباك الباكستاني-الهندي إلى صرف النظر مؤقتاً عن ذلك".

قد يهمك:ما احتمالات تشكيل تحالف فرنسي-سعودي في شرق الفرات؟

بينما اعتبر الكاتب والباحث؛ سقراط العلو، أنه وعلى الرغم من خلافات تركيا و إيران فإنها لن ترقى إلى مستوى الاشتباك المباشر، لأن الملفات المشتركة بين الطرفين حسب اعتباره؛ تتجاوز سوريا والمصالح بين الطرفين أكبر من الخلافات.

وتابع موضحاً: "كما أن تركيا اليوم معنية بشكل أكبر في ترتيبات الانسحاب الأمريكي وما بعده من شرق الفرات، وفي هذا الإطار تتفق مع روسيا وإيران حول ثوابت تتعلق بتأييد الانسحاب الأمريكي؛ وإضعاف أو حل قسد، أما الخلاف فهو حول من سيقوم بذلك تركيا أم النظام السوري وروسيا".

 
 وضمن هذا السياق نوه إلى دور محور الإمارات والسعودية الداعم لـ "قسد" كأداة لإضعاف الدور التركي وتحجيمه، إلا أنه استبعد احتمالية التصعيد شرق الفرات لدرجة المواجهة بين تركيا و "قسد"، وإنما سيسعى برأيه المحور الخليجي إلى الاحتماء بالموقف الأميركي، وفي المقابل ستسعى تركيا إلى تغيير هذا الموقف بشكل يسمح لها بالدخول إلى شرق الفرات؛ دون معركة أو بمعركة محدودة؛ أشبه بما حدث في عفرين.




النظام الدولي المتأزم...

وعن الموقف الإسرائيلي حيال أوضاع المنطقة، أشار العلو أن إسرائيل تحاول تجنب معركة مع إيران في سوريا؛ والاكتفاء بالضربات الموضعية لمنع إيران من تثبيت صناعات عسكرية في سوريا.

وتابع: "إذا كان هناك احتمال لمواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، فالمرشح أن تكون الأراضي اللبنانية هي مسرح تلك الحرب وليس سوريا، وذلك لعدم رغبة إسرائيل بفتح جبهة الجولان السوري وما يمكن أن يترتب على ذلك دولياً، لأن المعركة ستعيد إلى الواجهة ملف الجولان، كما ستهدد استقرار الجولان بما فيه من استثمارات إسرائيلية، أما لبنان فستكون المعركة موجهة نحو فصيل مصنف دولياً إرهابي (حزب الله)، و ضمن منطقة حدودية متوترة أساساً".

اقرأ أيضاً:النظام يقر بمصالح استراتيجية لـ إيران و روسيا.. ما أسباب ذلك؟

معتقداً أن الصراعات الإقليمية تتجه إلى تصفية حساباتها في جبهات أخرى غير سوريا، فهناك وفق وصفه شبه إجماع حول التهدئة وتصفية الحرب السورية.

من ناحيته لفت الباحث السياسي؛ د.عبد القادر نعناع، أن النظام الدولي برمته، يعيش واحدة من أكثر مراحله تأزماً، ما يعني أن هذا النظام قد يشهد انفجارات صغرى على شكل حروب إقليمية أو مناوشات عسكرية، كما يحصل بين الهند وباكستان منذ أيام.

مضيفاً: "ومن جهة ثانية يحمل في طياته أيضاً نذر تفجر عالمي أكبر من ذلك، وهو أمر حتمي في طبيعة العلاقات الدولية (الحركة والتغيير)".

واعتبر نعناع أنه وبالنسبة للمشهد السوري، فإنه لا يكفي التحدث عن نزاع أو صراع بين الروس من جهة والإسرائيليين أو الأتراك أو الإيرانيين، وإنما يكمن الأمر في كونه محاولة الاستحصال على أكبر حصة من المنافع في سوريا على حساب بعضهم، وعلى حساب الولايات المتحدة "كما يعتقدون"، وذلك في تنافس محلي، يقابله تعاون روسي مع هذه القوى في كثير من الملفات خارج سوريا.

وختم بالقول: "كل طرف في المعادلة السورية، يحاول أن يستخدم علاقاته الدولية، لموازنة شركائه أو منافسيه في الساحة السورية، لذا لا نرجح حالة صدام بين القوى هذه في سوريا، وذلك على المدى القصير، بقدر ما يتم اعتماد نهج تبادل مصالح وإعادة صياغة الاتفاقيات".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، وقال نتنياهو خلال محادثاته مع بوتين أن إيران ما تزال تشكل التهديد الأمني الرئيسي في المنطقة، وأن إسرائيل ستبذل ما في وسعها لوقف هذا التهديد.

وأضاف نتنياهو "إيران هي التهديد الأكبر على استقرار وأمن المنطقة وسنفعل ما بوسعنا لإبعاد هذا الخطر".

وحول أبعاد الزيارة وتأثيرها على تطورات الأوضاع في المنطقة، قال الكاتب الصحافي سامر الراشد في حديث لـ"روزنة" أن الزيارة ركزت على إنهاء الخلافات المتراكمة بين الجانبين بعد حادثة إسقاط طائرة "ايل-20" الروسية في أيلول الماضي، معتبرا أن الجانبين استطاعا تجاوز هذه الأزمة التي أدت إلى توتر العلاقات الروسية الإسرائيلية.

ولفت الراشد إلى أن أهمية الزيارة تأتي بتزامنها مع زيارة رئيس النظام السوري إلى إيران؛ والحديث عن تقارب أكثر بين دمشق وطهران، وابتعاد في مواقفهما عن الموقف الروسي.

وأضاف: "هناك محاولات من أجل أن تكسب كل الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية على حساب الآخرين، وشهدنا تنافساً خفياً أو مباشراً بين إيران وروسيا من أجل السيطرة على الغنائم السياسية والاقتصادية واستكمال أخذ الدور الأكبر من قرار النظام السوري في الآونة الأخيرة". 

في حين تسعى إسرائيل من أجل أخذ ميزات ومكاسب أكبر لها؛ من خلال التأكيد أنها قادرة على استكمال ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا؛ وفق قوله.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق