في زمن الحرب... هل سقطت دمشق أخلاقياً؟

في زمن الحرب... هل سقطت دمشق أخلاقياً؟
الأخبار العاجلة | 27 فبراير 2019

يبدو أن دوائر استخباراتية لدى النظام السوري؛ أوعزت بالانتقال إلى مستوى أعلى من المخطط الذي بات يستهدف صورة المجتمع السوري بشكل علني، ضمن إطار تفكيك المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع الدمشقي كهدف أساسي.

حيث لا تكاد تخلو بعض الشبكات والمواقع الإخبارية المحلية من أخبار الحوادث والجرائم في مدينة دمشق وبشكل دائم ومقصود على مر الشهور القليلة الفائتة، حتى بدا واضحاً بأن تلك المنصات الإعلامية دوناً عن غيرها تهتم بالترويج لتلك الحوادث، وكأنها تنفذ مخططاً مريباً قد أوعز لها بتنفيذه.

فبادرت تلك المنصات للتفرد الدائم بنشر أخبار و إحصائيات عن كثرة تعاطي المخدرات، وارتفاع معدلات الجرائم بمدينة دمشق، فضلاً عن تسريب محاضر تحقيقات كشفت عن شبكات دعارة منظمة، وليس ببعيد عنها كان الحديث أيضاً عن شبكة لـ "تبادل الزوجات" وممارسة الشذوذ الجنسي، وكأن مدينة دمشق و"بقدرة قادر" أصبحت مرتعاً لممارسة الرذيلة ومسرحاً للانحدار والانحلال الأخلاقي.

وكان أول تعليق علني اعترف فيه خطيب المسجد الأموي؛ مأمون رحمة،مطلع الشهر الجاري، بالممارسات اللاأخلاقية المنتشرة في مناطق سيطرة النظام؛ و بالأخص مدينة دمشق.

مدعياً بأنه بات من المعيب أن تجعل شريحة من السوريين أوقاتها وشغلها الشاغل في إرواء الغرائز والانغماس في "الملذات" في الليل والنهار، مستغربًا من رؤية حالات لشباب وفتيات يتعانقون ويقبلون بعضهم البعض دون أي رادع أخلاقي.


 لم يفت على رجل الدين الدمشقي المعروف بمواقفه المؤيدة لسلطة النظام الحاكم، أن يتهم "الكيان الإسرائيلي"  بالوقوف وراء هذه الظواهر؛ بهدف اشغالهم عن التفكير في قضاياهم الأساسية، إلا أنه غاب عن حديثه حقيقة تحديد الجهة المسؤولة عن انتشار هذه الظواهر، والمستفيدة من تعزيز استمرارها.

 وعلى الرغم من إفرازات الحروب التي تشيع مثل هذه الظواهر؛ وانتشار لسلوكيات الانحلال المجتمعي؛ كارتفاع جرائم القتل؛ وترويج المخدرات؛ ورواج شبكات الدعارة والعلاقات الجنسية الشاذة، إلا أن ذلك لا يلغي مسؤولية سلطة الأمر الواقع؛ في التخفيف من ظواهر الفساد القيمي والتردي الأخلاقي والحد منها.

اقرأ أيضاً:كيف ستعود حقبة رفعت الأسد إلى دمشق من جديد؟

أحداث متتالية مرت على مدينة دمشق، لا يمكن أن توصف إلا بالدخيلة على مدينة دمشق، من شبكة تبادل زوجات إلى شبكات دعارة إلى ازدياد أعمال القتل وتعاطي المخدرات، في ظواهر غريبة و شاذة عن أخلاقيات المجتمع السوري بشكل عام والدمشقي بشكل خاص.

تلك الأحداث باتت تتصدر صفحات تلك المنصات والتي على ما يبدو تديرها وتقف ورائها أجهزة استخباراتية، تتفنن بشكل دوري في نشر الأرقام والإحصائيات وكذلك محاضر الجرائم والحوادث، وكأن حدوثها أمر اعتيادي لا يبالي بها المجتمع السوري.  

بداية كانون الثاني الفائت؛ نشر موقع "هاشتاغ سوريا"؛ إحصائية عن الأمن الجنائي تتعلق بالجرائم المرتكبة في دمشق، الإحصائية بيّنت وقوع 1786 جريمة مختلفة خلال العام الماضي، في حين بلغ عدد الموقوفين نحو 2400 شخص، وقد تنوعت بين جرائم قتل واختطاف وسرقة ورشاوي وغيرها.

الموقع ذاته نشر نهاية كانون الثاني، خبراً مفاده أنه بعد مراقبة ومتابعة من قبل إدارة الإتجار بالبشر للمدعو (أنس طبرة) تم إلقاء القبض عليه بتهمة تسهيل الدعارة، وهو صديق مقرب لعدد من كبار التجار والمسؤولين والفنانين ووجوه بارزة في المجتمع السوري، إلا أنه ووفق الموقع كانت الاعترافات تقود المحققين لأسماء جديدة أكثر نفوذاً، وجرائم جديدة لا تقف عند تسهيل الدعارة، بل اقترنت بجرمي ( اللواطة – وترويج المخدرات).

معظم الموقوفين ورئيس الشبكة حسب الموقع؛ اعترفوا بتعاملهم مع عددٍ من الفنانات وشخصيات نافذة في المجتمع، إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ لم يعد الموقع يتحدث حتى فترة إعداد هذه المادة عما تكشّف من خيوط ترتبط بهذه الشبكة.

وعلى الرغم من حدوث انفلات أمني في مناطق سيطرة النظام؛ جراء الفساد المستشري في المؤسسات الأمنية واستغلال قياداتها لأوضاع الحرب السورية، وحصول جرائم عديدة في مختلف المدن السورية، إلا أن التركيز على مدينة دمشق كان واضحاً، وهي المنطقة التي يسعى أن يجعلها النظام ملاذاً آمناً لمشاريعه الإقتصادية القادمة والاستثمارات الأجنبية.

يبدو أن تلك الاستثمارات لابد أن تتواجد من بوابة تغيير صورة دمشق؛ من خلال تعمّد الترويج على أنها باتت بيئة مناسبة لاستقطاب كافة الأعمال غير المشروعة، بحيث لن تكون مستهجنة من المجتمع الذي يحتضنها.

صراع أمني على شبكات الدعارة؟

وضجت قضية شبكة الدعارة على بعض المنصات الإعلامية المحلية؛ دوناً عن غيرها، ليس من باب السبق الصحفي أو حتى لكشف الفساد الذي ينخر منذ عقود جسد "مؤسسات الدولة السورية"، وإنما على ما يبدو كان لها أسبابها الخفية؛ وبمستويات متعددة.

المحامي فراس حاج يحيى، يقول خلال حديثه لـ "روزنة" أن أروقة المحاكم السورية وأدراج التحقيق الجنائي والنيابة العامة؛ تتكدس فيها عشرات الحالات من هذا النوع، والتي ترتبط بجزء كبير منها بـ "أجهزة الأمن السورية"، والتي تهدف وفق حاج يحيى إلى هدم المجتمع السوري والدمشقي تحديدا؛ لما تشكله العاصمة من أهمية استراتيجية.

 ويضيف متابعاً أنه وخلال الفترة الأخيرة بات من الملاحظ التركيز على هذه القضايا ونشر محاضرها واعترافات أعضائها؛ والتي يتركز جميعها في دمشق، واعتبر أن ذلك فيه إشارة إلى تحطيم الصورة المحافظة والملتزمة للمجتمع الدمشقي خاصة والسوري عامة.

 لافتاً بأن هذا التركيز يكمن في الصراع داخل الأجهزة الأمنية التي تنقسم لـ جناحين إيراني وروسي، ونوه في الوقت ذاته أن تلك الأخبار تبعها تغييرات في إدارة أجهزة الأمن وكذلك وزير الداخلية.

 
ويستغرب حاج يحيى نشر تلك التسريبات والأخبار عن دمشق فقط دوناً عن غيرها من باقي المحافظات التي ينشر المتضررين منها على مواقع التواصل الإجتماعي عشرات من القصص، دون أي اهتمام إعلامي من قبل وسائل الإعلام المحلية، ويستدل على ذلك بأنه يقف ورائه عن قصد؛ تشويه صورة الشعب السوري عامة والدمشقي خاصة.

قد يهمك:انفجارات في دمشق واللاذقية.. من يقف وراءها؟

ويتفق الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع، د. طلال مصطفى، فيما أشار إليه المحامي حاج يحيى، لافتاً إلى أنه في فترة حكم الأسد الأب تم تقدير بيوت الدعارة بأكثر من 40 ألف دار، وقد تم الالتفاف على عدم وجود قانون يرخص هذه الدور بترخيص نقابة الفنانين لكل اللواتي يعملن في الملاهي والمراقص الليلية على أنهن فنانات، وقد تضاعفت كذلك أعدادها في عهد الأسد الابن وخاصة بعد عام 2004.

موقع "صاحبة الجلالة" المحلي، أفاد نهاية شهر حزيران الماضي، بأن الجهات الأمنية ضبطت شبكة أفراد تعمل على تنظيم حفلات لـ“الجنس الجماعي“ والمثلية الجنسية في أحد الأحياء الراقية بمدينة دمشق.

وبحسب الموقع فإن أحد السوريين استثمر ملهى في منطقة مشروع دمر بدمشق، وبدأ باستقطاب الفتيات والقاصرات، مستغلا حاجتهن المادية للعمل بالدعارة لحسابه ضمن الملهى، إضافة لترويج الحشيش والمخدرات لزبائن الملهى، وعمله في خارج الملهى بالدعارة السرية عن طريق إرسال الفتيات للشقق السكنية مع الزبائن؛ بعد مغادرتهم لقاء مبالغ مالية بالاتفاق مع متهمين آخرين.

وبالعودة إلى حديث الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع؛ والذي أشار لـ "روزنة" إلى أنه وخلال سنوات الحرب، ازدادت ظاهرة انتشار الدعارة بشكل كثيف جدا وخاصة في الملاهي والمراقص؛ حيث تحول سفح جبل قاسيون إلى رمز للدعارة؛ بحيث لم يعد المواطن السوري يخجل بالذهاب إلى مطاعم جبل قاسيون بسبب السمعة اللاأخلاقية المرتبطة به، وبتوجيه مباشر من قبل بعض المتنفذين في النظام السوري باعتبارها مؤسسات تدر عليهم المال دون الخوف من أية خسارة في المستقبل.

لافتاً في هذا السياق إلى أنه قد تم الاعتماد على وسطاء من بعض الشخصيات المعروفة في الوسط السوري في مدينة دمشق ( فنانين، تجار، وصناعيين)، مستغلين التصدع والتفكك الأسري الناجم عن الحرب وانتشار الفساد في الأجهزة التنفيذية.

ويضيف بالقول: "الدعارة إحدى المفرزات الطبيعية للحرب التي شنها النظام السوري على السوريين، وجعلت 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر، بالإضافة إلى آلاف النساء التي قتلت أسرهن؛ مما دفعهن للعمل في بيوتات الدعارة بتسهيل من الحواجز والأجهزة الأمنية".

ويعتقد الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع أن انتشار هذه الظاهرة عملية مقصودة من قبل النظام السوري؛ بهدف إيجاد بنية اجتماعية هشة ومفككة اجتماعيا وأخلاقيا؛ غير قادرة على العمل السياسي والنشاط المدني الهادف المعارض للنظام مستقبلا، بالإضافة إلى الدخل المالي العالي الذي يصل الى المتنفذين من ضباط أمن وعسكر في النظام، مما يجعلهم يستميتون بالدفاع عنه.

تغيير ديمغرافي وهندسة إجتماعية...

لم تقتصر الأفعال المنافية للأخلاق المروجة على بعض المواقع المحلية؛ ضمن حدود انتشار الدعارة والإتجار بالمخدرات، بل وصلت أيضاً للإشارة إلى انتشار عصابات متخصصة بخطف الفتيات؛ من أمام الجامعات وفي الأسواق العامة، بأساليب متنوعة ما شكل ظاهرة مخيفة بالنسبة لسكان دمشق.

وبحسب تقرير لموقع "صاحبة الجلالة"، تم نشره أواخر شهر كانون الأول الماضي، حيث أكد أن هذه الظاهرة باتت تؤرق حياة الفتيات، خاصة بعد فقدان عدد منهن خلال تلك الفترة، والعثور على جثثهن بعد تعرضهن للسرقة والضرب.

وكانت مجموعة من الفتيات قد حذرن على صفحاتهن الخاصة، في مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات النسائية المغلقة؛ من عصابات نسائية منتشرة في أماكن محددة داخل دمشق، هدفها الخطف بطرق مدروسة، بالتعاون مع عدد من الأشخاص؛ المتربصين للانقضاض على الضحايا بهدف التجارة بأعضائهن، أو تحويلهن لممارسة الدعارة بالقوة.

الأكاديمية والسياسية؛ د.سميرة مبيض تشير في حديثها لـ "روزنة" إلى أن النظام السوري بدأ بتغيير المحيط الثقافي لسكان دمشق بشكل واضح خلال السنوات الماضية، حيث يتجلى ذلك بعدة مظاهر؛ منها الترويج للانحلال الأخلاقي على أنه تحرر وانفتاح، تهرباً من المعنى الحقيقي للحريات والحقوق التي بدأت تظهر في المجتمع السوري وتوجيهها نحو حريات السلوك البعيد عن الفطرة السليمة.

لافتة إلى أن استخدام النظام وأجهزته الأمنية هذا الأسلوب لشغل المجتمع عن قسوة الظروف المعيشية ونقص تأمين احتياجاتهم الرئيسية.

وبالإضافة إلى تلك الأسباب؛ تعتبر مبيض أن تغيير المحيط الثقافي أداة تهجير قسري، فهو عامل نابذ لأبناء المدينة وفق رأيها لدفعهم على الرحيل والهجرة خوفاً على بناتهم وبنيهم؛ ممن لم تنجح قذائف الهاون والحواجز التي يتحكم بها غرباء، وعمليات الخطف وغير ذلك من إقتلاعهم من جذورهم.


  وتنوه مبيض بأن هناك مخطط من قبل النظام وحلفائه الإيرانيين للتغيير الديمغرافي بالمقام الأول، مشيرة   إلى أن عائلات كثيرة ستهاجر بعد هذا الغزو السلوكي الذي يهدد قيمهم ومستقبل أبنائهم، فالهدف النهائي حسب وصفها لهذا التهجير هو أن تخلو سوريا عموماً، ودمشق بكونها العاصمة خصوصاً، من كل من يمكن أن يرفع الصوت بوجه قمع النظام للسوريين؛ وهدر لكرامتهم الإنسانية.

اقرأ أيضاً:سوريون يؤكدون حالات خطف في دمشق.. وداخلية النظام تنفي

بحسب علم الاجتماع فإن "التفسخ الاجتماعي" يعتبر كحالة من الضعف في مقدرة المجتمع على تنظيم وضبط الكيفية التي تتحقق بها الرغبات وتُشبع بها الغرائز والنزوات الطبيعية لدى مختلف الأفراد، وهو ما يمكن أن يكون أحد العوامل المساعدة للمخطط المشاع مؤخراً والذي استهدف صورة المجتمع الدمشقي بالمقام الأول.

وقد أشار "روبرت ميرتون" في مقالته عن "البنية الاجتماعية والتفسخ الاجتماعي"، إلى ردود فعل الفرد وتكيفه مع الضغوط الاجتماعية التي تفرزها ثقافة مجتمعه، والتي تنبثق عن البنية الاجتماعية.

ويؤدي هذا إلى قيام نماذج من البنية الاجتماعية داخل المجتمع تحث هذه الفئات وتفسح المجال أمامها، لإتباع وسائل غير مشروعة لتحقيق رغباتها وإشباعها، حين لا يمكن تحقيق ذلك بالوسائل المشروعة، ما يعني أن افتقاد التكامل بين الوسائل والأهداف في المجتمع، يؤدي إلى حالة من الاضطراب أو التفسخ الاجتماعي.

ويسعى كل فرد إلى التكيف مع ثقافة مجتمعه، إلا أن بعضاً من الأفراد قد لا يأبهون ببنائها أو نظامها، أو لا يهتمون بقواعدها القانونية والأخلاقية، مما يؤدي إلى استخدام الوسائل غير المشروعة وإتباع طريق الانحراف لتحقيق الأهداف، ويؤدي ذلك إلى حدوث الاضطراب الاجتماعي داخل المجتمع.

الأكاديمية والسياسية؛ د.سميرة مبيض، أضافت خلال حديثها لـ "روزنة" أن جر المجتمع لـ التقهقر هو اضعاف له عن كل مطلب محق ومحاولة لتدمير هوية الارتباط بالمجتمع، وبالمدينة، و بالوطن عموماً، ضمن سياق أعم لتدمير الهوية السورية كاملة.

وتابعت بالقول: "وذلك تسهيلاً لاحتلالها من قبل إيران وميليشياتها؛ وذلك غير ممكن بوجود مجتمع سليم متماسك قوي قادر على الدفاع عن حقوقه و أرضه، بينما هو احتلال يتم بسهولة كبيرة في مجتمع استشرت به الأمراض وفقد أي ركيزة صلبة".

وكذلك لم يستبعد الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية؛ محمد منير الفقير، خلال حديثه لـ "روزنة" دور إيران في ممارسة هذا المخطط في السيطرة على دمشق، مشيراً خلال حديثه لـ "روزنة" أن إيران أسهل لها أن تمارس سياستها عندما تواجه مجتمعات مفككة منحلة معدومة القيم.

مضيفاً بالقول: "عندما نتحدث عن المجتمع الدمشقي، فإنه وبثقافة إيران هو هدف ثمين مرتبط بصراع تاريخي؛ وهو هدف يجب أن يتم الاستحواذ عليه، فهي عندما تواجه مجتمع مفتت غارق بالمخدرات والدعارة والجريمة، أسهل بكثير عليها أن تواجه مجتمع محافظ".

ويعتبر الفقير أن ذلك أيضاً ليس بجديد عن دور المخابرات السورية في محاولتها صبغ هوية المجتمع الدمشقي؛ بصبغة مختلفة عن هويته الأصيلة، منوهاً إلى دور الأجهزة الأمنية قبل عام 2011 حينما كانت تمارس الدور ذاته، ضمن عملية الاقتلاع الحضاري الذي يمارس بحق نسبة كبيرة من السوريين؛ وفق تعبيره.

وأضاف بأن القضية لم تعد فقط قضية تغيير ديمغرافي؛ بل أصبحت عملية موجهة ضمن فلسفة الهندسة الاجتماعية العميقة، تعيد تركيب المجتمع وفق ثوابت جديدة يروج لها، بحيث يصبح انتشار الرذيلة وشبكات الدعارة، عبارة عن عادات وتصرفات عادية لدى المجتمع وثقافته.

قد يهمك:وفاة سبعة أطفال أشقاء نتيجة حريق في دمشق القديمة (بالفيديو)

ولا يفصل أيضاً الباحث في مركز عمران هذا المخطط المتبّع، عن محاولة النظام اتباع سياسات بعد انتهاء حالة التعبئة الحرب لـ "مواجهة الإرهاب"، من خلال حاجته لأن يتبع سياسات إشغال وإنهاك المجتمع بحروب داخلية؛ وقضايا تهدد السلم المجتمعي، ومنها الإغراق بمواضيع المخدرات وشبكات الدعارة فهذا كله وفق الفقير ينهك المجتمع ويستنزف ما بقي فيه من طاقة ويصرفهم عن مساءلة النظام حول أزمة ما بعد الحرب.

ويتابع بالقول: "عندما يتم تشويه صورة المجتمع؛ حينها يعمل النظام على نسف آخر الجذور التي تجعل الناس تعود لمجتمع ما قبل الحرب، وهذا أيضا مرتبط بعملية التغيير الديمغرافي والهندسة الاجتماعية".

مضيفاً:"إن ما يحصل هو جزء حقيقي من معركة النظام على ثقافة الشعب السوري و قيمه التي هي بالنهاية أفرزت الثورة السورية، فالنظام يحاول أن ينسف أي مرتكز لأي ثورة قادمة، فالشعب السوري كان لديه حد أدنى من القيم والأخلاق؛ التي جعلته يأنف الذل بعد نصف قرن من الاستبداد؛ وهذا ما يسعى الى تفتيته النظام".  

مشاريع استثمارية غير نظيفة...

الباحث والخبير الاقتصادي؛ يونس الكريم، أشار خلال حديثه لـ "راديو روزنة" أن تدمير البنية الأخلاقية للمجتمع؛ يمهد لإقامة "إقليم دمشق الكبرى"، والذي يسعى النظام من خلاله لإقامة النوادي الليلية، وانتشار الملاهي، وكذلك إيجاد أماكن يكون فيها كل شيء مباح؛ دون وجود أي إشكاليات مجتمعية.


 ويذكر الكريم أنه و في عام 2009، أغلق النظام "كازينو" على طريق مطار دمشق، بعد أن رفض افتتاحه علماء  وتجار دمشق، وعلى ضوء ذلك يعتبر أن مشاريع استثمارية يباح فيها كل شيء؛ لا يمكن أن تقام داخل دمشق مع وجود العائلات المحافظة.

 ويضيف: "الشرائح المحافظة لن تستطيع أن تتقوقع على نفسها داخل هذا المجتمع المنحل، لذلك هي ستغادر وتترك ممتلكاتها معروضة للبيع، ليسيطر رجالات النظام عليها، ومع تفكك العائلات تصبح كل ثروات العائلات الدمشقية للبيع، وبالتالي إعادة هندسة المنطقة بحسب مصالح النظام".

 ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن النظام شعر بأن المنظومة الأخلاقية تتكسر، فبدء يقارن الفوائد و الأضرار التي ستحصل، وبحسب رأيه فإن النظام يرى أن اختفاء المنظومة الاخلاقية سوف يسمح له بإقامة "البارات وأماكن القمار"، وهذا جزء من مشروع جعل دمشق ملاذ ضريبي آمن؛ ومدينة سياحية تجذب أصحاب رؤوس الأموال لقضاء الليالي فيها؛ وجذب الاستثمارات الأجنبية.

أثر سريع ملموس على بعض الفئات...

وعلى ما يبدو أن المخطط الساعي إلى تغيير صورة المجتمع المحافظ بل وحتى لإحداث تغيير في مدى قابلية فئات المجتمع الدمشقي لهذا الانحدار الأخلاقي، بات متلمساً نوعاً ما لدى بعض الأشخاص (من شرائح وفئات مختلفة) الذين تواصل معهم راديو روزنة.  

وذلك ما بدا جلياً حينما تحدث لـ "روزنة" "أحمد.ق" (تاجر في سوق الحريقة بدمشق) والذي يرى أن الأحداث الجديدة التي برزت في المجتمع الدمشقي المعروف بأنه "محافظ"، لا تشير إلى انحلال أخلاقي وفق رأيه؛ وإنما إلى تطور طبيعي لأي مجتمع يتجه نحو الانفتاح ومواكبة العصر.

 اقرأ أيضاً:النظام يسعى لتحويل دمشق إلى "دبي جديدة" من خلال غسيل الأموال

معتبراً أنه أمر لا خوف منه بل العكس؛ فمن وجهة نظره كلما خفّت القيود التراثية "التقاليد والدين" كلما زادت القدرة على الإبداع، مشدداً بالقول: "لقد آن الأوان لنثور على كثير من "الموروثات البالية" التي تحول دون مواكبة العصر والتطور".

بينما رأى "لؤي.ف" (موظف في مؤسسة حكومية بدمشق) بأنه عندما بدأت الأزمة في سوريا لم تعد دمشق صالحة للسكن كما في السابق؛ وذلك بسبب تضييق الحالة الأمنية وغلاء الأسعار وتدني مستوى الخدمات المعيشية؛ وفق رأيه.

وأضاف خلال حديثه لـ "روزنة" "كل هذه الأسباب جعلت الناس يهاجرون؛ ولم يبقى إلا من كان مجبرا على البقاء بسبب حالته المادية وعدم توفر وسيلة آمنة للهجرة؛ أو الفئة المتعامية التي كانت تصيغ مبررات واهية لردة فعل الدولة على الحراك الشعبي؛ وقد انتشر السرطان اللاأخلاقي من حالة التعامي لينتقل إلى كافة ميادين الأخلاق، وما يحدث أيضاً هو تحصيل حاصل لبروز الفساد الأخلاقي للمتصرفين في الدولة".


من جانب آخر اعتبر "عبد الرحمن.أ"، (وهو رجل دين في منطقة المجتهد؛ جنوب دمشق) بأن ما تشهده دمشق من مظاهر غير مألوفة هو "أمر معيب".

وأضاف لافتاً بالقول: "لطالما عرفت أرض الشام بأنها أرض مباركة وهي مشهورة بعلمائها الكبار، وعلى المؤمنين في هذا الظرف أن يعتزلوا هذه الفتن ويبتعدوا عن أهوائهم، على الرغم من أن فسحة الدعوة إلى الله ضاقت بعد الفتنة الأخيرة، لأن أعداء الاخلاق سيطروا على المنابر الإعلامية، وصرنا نخاف من إبداء الرأي الشرعي لنتجنب الاتهامات الجاهزة مسبقا بأننا داعشيون".

فيما لفت "أديب.م" (طالب دراسات عليا في كلية الإعلام) بأن الحياة الاجتماعية في دمشق خرجت عن سيطرة الدولة مما يعكس إفلاسا في القيم، وهو وضع طبيعي بحسب رأيه؛ نظرا لما مرت به البلاد من انحدار على جميع المستويات؛ ما أوصل دمشق إلى حالة من التزييف وتشويه المفاهيم الراسخة لتدمير الهوية الحضارية والثقافية للمجتمع.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق