ما علاقة الانسحاب الأميركي بتقسيم سوريا؟

ما علاقة الانسحاب الأميركي بتقسيم سوريا؟
الأخبار العاجلة | 23 فبراير 2019

 

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، يوم الخميس الفائت، أن الولايات المتحدة ستترك "مجموعة صغيرة لحفظ السلام" تضم 200 جندي في سوريا لفترة ما بعد انسحاب القوات الأميركية.

إلى ذلك رحبت "قوات سوريا الديمقراطية" بقرار الولايات المتحدة، وقالت إن ذلك سيحمي منطقتهم وقد يشجع دولا أوروبية على أن تبقي قواتها أيضا.

وقال مسؤول العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد، عبد الكريم عمر: "نقَيّم قرار البيت الأبيض بالاحتفاظ بمئتي جندي لحفظ السلام في المنطقة... إيجابيا، ويمكن لهذا القرار أن يشجع الدول الأوروبية الأخرى، وخاصة بالنسبة لشركائنا في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، أيضا على الاحتفاظ بقوات في المنطقة".

وأوضح أن بقاء هذه القوات في هذه المنطقة، إلى حين أن تحل أزمة البلد، "سيكون حافزا وداعما ووسيلة ضغط أيضا على دمشق لكي تحاول جديا أن يكون هناك حوار لحل الأزمة السورية".

بينما نقلت وكالة رويترز عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية، أن نحو 200 عسكري سيبقون في القاعدة الأمريكية في التنف بالقرب من الحدود مع الأردن والعراق، و أن 200 آخرين سينشرون في المنطقة الآمنة التي تريد الولايات المتحدة إقامتها بشمال شرقي سوريا.

وأضاف المسؤول أن القوة الأميركية بشمال شرقي سوريا من المتوقع أن تكون جزءا من قوة مشتركة مع حلفاء أوروبيين، سيبلغ عددها ما بين 800 و1500 عسكري، تتولى إقامة ومراقبة المنطقة الآمنة.

اقرأ أيضاً:ما احتمالات تشكيل تحالف فرنسي-سعودي في شرق الفرات؟

إلا أن هذه التطورات لم تطغى على الإتهامات الروسية لواشنطن المتعلقة بالادعاء الروسي المتمثل  بمحاولة واشنطن تقسيم سوريا.

حيث اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الثلاثاء، واشنطن بالسعي لتقسيم سوريا وإنشاء دويلة في شرق الفرات.

وقال إن هدف الولايات المتحدة هو تقسيم سوريا وإقامة شبه دولة على الضفة الشرقية لنهر الفرات؛ وفق قوله، وأضاف: "بعبارة أخرى، كانت مهمة استعادة السيادة والسلامة الإقليمية لسوريا، والتي أيدها المجتمع الدولي بأكمله، بما في ذلك الولايات المتحدة في الواقع مجرد مناورة، هدفهم الذي صار واضحا الآن هو تقسيم سوريا وإنشاء شبه دولة على الضفة الشرقية للفرات".

فيما اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية روبرت بالادينو أن الجانب الروسي يخطئ عندما يزعم أن الولايات المتحدة تحاول تقسيم سوريا وشرذمتها.

وأضاف بالادينو في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء ردا على طلب التعليق على ما جاء على لسان وزير الخارجية الروسي، أن "هذا سوء تفسير لسياسة الولايات المتحدة"، وقال: "نحن نؤيد الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا".

هل تسعى واشنطن لتقوية الأكراد من خلال منحها "وضع خاص"؟

وتهتم واشنطن في تأمين جانب الأكراد بعد انسحاب قواتها من سوريا؛ تحسباً من اندلاع نزاع بين قوات سوريا الديمقراطية و تركيا، وسط تخوفات تركية من تهديد القوات الكردية لأمن أنقرة القومي.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أمر في كانون الأول الماضي بسحب القوات الأميركية من سوريا، قائلا إنهم هزموا تنظيم داعش في سوريا، على الرغم من أن المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم واشنطن ما زالوا يخوضون معركتهم النهائية ضد آخر مواقع التنظيم.

المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون الروسية؛ نصر اليوسف، اعتبر خلال حديث لـ "راديو روزنة" أن الاتهامات الروسية للولايات المتحدة بخصوص محاولتها تقسيم سوريا؛ ما هي إلا تقليد متبع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مشيراً بأن الجانب الروسي دائما ما يشكك بكل خطوة تقوم بها الولايات المتحدة ويرى فيها "شرًا مستطيرًا".

ورأى اليوسف أن كل ما تريده الولايات المتحدة بعد الانسحاب من سوريا؛ هو تأمين نوع من مكافأة الأكراد وتبعيتهم لها؛ من خلال أن يتم منحهم نوع من الحكم الذاتي، واعتقد في الوقت ذاته بأن واشنطن لن تسمح أيضاً للأكراد بأن "يتطاولون على العرب ويكررون الاستبداد الذي مارسوه خلال هذه الفترة"؛ حسب تعبيره.

وأضاف: "الولايات المتحدة ليست مهتمة بالشمال السوري؛ لأنها ليست منطقة نفوذهم، وتعرف بأن ما تبقى من المجموعات الإرهابية على المنطقة الشمالية من سوريا يجب على الروس و الأتراك أن يتولوا مهمة القضاء عليهم، ولذلك ترامب سيسحب جنودهم لأنه أعطى وعودا لناخبيه وهو ليس مسرورا من البقاء في سوريا".

قد يهمك:توقعات باستمرار نفوذ داعش في سوريا.. ما علاقة واشنطن بذلك؟

بينما قال الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في العلاقات الدولية؛ ماك شرقاوي، في حديث لـ "راديو روزنة" أن الاتهامات الموجهة لواشنطن بمحاولة تقسيم سوريا يمكن تفنيدها من خلال الإشارة بأن الولايات المتحدة عندما سلحت (قوات قسد الكردية) كانت تهدف للوقوف في مواجهة داعش، معتبراً أن القوات الكردية "أبلوا بلاء حسنا وقاموا بالكثير من العمليات العسكرية ضد داعش".

ولفت شرقاوي إلى وجود مفاوضات بين الولايات المتحدة وبين بريطانيا وفرنسا، من أجل أن يكون هناك تعاون أميركي فرنسي، كي تتولى فرنسا مهمة حماية الأكراد في سوريا.

وتابع بالقول: "الولايات المتحدة لا توافق على الاحتلال التركي الآن في الشمال السوري في عفرين؛ والمضي قدما إلى منبج، وكذلك محاولة الرئيس التركي لفرض منطقة آمنة تقوم تركيا بالسيطرة عليها على طول الشريط الحدودي الشمالي لسوريا، وعندما صرح الرئيس ترامب حول إمكانية وضع منطقة آمنة ما بين الأكراد و تركيا؛ فإنه بالتأكيد كان يفكر بأنها ستكون تحت سيطرة قوات التحالف الموجودة في سوريا، أو يمكن أن تكون قوات تابعة للأمم المتحدة تحت الفصل السابع، ولكن لا يمكن لتركيا السيطرة عليها".

تغييرات مؤثرة على المشهد السوري بعد الانسحاب الأميركي..

وكانت وزارة الخارجية الروسية، قد دعت يوم أمس الجمعة، إلى عدم الثقة بتصريحات مسؤولي الولايات المتحدة حول سحب القوات الأميركية من سوريا.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا: "لا جدوى من الثقة بهذه التصريحات أيا كان مصدرها، لأنها تصريحات سيتم تفنيدها في اليوم التالي من قبل قوى سياسية أخرى".

وتابعت زاخاروفا: "لا تزال السلطات الأمريكية تفتقر إلى تصور حقيقي لاستراتيجيتها في المنطقة، ولم تقدّم حتى الآن رؤية واضحة (لهذه الاستراتيجية) ذات معايير زمنية ونوعية دقيقة وأهداف ومهمات".
وفي الأثناء أكد الرئيس الأميركي، أن قراره إبقاء قوة عسكرية صغيرة في سوريا لا يمثل تراجعا عن إعلانه، في كانون الأول الماضي، عن توجهه لسحب ألفي جندي أمريكي من سوريا.

وقال ترامب للصحفيين: "إني لا أغيّر مساري في سوريا"، موضحا أن الجنود المزمع إبقاؤهم هناك سيشكلون "جزءا صغيرا جدا" من القوات، لمنع تنظيم "داعش" من إعادة نشر قواته.

اقرأ أيضاً:ما حقيقة التوافق على اقامة "منطقة أمنية" في شمال سوريا؟

هذا وقد يتمثل الانسحاب الأميركي من سوريا في مثل هذا الوقت؛ بصناعة شكل جديد لواقع الملف السوري برمته، وقد لا يتعلق الأمر فقط بمنطقة شرق الفرات، وإنما قد يؤدي إلى تغير في ملامح الخارطة الجغرافية السورية الموحدة، سواء كان ذلك التغيير في إدلب والشمال السوري وما يتعلق بالمنطقة الآمنة، بالإضافة إلى منطقة شرق الفرات وما ينتج عن هاتين المنطقتين؛ من تغيرات ميدانية ترسم واقعا مختلفا ومغايرا.

وحول ذلك اعتبر المتخصص في الشؤون الروسية نصر اليوسف، أن الانسحاب الأميركي سيشكل واقعا جديدا للملف السوري، لافتاً إل أنه وبمجرد الإعلان عن الانسحاب من خلال تغريدة للرئيس الأميركي "أقامت الدنيا و لم تقعدها"، وأضاف بأن أي موقف تعلنه الولايات المتحدة على كل الأصعدة (اقتصادي، سياسي، عسكري) فإنه يمثل حافزا و محركا لإحداث أثر له أصداء من سوريا.

فيما اعتبر المحلل السياسي المتخصص في العلاقات الدولية؛ ماك شرقاوي، أن مبررات الانسحاب للرئيس الأميركي تأتي ضمن تنفيذ وعوده الانتخابية بإعادة القوات الاميركية إلى البلاد، معرباً بأنه بدأ بالملف السوري ثم أتبعها بمحاولات عقد سلام مع حركة طالبان في أفغانستان لعودة 15 ألف من الجنود الأميركيين في أفغانستان.

وأضاف بالقول: "كذلك فهو (ترامب) لا يريد أن يدخل في حروب طويلة تتورط فيها الولايات المتحدة، فيمكن أن تتواجد بعض القوات في قاعدة التنف لما لهذه القاعدة من أهمية استراتيجية؛ كونها تقع على تقابل الحدود السورية الأردنية العراقية، وتمارس دور في مراقبة قوافل الأسلحة التي كانت تمر لحزب الله في لبنان، وأعتقد أن دور القاعدة استخباراتي أكثر من كون دورها عسكري". 

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق