في إشارة تدل على فتح باب المواجهات بين التنظيمات الجهادية المنتشرة في الشمال السوري، أصدر كل متزعم تنظيم "حراس الدين" أبو همام الشامي، والشرعي العام السابق لـ "جبهة النصرة" سامي العريدي، بياناً هاجموا فيه قيادات "هيئة تحرير الشام" ومتزعمها "أبو محمد الجولاني".
وعبّر البيان الصادر يوم الخميس عن تفاجىء قيادات "حراس الدين" من طروحات قدمها قادة في "تحرير الشام" لهم.
وتتمثل الطروحات بتشكيل مجلس عسكري بقيادة ضابط من الضباط المنشقين عن النظام السوري والملتحقين بـ"الجيش الحر" أو "فيلق الشام"، والأرجح "الفيلق"، ويملك المجلس العسكري قرار السلم والحرب في الشمال السوري.
وإلى جانب ذلك تفتح "تحرير الشام" الأوتوسترادات الدولية مع النظام السوري، وأشار القياديان في البيان ذاته؛ إلى أن هذه الطروحات تنعكس سلبًا على المناطق "المحررة".
وعلى إثر ذلك طالب القياديان "تحرير الشام" بتسليم السلاح المتنازع عليه فيما بينهم سابقًا، وقالوا "نرى أنه لا يسعنا السكوت عن حقوقنا وسلاحنا؛ فنحن اليوم نطالبهم بسلاحنا وحقوقنا، ولم يقض فيها ولم يحسم أمرها إلى الآن".
اقرأ أيضاً:"تحرير الشام" تسيطر على اتفاق سوتشي.. ما موقف المعارضة؟
الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، خليل المقداد، قال في تصريحات لـ "راديو روزنة" تعليقاً على هذا الموضوع، بأن ما صدر في البيان ينم عن مساع من قبل القياديان لفك التحالف بينهم وبين "تحرير الشام"، واعتبر المقداد بأن استحقاقات المرحلة ومستقبل إدلب؛ هو ما حتّم هذا الخلاف والذي قد يؤدي إلى الانفصال.
وتابع مضيفاً: "الهيئة حاولت اللعب على وتر الوقت طويلا؛ وحاولت التماهي مع المتطلبات والمزاج الإقليمي والدولي لفترة طويلة؛ وهي لا زالت تحاول على أمل أن تكون جزء من التسوية السياسية، و لا أعتقد أنها بوارد تسليم المنطقة، رغم أنني أرى أن الهيئة ستنتهي كما انتهى غيرها من (التنظيمات)؛ وستذوب في مكون آخر، و أرجح أن يكون الانضمام مع فيلق الشام".
ولفت المقداد في حديثه لـ "روزنة" إلى أن "هيئة تحرير الشام" لا تستطيع الابتعاد بنفسها كثيرا عن الأحداث، وذلك لأنها ستواجه الحسم بكل تأكيد؛ وفق قوله، وأضاف: "فإما تسليم و إما قتال".
وأوضح متابعاً بالقول: "هناك عدة حسابات إلكترونية مقربة من الهيئة؛ روجت للإنخراط بالعملية السياسية من قبل الهيئة؛ وعدم الانجرار إلى حروب مع النظام، (فضلاً عن أن) تركيا موقفها ضاغط على الهيئة؛ حتى أنها اتهمت مؤخرا بعض أطراف التحالف الدولي بدعم الهيئة، لتخريب اتفاق روسيا و تركيا حول إدلب".
من جانبه اعتبر الكاتب المتخصص في الشأن السوري، طالب الدغيم، خلال حديثه لـ "روزنة" أن مطالبة قيادات جبهة حراس الدين "الفصيل الأكثر تشدداً في تنظيم القاعدة بسوريا" بالسلاح والعتاد والمال الذي خسروه نتيجة هجمات هيئة تحرير الشام على مواقع الجبهة؛ ليس غايته السلاح إنما هو عملية مفاصلة تاريخية داخل تنظيم القاعدة بين جناح متشدد تمثله حراس الدين ومن ينضم لها، وجناح راديكالي براغماتي متفاوض، وسببتها طروحات الاجتماع الأخير الذي جمع قيادات تحرير الشام وحراس الدين يوم الخميس الماضي.
ولفت الدغيم إلى طرح وفد "تحرير الشام" مشاركة حراس الدين في العملية السياسية والترتيبات التنظيمية التي ستجري بمشاركة فيلق الشام في "المناطق المحررة"، والتي تقضي بتشكيل حكومة ومجلس عسكري موحد وهذا لا يناسب حراس الدين ولا منهجهم؛ حيث شعروا بأنهم الفصيل التالي المستهدف من قبل الهيئة بعد الزنكي والأحرار، وخاصة بعد سجن أبرز قيادات الحراس وهو الفرنسي عمر أموسين قائد فرقة الغرباء في شهر آب 2018.
مشيراً إلى أن المطالبة بالسلاح في بيان القياديان هو مرحلة فصل وإعلان عداواة نتيجتها الاقتتال بين الطرفين؛ لاختيار الرؤى والمصالح بينهما.
وحول ذلك أشار الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، خليل المقداد، إلى "خلاف (كان متواجداً)، ومحاولة للانفصال عن الهيئة، (إلا أنه) تم رفض الطلب، وبالتالي تم ذكر هذه الفقرة، (حيث) اعتبروا أنهم شخصيات اعتبارية فاعلة لها وزنها، و أن ما حدث هو انشقاق للجولاني و ليس العكس".
قد يهمك:هل باتت هيئة تحرير الشام تتحكم بمصير إدلب وشرق الفرات؟
وتابع مضيفاً: "ربما هذا الأمر يؤسس لانشقاقات مستقبلية في الهيئة، ولاحظنا أنه في الأيام الماضية كانت هناك اجتماعات بين الهيئة و حراس الدين، وهناك مساع لتشكيل جسم سياسي عسكري ربما يتولى قيادته فيلق الشام المقرب من تركيا، وهذا سبب اعتراض هذه القيادات على التوجه الجديدة للهيئة".
بينما بيّن الكاتب في الشأن السوري؛ طالب الدغيم، لـ "روزنة" أن وصف بيان حراس الدين للجولاني بـ"المنشق"، وذلك وفق اعتبار أنه خالف مبادئ وأهداف تنظيم القاعدة في سوريا، وذلك نتيجة لتوجهه البراغماتي الذي يهدف من خلاله إبعاد صفة الإرهاب عن تشكيله والاندماج بتكتلات جديدة مدنية ومعتدلة، تبقيه في مركز السيطرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام؛ وذلك وفق ما أشار إليه الدغيم.
وأضاف بالقول: "توجه أبو محمد الجولاني وتقليصه صلاحيات الشرعيين وفصل بعضهم بسبب تهم تتعلق بمخالفات شرعية؛ وكان آخرهم أبو اليقظان المصري الذي اختلف معه في القرار من معركة تركيا في شرق الفرات وأخذ موقع هام بين مقاتلي الهيئة؛ فكانت نهايته الطرد، وسيكون موقعه القريب في حراس الدين، وأما فصيل "حراس الدين" لن يكون لهم مكان في سوريا، بل هم مركز التجميع الأخير التي سيجمع المهاجرين الأجانب، وبالتالي القضاء عليهم اعتقالاً أو اغتيالاً أو ترحيل من يرغب إلى بلاده".
موضحاً: "عندما تنضم الهيئة لأي تشكيل مع أي فصيل، عليها أن تأخذ بعين الاعتبار توجهات هذا الفصيل وارتباطاته، وهي ملتزمة بحكم هذا الاتحاد أن تتماشى و تتماهى وفق ما يطلب من هذا التشكيل، لأن التشكيل المتوقع تواجد الهيئة ضمنه لن يكون مهمته قتال النظام، وإنما هو تشكيل للانخراط في العملية السياسية؛ ومرحلة ما بعد الأسد".
فيما رأى الدغيم أن اسم "هيئة تحرير الشام" سيزول قبل منتصف هذا العام، وكذلك سيقود التشكيل عملية تنظيمية تنهي سيطرة المهاجرين في المراكز الأمنية والشرعية وتخرجهم من معادلة القوة، كما ستؤول الأمور وفق تقديره إلى تشكيل مجلس عسكري وحكومة ترضي رؤية تركيا الضامن لحماية المدنيين في الشمال السوري والتي تعهدت بالقضاء على الإرهاب، وهذه أبرز خطوة بحسب رأيه لحماية الشعب السوري وإنهاء مظاهر العسكرة والاقتتال والفوضى.
مواجهة واسعة بين "حراس الدين" و "هيئة تحرير الشام"؟
تنظيم "حراس الدين"، كان قد تشكل نهاية شباط 2018، وضم سبع تجمعات مقاتلة هي: جيش الملاحم، جيش الساحل، جيش البادية، سرايا الساحل، سرية كابل، جند الشريعة، وفلول ما تبقى من "جند الأقصى"، ويقودهم أبو همام الشامي.
بالإضافة لقيادات القاعدة في مجلس الشورى الذي يضم أبو جليبيب طوباس وأبو خديجة الأردني و سامي العريدي وأبو القسام، وأبو عبد الرحمن المكي، وعدد من قيادات جبهة النصرة المبايعة للقاعدة؛ والتي رفضت الانضمام إلى جبهة فتح الشام (هيئة تحرير الشام حالياً) عقب فك ارتباطها من تنظيم القاعدة في نهاية تموز 2016، ما أدى لتوتر العلاقات مع الجولاني.
اقرأ أيضاً:ما علاقة إيران بهجوم تحرير الشام على الجبهة الوطنية للتحرير؟
واعتقلت الهيئة حينها كلاً مِن سامي العريدي (المسؤول الشرعي العامّ لجبهة النصرة سابقًا)، وأبو جُليبيب الأردني (القيادي السابق في جبهة فتح الشام)، وأبو القسام الأردني (نائب القيادي الأسبق في تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي)، وأبو همّام الشامي المسؤول العسكري لجبهة النصرة سابقًا؛ ليقوم زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري" على إثرها بشنّ هجوم هو الأعنف على قيادة "هيئة تحرير الشام" بعد اعتقالها للقادة واتهمها بـ "نكث العهد، والتعمية على الأتباع".
مصدر معارض في الشمال السوري، أشار لـ "روزنة" إلى أن أمر الاقتتال بين "هيئة تحرير الشام" و "حراس الدين" ما هو إلا مسألة وقت، إلا أنه أكد بأن الاقتتال لا علاقة له برغبة الجولاني في تحسين صورة جماعته أمام تركيا والمتداخلين في الشأن السوري.
معتبراً أن الخلافات والاختلافات بين الطرفين كانت موجودة ومستمرة في أوقات مختلفة، وما كان أمر التأجيل إلا بسبب التفرغ لقتال "حراس الدين"؛ بعد انتهائهم من المعارك "المفتعلة" مع "حركة نور الدين الزنكي" و "الجبهة الوطنية للتحرير" خلال الفترة الفائتة، والتي نتج عنها سيطرة واسعة للجولاني على أراض جديدة كانت خارج نطاق سيطرة تنظيمه.
الكلمات المفتاحية