تزايدت حالات سحب الشباب السوري إلى الخدمة الاحتياطية خلال الآونة الأخيرة، حيث سجلت عدة محافظات تقع تحت سيطرة النظام السوري حالات كثيرة لـ "اختطاف" الشباب السوري من أماكن عملهم والأماكن العامة، فضلاً عن إجبارهم الالتحاق بصفوف القوات النظامية من خلال الحواجز الأمنية المنتشرة في تلك المحافظات.
مصادر محلية من مدينة دمشق كشفت لـ "راديو روزنة"، عن حدث صدم الشارع الدمشقي يوم أمس؛ بعد نصب الشرطة العسكرية والأجهزة الأمنية لفخ فاجىء المطلوبين إلى الخدمة العسكرية والاحتياطية، حيث وصلت شاحنة تحمل أسطوانات غاز منزلي إلى حي ركن الدين (شمال مدينة دمشق)، ليتسابق الأهالي إلى مكان تمركز الشاحنة من أجل الحصول على اسطوانة واحدة تقيهم برد الشتاء.
إلا أن غير المتوقع قد حصل، فبحسب مصادر "روزنة" لم يكن وصول "شاحنة الغاز" للتخفيف من الأزمة الحادة وغير المسبوقة على السوريين من فقدان لمادة الغاز المنزلي، وإنما كان من أجل استجرار الشباب المطلوبين للاحتياط والالتحاق بالخدمة العسكرية.
واستطاعت عناصر الشرطة العسكرية يوم أمس؛ بعد "تفييش" أسماء الأشخاص المنتظرين الحصول على اسطوانة الغاز، استطاعت "اختطاف" أكثر من 20 شخص؛ دون حتى أن يستطيعوا إبلاغ عائلاتهم المنتظرين عودتهم؛ بأنهم وقعوا في الفخ الذي نصبه لهم عناصر السلطة الحاكمة في بلدهم، والتي باتت تستخدم حيل قذرة في سوقهم لـ "مصير مجهول"، مستغلة حاجة الناس لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
اقرأ أيضاً: مساعٍ روسيّة لحل الفرقة الرابعة.. ما مصير ماهر الأسد؟
حالة الشبان في حي "ركن الدين" الدمشقي، هي واحدة من حالات كثيرة أفجعت عائلات عدة على مستوى المدن والمحافظات السورية، فالسحب إلى الخدمة الاحتياطية تعدى أخذ الشبان إلى "مصير مجهول"، وإنما وصلت في إحدى قرى منطقة "وادي النصارى" في ريف حمص، إلى انتحار شاب عاد مؤخراً من منفاه الإجباري في لبنان.
الشاب الحمصي كان مطلوباً للخدمة الاحتياطية، إلا أن مرسوم العفو الذي أصدره رئيس النظام السوري؛ نهاية العام الفائت، ويقضي بالعفو عن الفارين من الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، دفعه للعودة إلى سوريا، والتفكير جدياً بالزواج بخطيبته التي استمر غيابه عنها أكثر من 4 سنوات، بما أنه لم يعد مطلوباً للخدمة في صفوف قوات النظام السوري.
إلا أن الشاب وبحسب مصادر مقربة من عائلته التي أفادت لـ "راديو روزنة"، أنه وبعد عودة قريبهم من لبنان بأيام قليلة، تفاجئت عائلته بورود اسم ابنهم في قائمة جديدة للمطلوبين إلى الخدمة الاحتياطية، الأمر الذي تسبب برفض عائلة خطيبته لاستمرار علاقتهم؛ بحجة أن التحاقه بصفوف قوات النظام بات أمراً مؤكداً ويستحيل عليه الارتباط بابنتهم، ما أجبر الشاب على إطلاق رصاصة الرحمة على رأسه الذي تحمل ما تحمله على مدى السنوات الماضية؛ من غربة عن بلده وأهله وخطيبته.
وكانت سرت شائعات آنذاك عبر قيادات عسكرية أن الخدمة الاحتياطية تم إسقاطها بشكل نهائي؛ ولن تعود للصدور بعد ذلك أي قوائم جديدة بأسماء المطلوبين للاحتياط، إلا أن ذلك كان فخاً آخر خطط له النظام سعياً إلى جذب الشباب المهاجرين خارج البلد؛ وكذلك المختفين عن أنظار الشرطة العسكرية في الداخل السوري.
قد يهمك: هل بدأ صراع "الشركات الأمنية" على سوريا؟
إلا أن مدير التجنيد في سوريا، اللواء سامي محلا، ادعى في نهاية شهر تشرين الأول الماضي، أنه بات لزاماً عليهم توضيح ملابسات ما أثير حول إلغاء دعوات الاحتياط في سوريا.
وقال محلا في تصريحات إعلامية محلية، إن "المتخلفين عن الدعوة الاحتياطية سقطت عنهم العقوبة والدعوة السابقة بموجب مرسوم العفو، لكنهم قد يطلبون للدعوة الاحتياطية مجددًا في حال الحاجة".
وأضاف محلا أن "كل شخص (متخلف) كان اسمه مدرجًا ضمن قوائم الاحتياط؛ سقطت عنه أي دعوة احتياطية سابقة قبل تاريخ مرسوم العفو الصادر بتاريخ 9 من تشرين الأول"، لكن قد يمكن طلبه من جديد عند الحاجة، بحسب محلا، الذي أكد أن شعب التجنيد قد تقوم بدعوة أسماء جديدة إلى الخدمة الاحتياطية، ويعطى المدعو مهلة زمنية للالتحاق.
وهذا فعلا ما حصل لاحقاً، حيث تزايدت قوائم المطلوبين للخدمة الاحتياطية، وتجددت أسماء من سقطت عنهم الملاحقة إزاء التهرب من الالتحاق.
و وصلت إلى معظم مدن ريف دمشق وبلداته خلال شهر كانون الأول الماضي، قوائم تضم مئات الأسماء لشبان مطلوبين للخدمة الاحتياطية، وذلك بعد مضي أقل من شهر على صدور مرسوم يقضي بإلغاء دعوات الاحتياط السابقة.
مصادر متقاطعة من ريف دمشق الغربي أكدت لـ"روزنة"، أن قوائم الاحتياط التي وصلت إلى المخافر وأُبلغ المعنيين بها من طريق المخاتير ضمّت أسماء أشخاص موتى، إضافة إلى أشخاص مهجّرين باتجاه الشمال السوري ضمن الاتفاقات التي حصلت ما بين فصائل المعارضة السورية والنظام السوري خلال الأعوام الماضية، كما ضمت أشخاصاً لا يزالون قيد الخدمة أو متطوعين ضمن ما يعرف بـ "الدفاع الوطني".
وأضافت المصادر أن بعض المناطق في ريف دمشق خصوصاً تلك التي شهدت عمليات إخلاء للمعارضة حديثاً، شهدت خلال الأيام الماضية عودة لدوريات الشرطة العسكرية التابعة للنظام، مدعومة بعناصر من استخبارات النظام، تعمل على تثبيت حواجز مؤقتة في الشوارع بحثاً عن مطلوبين للخدمة الاحتياطية.
مصدر عسكري معارض، لفت لـ"روزنة" إلى أن إدارة التجنيد العامة لدى النظام ما زالت تعمل على السجلات القديمة الموجودة لديها، من دون التدقيق بأمر من قُتل أو هُجّر من منطقته، أو الذين تمكنوا من الفرار خارج البلاد، وما يثبت ذلك أن القوائم التي وصلت إلى معظم مدن ريف دمشق وبلداته لم يحصل فيها أي تغيير إلا بإضافة سجلات مواليد جديدة.
الخبير العسكري؛ العقيد مالك الكردي، قال في حديث لـ"راديو روزنة" أن من دوافع النظام للسعي إلى سحب أكبر عدد من الشباب للخدمة الإلزامية والاحتياطية؛ تأتي لعدة أسباب، أولها يتعلق بمناطق المصالحات في حمص ودرعا؛ ومناطق أخرى، حيث لفت الكردي إلى أنه وعلى الرغم من أن تلك المناطق قد أُعيدت لسلطة النظام من الناحية الشكلية، إلا أنها لم تُبسط سيطرتها الفعلية والكاملة.
مشيراً إلى أنه ما يزال فيها الكثيرين من المطلوبين للنظام، والذي يراهم خطراً كبيراً عليه، خاصة في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن مقاومة شعبية؛ يحتمل أن تشكل خطرا عليه، وهذا بالطبع وفق رؤية النظام يتطلب سيطرة عسكرية فعلية أشمل؛ على تلك المناطق ويحتاج إلى أعداد من العناصر والمقاتلين لفرضها.
اقرأ أيضاً: عودة ضباط منشقين إلى معضمية الشام برعاية الفرقة الرابعة
ولفت الكردي خلال حديثه لـ" روزنة" إلى الضغوط الروسية الساعية لتحجيم الدور الإيراني، فبعد الانسحابات لبعض وحدات حزب الله اللبناني؛ والقوات الأجنبية التابعة لإيران، فإن ذلك أيضاً يتطلب سد الفراغ، إضافة إلى رغبة النظام السوري في تعزيز وحدات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة التي أُنهكت خلال المواجهات؛ وكذلك من جراء الضربات الإسرائيلية، حيث يستشعر النظام بجدية التهديدات التي يقوم بها الروس لحل هذين التشكيلين؛ حيث يعتبران العمود الفقري لقوات النظام وذراعه الضارب.
وحول علاقة الوضع الميداني على الأرض باستدعاء أسماء وقوائم جديدة من قبل قوات النظام، أشار الخبير العسكري إلى أن وضع هيئة تحرير الشام في إدلب مازال معلقا، وهو موضع خلاف بين تركيا وروسيا، وفي حال قام النظام وفق رأي الكردي بحشد قواته على حدود إدلب، فإن ذلك من شأنه أن يشكل ضغط على المعارضة السورية وعلى تركيا تحديدا؛ لتسريع إنهاء وضع هيئة تحرير الشام؛ وفتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى حلب؛ التي ازدادت الحاجة إليها في ظل الأزمات الخانقة التي تعيشها مناطق النظام.
عوائد مالية..
الخبير الاقتصادي، أدهم قضيماتي، قال في حديث لـ "راديو روزنة" أنه وبعد أن أصبحت معاناة النظام السوري كبيرة؛ جراء نقص العساكر والكوادر داخل قواته؛ مما اضطره إلى التفكير بحلول تخدمه على الصعيدين المالي والعسكري، وزيادة عدد الأفراد في قواته من السوق للخدمة الإلزامية.
وأضاف بالقول: "كان للمرسوم التشريعي رقم ٣٣ لعام ٢٠١٤ الذي أصدره النظام السوري، أطماع اقتصادية؛ منها زيادة مقدار العملة الصعبة (الدولار الأمريكي) و وضعها في الميزانية الهاوية التابعة للنظام؛ والتي تعاني من عجز كبير في تمويل نفقاتها؛ وتخفيف الضغط في هبوط العملة السورية والتي باتت أكبر هموم النظام، و أراد النظام أيضا من خلال هكذا مرسوم كسر الحصار المالي المفروض عليه من خلال إدخال العملة الصعبة من خارج سوريا؛ بحجة دفع البدل أو عن طريق السوق السوداء والتي بالنهاية ستصب في جيب النظام السوري".
قد يهمك: كيف غيّر عام 2018 من صورة المشهد السوري؟
مضيفاً: "وكذلك يريد تمويل حربه ضد شعبه من جيوب الشعب السوري؛ الذي بات يعاني أكثر من نصف سكانه من فقر مدقع، وأيضا زيادة دخل موظفي النظام العاملين في السلك العسكري؛ من خلال دفع الرشاوي والاتاوات التي سيدفعها الراغبين بدفع بدل الخدمة العسكرية لتسهيل تسيير أمورهم الإدارية؛ أي أنه سيصل مبلغ البدل إلى ما يقارب 10 آلاف دولار أميركي، منها 8 آلاف دولار للنظام بشكل رسمي، وأكثر من 1500 دولار، منها رشاوى للموظفين وخاصة الضباط العسكريين منهم، كون رشاوي صف الضباط قد انعدمت بعد نزول قوات النظام إلى الشوارع".
و أوردت صفحة "طرطوس مباشر" على "فيسبوك"؛ مطلع الأسبوع الجاري، قصصًا عن الاستدعاءات بشعب التجنيد، بقولها: "تم طلب احتياط لرجل يبلغ من العمر 52 سنة وتم سوقه من جسر القرداحة مفرق القبو"، وأضافت الصفحة: أنه "تم طلب من هم مستبعدون عن الخدمة في الجمارك والإطفاء، وخفير في اللاذقية وسائق يتفاجآن بوجود اسمَيْهما في طلبية احتياط".
ووصفت الصفحة حادثة حصلت مع عنصر جرى تسريحه مؤخرًا بـ"الجنون الأكبر" حينما "تفاجئ بوجود اسمه بطلبية الاحتياط، وهو يعمل على براءة الذمة، ويقول إن خدمته دامت 8 سنوات ليعاد طلبه مرة أخرى".
تقارير إعلامية محلية؛ نُشرت في الـ 24 من الشهر الجاري، كانت قد أشارت إلى أن وزارة الدفاع في حكومة النظام رفعت سقف أعمار المطلوبين لخدمة الاحتياط في صفوفها، ضمن قوائم جديدة تحمل نحو 900 ألف اسم، بما فيهم الأسماء المشطوبة بالعفو السابق منذ 3 أشهر.
و ذكرت التقارير ذاتها أن جميع أسماء الاحتياط التي شطبت بالعفو السابق، أعيد طلبها مجددًا، إلى جانب أسماء جديدة طلبت لأول مرة، مشيرة بأن قوائم الأسماء الجديدة المطلوبة لخدمة الاحتياط تحمل مواليد عام 1976 و1977 و1978 و1979.
بينما عممت إدارة التجنيد العامة إلى شعبها، أسماء الدفعة الأولى من الدعوات الاحتياط الجديدة بنحو 13 ألف اسم، من مواليد 1976 وحتى 1979، كما أن هناك قائمة جديدة أخرى تحمل 25 ألف اسم آخر من تلك المواليد؛ تم تعميمهم على شعب التجنيد بالدفعة الثانية خلال الأسبوع الفائت.
بينما عممت إدارة التجنيد العامة إلى شعبها، أسماء الدفعة الأولى من الدعوات الاحتياط الجديدة بنحو 13 ألف اسم، من مواليد 1976 وحتى 1979، كما أن هناك قائمة جديدة أخرى تحمل 25 ألف اسم آخر من تلك المواليد؛ تم تعميمهم على شعب التجنيد بالدفعة الثانية خلال الأسبوع الفائت.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أصدر مرسومًا تشريعيًا؛ مطلع تشرين الأول الماضي، يقضي بمنح عفو عام عن المنشقين عن جيشه والفارين من الخدمة الإلزامية والاحتياطية.
وجاء في نص المرسوم الذي نشرته وكالة الأنباء السورية "سانا"، أن العفو العام يشمل "كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي"، شرط أن يسلموا أنفسهم خلال مدة محددة.
الكلمات المفتاحية