في الوقت الذي تشهد فيه المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري؛ تردياً واضحاً في مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، تبرز حالة من الفلتان الأمني يزداد نطاقها ويرتفع مستواها في عدة محافظات سوريّة، حيث هزت عدة انفجارات مدينتي دمشق واللاذقية خلال الأيام القليلة الماضية.
وكان آخر الانفجارات التي لم يعلق النظام على جميعها؛ واكتفى بوصفها بالإرهابية؛ دون الكشف عن أي تفاصيل أخرى، حينما وقع انفجار في منطقة العدوي وسط دمشق، حيث تم زرع عبوة ناسفة بسيارة مركونة في تلك المنطقة، والذي تسبب بوقوع أضرار مادية، دون وقوع إصابات بين المواطنين.
وأكدت إذاعة "شام إف إم" المحلية، أن الانفجار ضرب نقطة عسكرية بالقرب من منطقة المتحلق الجنوبي، وقامت وحدات الهندسة بمعاينة موقع الانفجار، وجاء ذلك الانفجار بعد يومين فقط؛ من انفجار سيارة مفخخة من نوع سوزوكي في ساحة الحمام في اللاذقية؛ ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة أربعة أشخاص.
بينما وقع انفجار يوم الأحد الفائت قرب نقطة عسكرية تابعة للنظام السوري في المتحلق الجنوبي في العاصمة دمشق، بحسب ما أشارت وكالة "سانا"؛ مؤكدة وقوع إصابات جراء التفجير؛ دون تحديد الأسباب.
اقرأ أيضاً:هل يُسقِط مؤيدو النظام السوري حكومة خميس و رئيس مجلس الشعب؟
ومع سوء الأوضاع المعيشية للسوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام؛ من ناحية سوء توفير المواد الأساسية من تدفئة (غاز-مازوت) وارتفاع أسعار الأغذية فضلاً عن فقدان حليب الأطفال، وكذلك حالات الإذلال المتعمد للمواطنين في تأمين اسطوانات الغاز؛ في الوقت الذي يعانون منه كذلك وسط الأجواء الشتوية الباردة إلى غياب شبه دائم للكهرباء.
فقد ذهب مراقبون إلى احتمالية أن تكون الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري هي من تقف وراء هذه التفجيرات؛ سعياً منها لإسكات وتخويف الأصوات المرتفعة مؤخراً والمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، حيث اعتبر متابعون بأن التفجيرات في اللاذقية ودمشق اختبار مهم؛ لقدرة القبضة الأمنية على ضبط حالة السخط المنتشرة بين الناس؛ من خلال اخافتهم من فزاعة "الإرهاب".
بينما تذهب توقعات أخرى إلى توجيه أصابع الاتهام لإيران، التي يحتدم الصراع بينها وبين روسيا في الوقت الحالي ضمن سياق السيطرة على الأجهزة الأمنية ووزارة الدفاع في سوريا.
من يقف وراء الانفجارات..
الكاتب الصحافي إبراهيم العلبي؛ استبعد في حديث لـ "راديو روزنة" احتمال تواجد خلايا نائمة وحصول خرق أمني حقيقي في مناطق الانفجارات؛ وذلك عائد وفق رأيه إلى غياب مؤشرات فعلية لذلك.
كما رأى العلبي أن الانفجارات لا يمكن أن تكون ردة فعل ساخطة على الوضع المعيشي المتردي؛ معتبراً بأن أصوات مؤيدي النظام بالكاد بدأت تتحدث عن هذه الأوضاع و بسقف معروف من قبلهم سلفاً.
وأضاف: "على الرغم من أن نغمة السخرية من الحكومة والوزراء وتحميلهم المسؤولية تعد جديدة نوعاً ما، إلا أن سقفها لا يتجاوز ذلك؛ بل لعل تكريس هذا النوع من النقد كان مقصوداً وموجهاً".
قد يهمك:وفاة سبعة أطفال أشقاء نتيجة حريق في دمشق القديمة (بالفيديو)
ورأى العلبي خلال حديثه لـ "روزنة" أن الانفجارات الواقعة مؤخراً؛ مفتعلة، إلا أنه اعتبر أن هذا الافتعال قد لا يكون بالضرورة للحادث نفسه، بل توظيفه وتقديم رواية موجهة.
مشيراً في ذلك إلى ما حدث في تفجير دمشق، الذي تزامن مع القصف الإسرائيلي يوم الأحد الماضي، فذلك الانفجار قال عنه العلبي بأنه كان ناجماً عن أصوات الانفجارات الناجمة عن القصف الإسرائيلي؛ ولكن النظام حسب وصفه قام بتوظيف ذلك في تقديم روايته المعهودة عن تسلل إرهابيين.
وختم بالقول: "وهذا لا يمكن أن يفهم إلا في سياق رده على التذمر المتنامي في أوساط مؤيديه؛ إزاء الأوضاع المعيشية المتردية والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فهو بذلك يبتزهم بالأمن مقابل الصبر على هذه الأوضاع".
عمل استخباراتي مشترك..
من جانبه اعتبر الكاتب والباحث؛ د. علاء الدين آل رشي، في حديث لـ "راديو روزنة" أن الانفجارات الأخيرة حدثت بفعل مشترك تديره الاستخبارات الإيرانية والسورية لغاية تعميق القبضة الأمنية ومنح الشرعية لاستدامة مبررات الاعتقال التعسفي وهيمنة سيادة القتل؛ وكذلك صرف النظر عن الأوضاع المعيشية السيئة المتمثلة بغلاء الأسعار المتزايد وانتشار البطالة وفقدان الكهرباء ومصادر التدفئة ؛ فضلاً عن فقدان أولويات العيش والمواطنة؛ وفق تعبيره.
وأضاف بالقول: "النظام يحتضر ويعمل على محاولة إطالة عمره بخلق التوتر وما يعمقه، و العلاقة التوافقية بين الفوضى والتفجير وإعادة التمرير لمصالح النظام واطالة عمره باتت معروفة، فالسياسة المافيوية الأسدية تعتمد على سياسة الإلهاء وتركز على قاعدة اشغلهم بحادث ومرر الأحداث والقضايا الأهم، فكلما استعملت الدماء ساد الخوف وهيمن النظام وأعطى مبررا أكثر لتوحشه الذي بظنه يطيل عمره".
لافتاً بالإشارة إلى أن إيران قررت الإمساك بالملف الأمني الداخلي وهو ما يعمق نشرها "تغييرا طائفيا لوجه سوريا"، وهو وفق تعبيره ما لا تضعه روسيا في حسابها و لا تفكر فيه ولكنها تعارضه، وذلك لأنها تفكر بعقلية السياسة والمصالح وليس الأيديولوجيا والمذهب؛ على خلاف الرؤية الإيرانية.
الكلمات المفتاحية