يبدأ فريق التحقيق الخاص ببحث الانتهاكات المرتكبة جراء استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا؛ في شهر شباط المقبل، العمل ضمن صلاحيات جديدة منحه إياها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وستكون مسؤولية الفريق الجديد والمؤلف من عشرة أشخاص، تحديد الجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيميائي، بعد أن كان عمل الفريق السابق يقتصر فقط على إثبات أن هذا السلاح قد تم استخدامه أم لا في مناطق بسوريا.
وقال فرناندو أرياس المدير الجديد للمنظمة في تصريحات صحفية، شهر تشرين الثاني الماضي، أن الهدف من التفويض هو تحديد الجناة الذين ارتكبوا جرائم نُفذت بأسلحة كيماوية.
إلا أنه أشار أن المنظمة ليست محكمة وليست جهاز شرطة، إنما سيتم إحالة القضايا إلى منظمات الأمم المتحدة التي تملك سلطة معاقبة المسؤولين؛ وفق تعبيره.
وحصلت المنظمة على سلطات إضافية، لتحديد الأفراد والمؤسسات المسؤولة عن الهجمات، من الدول الأعضاء فيها وعددها 193، خلال جلسة خاصة في شهر حزيران، عارضها آنذاك النظام السوري وروسيا وإيران.
محكمة دولية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات؟
وفي حين تدور تساؤلات حول جدوى توسيع صلاحيات فريق التحقيق؛ وما قد ينتج عنه من آليات للمحاسبة وتوصيات موجبة وملزمة؛ لإنشاء محكمة دولية خاصة بمحاكمة المتهمين الذين سيوجه لهم فريق التحقيق الخاص الاتهام بالمسؤولية عن ارتكاب الانتهاكات.
أشار المحامي المختص في القانون الدولي؛ بسام طبلية في حديث لـ "راديو روزنة" أن هناك الكثير من الجرائم المثبتة التي اقترفها النظام سواء جرائم ضد الإنسانية؛ أو جرائم الحرب ولم يتم اخذها بعين الاعتبار.
معتبراً أن استخدام الأسلحة الكيميائية ليس الانتهاك الوحيد الذي اقترفه النظام السوري، وتساءل حول توقيت إعطاء الصلاحية للجنة التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من أجل تحديد المسؤولية عن الانتهاكات المرتكبة.
وأضاف بالقول: "نحن نعلم أن هناك صراع حقيقي موجود بين أميركا و روسيا، لذلك هي عملية سياسية من أجل الضغط على روسيا في هذا الصدد، إذ أن المجتمع الدولي لو أراد حقيقةً إدانة النظام لما اقترفه من جرائم لكان باستطاعته عمل ذلك".
لافتاً إلى إمكانية حصول تحرك دولي لمحاكمة النظام لاستخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أن اعتبر أن شيئاً من هذا لن يحصل في المرحلة الحالية، فالملف الكيميائي وفق رأيه هو ورقة يتم من خلالها الضغط على النظام في مرحلة لاحقة.
اقرأ أيضاً:تقارير أوروبية تكشف عن أطراف جديدة بتصدير مركبات كيميائية إلى سوريا
وعن احتمال تأسيس محكمة دولية خاصة بانتهاكات استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا؛ نوه طبلية إلى أنه وبعد تحديد من استخدم السلاح الكيميائي سوف يتم إدانته دوليا؛ وبالتالي سوف يتم تجريم الأسد وملاحقته دوليا، الأمر الذي يدفع لتشكيل محكمة دولية لهذا الغرض من أجل محاكمة من استخدم السلاح الكيميائي تجاه المدنيين في سوريا؛ حسب تعبير المحامي السوري.
وأضاف: "هذه المحكمة إن قُدّرَ لها أن تُشكّل؛ فسوف تكون بقرار دولي حول هذا الشأن ولا أعتقد أن يكون هناك موافقة عليها من النظام وروسيا، كما أنني لا اتصور انتصار المعارضة في ثورته لأن المجتمع الدولي لا يريد ذلك؛ فهم لا يريدون لا غالب ولا مغلوب، وبالتالي فلا أتوقع تشكيل هذه المحكمة التي يمكنها إدانة من استخدم السلاح الكيميائي".
من جانبه اعتبر مسؤول العلاقات الخارجية في مركز توثيق الإنتهاكات الكيميائية بسوريا؛ نضال شيخاني، أن توسيع صلاحيات لجنة التحقيق الخاصة بهذا الشأن؛ هو خطوة مفصلية ليس للملف السوري فحسب؛ وإنما للدول الأعضاء في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
ولم يعتقد شيخاني في حديثه لـ "روزنة" بأن تصمت أي دولة مُوقّعة على الاتفاقية عن إستعمال دولة أخرى للأسلحة الكيميائية، لافتاً بأن الصمت عن ذلك سيسمح لدول أخرى باستخدام هذه الأسلحة؛ دون الخوف من قرارات مجلس الأمن أو الالتزام بالاتفاقيات الدولية.
ونوه إلى إمكانية حصول تحرك دولي على مستوى إتهام من استخدم هذه الأسلحة؛ لأن إحالة هذا الملف حاليا للمحكمة الجنائية الدولية؛ وفق رأيه غير متاح لأن النظام السوري ليس عضواً ضمن إتفاقية محكمة الجنائية الدولية.
وأضاف متابعاً: "من الممكن أن نعمل على اللجوء إلى محاكم وطنية مختصة بالجرائم الدولية في دول أخرى؛ لمتابعة هذا الملف بعد الإنتهاء من التحقيقات التي ستجريها الآلية الدولية المختصة بتحديد المسؤولية في الشهر القادم".
وأشار شيخاني إلى حراك دولي خلال الفترات القادمة على مستوى محاكمة النظام السوري؛ إلا أنه لن يكون على المستوى الدولي؛ إلا في حال لجوء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالحصول على استثناء من مجلس الأمن لإحالة هذا الملف إلى الجنائية الدولية.
متابعاً: "الجنائية الدولية لديها آلية مختلفة في العمل على هذا النوع من الملفات؛ وإذا تم إحالتها للجنائية الدولية هناك آلية ستعمل على التحقيق القضائي، وسيكون هناك لجان مكلفة قضائيا ومن ثم محاسبة المدانين".
حماية روسيّة للنظام السوري..
وكان مندوب روسيا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية اعتبر أن بدء عمل المنظمة بآلية تحديد المسؤولية يهدف إلى إفشال عملية التسوية السياسية في سوريا وتغيير النظام فيها؛ وفق تصريحات صحفية يوم أمس.
وحول ذلك يُعلّق المحامي بسام طبلية؛ أن النظام قد يستطيع ومن خلال دعم روسي الالتفاف على أي محكمة دولية، مُذكّراً إلى الصفقة التي تمت بين روسيا والولايات المتحدة في آب 2013؛ بعدما استخدم النظام الكيميائي في ريف دمشق وراح ضحيتها 1420 شخص آنذاك.
وتابع: "تم حينها الوصول إلى صفقة يتم من خلالها تسليم النظام للسلاح الكيميائي، وعلى ضوء ذلك لا أستبعد بأن يكون هناك صفقة أخرى يتم فيها تهريب الأسد وعدم معاقبته"،
معتبراً بأنه في حال تمت محاكمة الأسد جراء استخدام الأسلحة الكيميائية؛ فإن ذلك يوحي بأن من يستظل بحماية روسيا لن يشعر بالأمان، وهذا الأمر مهم لروسيا وتهتم لمراعاته، الأمر الذي يدفع روسيا إلى أن تقوم بحماية النظام وأعوانه؛ من خلال تأمين مكان آمن لهم يبعدهم عن المحاكمة؛ وفق حديث طبلية لـ "روزنة".
قد يهمك:كيف غيّر عام 2018 من صورة المشهد السوري؟
وطرحت روسيا في أيلول 2013؛ مبادرة إتلاف الأسلحة الكيمياوية السورية بعد أن هددت واشنطن باستخدام القوة بشكل مستقل عن الأمم المتحدة ردا على ذلك الهجوم الكيميائي الذي استهدف ريف دمشق الشرقي.
بينما أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أبلغ مجلس الأمن الدولي في مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، باستمرار وجود "مسائل عالقةط بشأن برنامج النظام السوري للأسلحة الكيماوية.
وقال غوتيريش، إن الإعلان الذي قدمه النظام حول التخلص من الأسلحة الكيماوية "لا يمكن اعتباره دقيقاً وكاملاً”، موضحاً بأن "أي استخدام محتمل آخر للأسلحة الكيماوية في سوريا، سيكون غير مقبول تماماً"، وأضاف أنه من الضروري "ألا يسمح المجتمع الدولي بالإفلات من العقاب على تلك الأفعال".
و رأى نضال شيخاني في حديثه لـ "روزنة" أن من الطبيعي أن تسعى روسيا لحماية النظام السوري من أي محاكمة أو معاقبة نتيجة استخدامه للأسلحة الكيميائية، فيما أعتقد في الوقت ذاته بأن الدعم الروسي لن يسمح للنظام باستخدام الأسلحة الكيمائية مجددا، بعد اتساع الإنذار الدولي على القضية السورية؛ خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية.
مشيراً إلى إجراءات مهمة يتم العمل عليها على الصعيد الدولي؛ حيث أضاف حول ذلك بالقول: "هناك آليات شكلت مؤخرا بقرارات من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهذه الآليات تعمل على إحصاء وجمع الجرائم الدولية؛ وتقديمها إلى مدعين عامين في محاكم لديهم السلطة لاستدعاء ومحاكمة مجرمي الحرب على المستوى الدولي".
ونوه شيخاني خلال حديثه لـ "روزنة" إلى جهود المركز في هذا الشأن بالقول: "نحن في المركز شريك بالعمل مع الآلية الدولية القضائية المستقلة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في كافة التحقيقات التي أجريت منذ العام 2013 وحتى هذا اليوم".
متابعاً: "ونؤكد بأننا حصرنا ما يقارب الـ 20 ألف ملف يكشف عملية استخدام الأسلحة الكيميائية على مدار 6 سنوات؛ وأغلب هذه الأدلة تم تسليمها للفرق الدولية المعنية بالتفتيش والتحقيق المكلفة من مجلس الأمن، وما زلنا نعمل على إجراء تحقيقات أخرى على ضربات كيمائية في مناطق لم تستطع الوصول إليها تلك الفرق، لإدراجها ضمن سجل جرائم وانتهاكات استخدام الأسلحة الكيمائية في سوريا".
المحاكمة بارتكاب جرائم حرب..
ومنذ قمع الاحتجاجات الذي اندلعت في سوريا منذ آذار 2011، وما تلى ذلك من سقوط مئات الآلاف من الضحايا؛ فضلا عن تعذيب المعتقلين وموتهم تحت التعذيب؛ توالت المطالبات الدولية والأممية باتهام النظام السوري بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما سعت منظمات حقوقية سورية وأوروبية لإدانة رئيس النظام السوري بالمسؤولية الرئيسية والمباشرة عن اقتراف كل تلك الانتهاكات؛ فضلا عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا لمرات متعددة في مناطق مختلفة من البلاد؛ كان أكثرها فتكاً في الغوطة الشرقية في شهر آب 2013.
اقرأ أيضاً:مسؤولون في "الملف الكيماوي" للنظام السوري يُقتَلون في ظروف غامضة!
وعلى إثر المطالبات المستمرة بالإدانة حول ارتكاب جرائم حرب ومسؤولية الأسد عنها؛ مما قد يودي بـ رئيس النظام السوري لمواجهة مصير مشابه لما كان قد واجهه الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، والذي قاد حملات تطهير عرقي واسعة في دول البلقان، انتهت بالإطاحة به وتسلميه إلى المحكمة الخاصة بجرائم الحرب.
ففي خضم قصف الناتو ليوغوسلافيا في عام 1999، تم اتهام ميلوشيفيتش من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بجرائم حرب من بينها الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية فيما يتعلق بالحروب في البوسنة وكرواتيا و كوسوفو.
استقال ميلوشيفيتش من رئاسة يوغوسلافيا في أيلول 2000 وسط مظاهرات أعقبت الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، وألقت السلطات الاتحادية اليوغوسلافية القبض عليه في 31 آذار 2001 للاشتباه في فساده وإساءة استخدام السلطة والاختلاس.
وقد تعثر التحقيق الأولي بسبب عدم وجود أدلة، مما دفع رئيس الوزراء الصربي آنذاك إلى تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ليحاكم بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وفي بداية المحاكمة، أدان ميلوشيفيتش المحكمة بأنها غير قانونية لأنها لم تنشأ بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ولذلك رفض تعيين محام للدفاع عنه أدار ميلوشيفيتش دفاعه الخاص في المحاكمة التي استمرت خمس سنوات والتي انتهت دون حكم عندما توفي في زنزانته في لاهاي في 11 آذار 2006، حيث كان ميلوشيفيتش يعاني من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، وتوفي بسبب نوبة قلبية.
الكلمات المفتاحية