هل باتت هيئة تحرير الشام تتحكم بمصير إدلب وشرق الفرات؟

هل باتت هيئة تحرير الشام تتحكم بمصير إدلب وشرق الفرات؟
الأخبار العاجلة | 09 يناير 2019

بعدما سيطر تنظيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً ) على معظم ريف حلب الغربي وذلك بعد المعارك العنيفة التي هاجم فيها مسلحي "الهيئة" مواقعاً لحركة نور الدين الزنكي (أحد تشكيلات الجبهة الوطنية للتحرير).

مما يشير إلى أن هذا القتال لم يأتي كردة فعل على مقتل أربعة من مسلحي الهيئة على أيدي مقاتلي حركة نور الدين الزنكي في دارة عزة، بل يشي بأنه كان عملاً استباقياً مدروساً؛ بسبب كثافة التصعيد العسكري الذي قامت به "الهيئة" وسعيها نقل المعارك إلى مواقع تابعة للجبهة الوطنية للتحرير.

هذه التطورات تهدد اتفاق سوتشي حول إدلب، وهو اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي شهدته محافظة إدلب، منذ أربعة أشهر، إثر خرقاً دائم من قبل قوات النظام لمناطق الاتفاق (أرياف حلب وإدلب وحماة)، وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق جنّب آخر معاقل المعارضة من هجوم عسكري واسع  كان النظام السوري ينوي القيام به.

إلا أن الاقتتال الدائر بين هيئة تحرير الشام و الجبهة الوطنية للتحرير؛ من شأنه أن يهدد بإنهاء اتفاق سوتشي حول إدلب الذي توصلت إليه روسيا، حليفة دمشق، وتركيا، التي تدعم مقاتلي المعارضة (في أيلول 2018)، خاصة وأن أنقرة لم تنجح بابعاد المقاتلين عن المنطقة الفاصلة بعمق 15 إلى 20 كم عن خطوط التماس إثر رفض مسلحي هيئة تحرير الشام وحليفها الحزب التركستاني المغادرة.

وكذلك لم تتمكن تركيا من تنفيذ تعهده بفتح الطريقين الحيويين " إم 4 " من اللاذقية إلى حلب، و "إم 5" من حماة إلى حلب عبر سراقب شرقي إدلب، وينص اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا على إقامة منطقة منزوعة السلاحِ الثقيل وتسيير دوريات مشتركة بين الطرفين، وفتح الطرق الدولية حلب دمشق؛ وحلب اللاذقية، ومحاربة الفصائل المتشددة.

اقرأ أيضاً:ما علاقة إيران بهجوم تحرير الشام على الجبهة الوطنية للتحرير؟

بينما يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان انسحاب القوات الأميركية (منتصف الشهر الفائت)، الذي أعلنته واشنطن الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في إطار محاربة تنظيم داعش بسوريا (وتحديداً شمال شرق البلاد).

ولا يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته في أن تتولى واشنطن تسليمه مهمة إدارة المناطق السورية الواقعة تحت نفوذ القوات الكردية في شرق الفرات التي تشكل العمود الفقري لـ "قسد".

وقال الرئيس التركي، في مقال بصحيفة نيويورك تايمز نشر الإثنين، إن التخطيط للانسحاب الأميركي من سوريا يجب أن يتم بعناية ومع الشركاء المناسبين، وإن تركيا هي البلد الوحيد الذي يملك "القوة والالتزام لأداء هذه المهمة".

وعرض أردوغان إقامة "قوة استقرار تضم محاربين من كافة أطياف المجتمع السوري"، على أن يجمع الكيان الجديد "بين كافة الأطياف"، ويمكنه "تحقيق الأمن والنظام" بعد التخلص من مقاتلي "قسد" والمجموعات التي تصنفها أنقرة "إرهابية".
 
هل يتوسع النفوذ التركي في سوريا؟

الكاتب والباحث السياسي السوري؛ فراس فحام قال في حديث لـ "راديو روزنة" أن تصريحات الرئيس التركي يمكن فهمها بسياق تقديم تركيا نفسها كبديل للقوات الأمريكية قادر على إنهاء وجود داعش؛ وإحلال الاستقرار في مناطق شرق الفرات عن طريق المجالس المحلية، وهي تأتي بالتزامن مع زيارة مستشار ترامب "جون بولتون" إلى أنقرة؛ كنوع من رسائل واضحة تحدد السقف التركي في عملية التفاوض.

معتبراً في الوقت ذاته أن حل وحدات الحماية الكردية ليس بيد روسيا، وبأنه ومع استمرار تواجد القوات الأميركية في المنطقة، فإن الوحدات الكردية لن تغامر بعقد صفقة مع النظام أو روسيا؛ تدفعها لخسارة مكاسبها التي حققتها عن طريق إقامة الإدارة الذاتية.

واعتقد فحام خلال حديثه لـ "روزنة"  أن تركيا متضررة من تقدم هيئة تحرير الشام في إدلب، لأن التقدم حسب رأيه حصل على حساب فصيل مدعوم من أنقرة (وهو الجبهة الوطنية للتحرير)، كما أن تقدم "الهيئة" حسب فحام سيضعف الموقف السياسي التركي في مساري سوتشي وآستانا، على اعتبار أن ما حصل هو تمدد لفصيل مصنف إرهابياً بشكل دولي.

وأضاف بالقول: "مستقبل شرق الفرات مرتبط بأميركا طالما أنها موجودة فيه، وبالتالي حالياً فالموقف الروسي يأتي من حيث الأهمية بالنسبة لتركيا بعد الموقف الأميركي، وعلى العكس من ذلك فإن استمرار تواجد القوات الأميركية شرق الفرات سيسهم في المزيد من التهدئة بين تركيا وروسيا، وبالتالي قبول موسكو باستمرار اتفاقية سوتشي على شكلها الحالي".

قد يهمك: قوات النظام في معركة جديدة بشرق الفرات!

من جانبه رأى الباحث السوري في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات؛ حمزة المصطفى، أن تركيا ومن خلال تفاهماتها العسكرية والسياسية مع روسيا منذ عام 2016، سمحت لها بهامش حرية مقبول عسكريا داخل سوريا، وأضاف: "وعلى هذا الأساس بدأت العمليات في الراعي ومن ثم الباب وانتهت بعفرين".

في المقابل اعتبر المصطفى خلال حديثه لـ "روزنة" أنه وعلى الرغم من وجود اتفاق سابق بين إدارة أوباما وتركيا على انسحاب الوحدات الكردية من منبج بعد تحريرها من داعش.

إلا أن هذا الاتفاق لم يتحقق بعد عامين ونصف عليه، و في ضوء ذلك ولكون استراتيجية ترامب في سوريا التي لم تختلف جذريا عن سلفه أوباما، فإن تركيا وفق رأي المصطفى لاسيما بعد مسار آستانا واتفاق سوتشي حول إدلب؛ لجأت إلى إنضاج تفاهمات مع روسيا تسمح له بحرية أكبر عسكريا.

ويستطرد المصطفى بالقول: "وفي ضوء ذلك؛ أعلن أردوغان قبل شهر تقريبا عن عملية عسكريّة في شرق الفرات، والحقيقة أن هذه العملية وفق الفهم التركي لها الآن؛ هي عملية آنية قد تشمل بعض المناطق الحدودية ولاسيما تل أبيض".

ولفت الباحث السوري إلى أن أنقرة لاحظت وجود تباينات داخل إدارة ترامب تجاه مستقبل شرق الفرات؛ مع ميل واضح لدى الرئيس الذي هو مركز صنع القرار في السياسة الأميركية إلى الانسحاب.

ما احتمالات تطورات الوضع في المنطقة..

الكاتب والباحث السياسي؛ فراس فحام اعتبر أن المشهد حاليا معقد للغاية؛ من حيث أن  القرار الأميركي الخاص بالانسحاب من سوريا لا يزال ضبابياً، فضلاً عن الأحاديث حول إبطاء الانسحاب.

وتابع: "مؤخراً أشار "بولتون" مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض؛ أنهم لن يخرجوا من قاعدة التنف، وبالتالي علينا الانتظار لنرى مدى الجدية الأمريكية بالانسحاب؛ وبناء عليه يمكن أن يحدد مصير المنطقة".

أما فيما يخص اتفاق سوتشي حول إدلب فاعتبر فحام خلال حديثه لـ "روزنة" أن تمدد هيئة تحرير الشام يمكن أن يؤثر على استمراره؛ إلا إذا أبدت الأخيرة مرونة شديدة واستجابت لبند فتح الطرقات الدولية التي تمر في إدلب وغرب حلب، وبالتالي قد تستمر حالة الهدوء على المدى القريب والمتوسط؛ حسب وصف فحام.

اقرأ أيضاً: قوات روسيّة "خاصة" تستعد لملء فراغ الانسحاب الأميركي من سوريا!

فيما اعتبر الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات؛ حمزة المصطفى، أن أنقرة يمكن أن تقوم بمخاطرة أكبر في المنطقة تحت مسميات الأمن القومي التركي، ولا يعتقد المصطفى خلال حديثه لـ" روزنة" أن تكون روسيا غير معنية بإنتاج مساومات مع تركيا حول منطقة شرق الفرات؛ حسب وجهة نظره.

بل على العكس فقد رأى أن لروسيا مصلحة حقيقة بأن تزعج تركيا؛ الاستراتيجية الأميركية في تلك المنطقة لكونه قد يفيدها في جعلها اللاعب الأكثر تأثيرا في سوريا.

وختم حديثه بالقول: "في ضوء ذلك، اتفاق سوتشي سوف يستمر، واعتقد أن هيئة تحرير الشام رصدت الانشغال التركي بمناطق شرق الفرات؛ وغياب استراتيجية تركية واضحة بشأن إدلب للقضاء على خصومها والتفرد بـ "حُكم إدلب"؛ لأن قناعتها أن ذلك لن يغير شيء حاليا".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق