انهارت "حركة نور الدين الزنكي" على وقع ضربات "هيئة تحرير الشام"، وتخلّت عن مواقعها غرب حلب التي كانت تُعرف باسم "ريف الزنكي" الممتدة على مسافة نحو 25 كيلو متر، بدءًا من مدينة دارة عزة إلى أطراف الأحياء الغربية لمدينة حلب، واضطر قادتها والعشرات من مقاتليها للانسحاب إلى منطقة عفرين.
الانهيار المفاجئ للحركة، وتخليها عن مواقعها التي تسيطر عليها منذ بداية عام 2012 وحتى مطلع العام الجديد، أثار أكثر من علامة استفهام حول الأسباب، خاصة وأنّ الحركة تعرضت قبل عدة أشهر لهجوم مماثل من "الهيئة" وخرجت منتصرة منه، وذهبت أبعد من ذلك من خلال سيطرتها على مدينة دارة عزة، وطردت الأخيرة منها.
"روزنة" تواصلت مع عدد من قادة الحركة، للوقوف على أسباب الانهيار المفاجئ للحركة وتخليها عن مناطق نفوذها، وتركها ترسانة كبيرة من الأسلحة الثقيلة والذخائر.
قادة الحركة، الذين فضلّوا عدم نشر أسمائهم، أجمعوا على أنّ السبب الرئيس للانهيار يعود إلى عدم وجود مؤازرات حقيقة من قبل "الجيش الوطني" المدعوم من قبل تركيا، والذي يتخذ من شمال حلب مقرًا له، وكذلك "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تنضوّي الحركة تحت رايتها.
وقال قيادي بارز في الحركة لـ "روزنة": إنّ "الجبهة الوطنية التي تنضوي الحركة ضمنها، ساندت (الزنكي) اعلاميا فقط، باستثناء فصلي (الأحرار) و(صقور الشام) الّذين شاركوا بإمكانياتها المحدودة، وتقدموا عبر ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، وسيطروا على مساحات واسعة من تلك المنطقة"، لكن دعم الفصيلين، بحسب القيادي، لم يغير من واقع الأمر شيئًا على الأرض.
وعزا الأسباب إلى "دفع (الجولاني)-في إشارة إلى القائد العام لهيئة تحرير الشام- بكافة الإمكانيات والحشود، ونخبة من مقاتليه إلى جبهات ريف حلب للسيطرة عليها"، لافتًا إلى أنّ "قرار القضاء على الحركة هو قرار إقليمي، كي يتفرّد (الجولاني) بالشمال، ويجبر الدول الفاعلة في الملف السوري على التفاوض والحوار معه".
لكن القيادي جدد تأكيده أنّ "الحشود الوهمية لفصائل الجيش الحر، وخداع مقاتلي الحركة، هو ما أثر على معنويات مقاتلي الحركة وأدى لانهيارها"، وأنّ "(الهيئة) خسرت المئات من مقاتليها خلال المعركة التي امتدت على مدار بضعة أيام، وبالأخص في محوري دارة عزة وجبل الشيخ بركات".
اقرأ أيضاً: ما علاقة إيران بهجوم تحرير الشام على الجبهة الوطنية للتحرير؟
وتابع: "نحن نخسر ابنائنا وفقدان كل شخص لدينا يشكل فراغ في الحركة وفي نسيجها الاجتماعي، أما عناصر (الهيئة) فهم مقاتلون (تحت الطلب)، و (مقتلعين) من محيطهم الاجتماعي والأسري ولا أحد يدري بموتهم في المعارك، إلا بعد شهور، حالهم في ذلك حال معظم التنظيمات المتطرفة".
وكشف القيادي عن "خضوع مقاتلي (الهيئة)، الذين هاجموا معاقل الزنكي، لدورات شرعية في تكفير الحركة وقياداتها، وتسويقها أمامهم على أنّهم مرتدون، يجب اقتلاعهم".
رغم الأسباب التي ساقتها الحركة، إلا أنّ مصادر "روزنة"، قالت إنّ "من أسباب انهيار الحركة عسكريًا، هو نجاح (الهيئة) في شراء ذمم وولاءات بعض أبناء المنطقة الخاضعة لسيطرة (الزنكي) والعشائر المتواجدة فيها، وهو ما تجلى في الإعلانات المتتالية للمجالس المحلية فيها التي أعلنت فيها حيادها عن المعارك وعدم انخراطها في القتال كـ (تقاد) و(الهوتة) وغيرها".
الأمر الذي نفاه القيادي في الحركة، جملةً وتفصيلا، مؤكدًا أنّ "أسباب السقوط تتلخص في الفرق الكبير بموازين السلاح والعتاد بين الجانبين، فضلًا عن العقيدة القتالية لعناصر (الهيئة) التي تبرر القتل، والتي هي غير موجودة لدى عناصر (الزنكي)”. بحسب رأي القيادي
واعتبر القيادي أنّ "انهيار الحركة سابقة خطيرة في الثورة السورية، فهي ليست قوة عسكرية تسيطر على الأرض فحسب، إنما هي سكان ريف حلب الغربي، الذين تم تهجيرهم من المنطقة.. معظم منازل قرى وبلدات الريف الغربي الآن فارغة من أهلها"، وشبه القيادي عمليات التهجير التي تقوم بها (الهيئة) غرب بعمليات التهجير التي قام بها النظام في مختلف المناطق السورية.
وختم القيادي حديثه لـ "روزنة" بالقول: "نملك مقومات الاستمرار في منطقة عفرين، ومنها سنعود محررين لأرضنا من عصابات (الجولاني)".
واستطاعت (الهيئة) السيطرة على مدينة دارة عزة مطلع العام الجديد، بعد معارك دامت ليومين، ومن ثم سيطرت على قمة جبل الشيخ سليمان، ومن بعدها قضمت مناطق نفوذ (الزنكي) سواءً حربًا أو سلمًا، إلى أن استطاعت محاصرة قيادة وعناصر الحركة في بلدة "قبتان الجبل" المعقل الأخير للحركة، وأجبرت توفيق شهاب الدين ومن معه من قادة الحركة في الثاني من الشّهر الجاري على الاستسلام والخروج إلى منطقة عفرين عبر طريق ترابي في "الغزاوية" بالسلاح الخفيف فقط.
الأهمية الاستراتيجية لما كان يُعرف بـ "ريف الزنكي"
تعتبر المنطقة التي خسرتها الزنكي، صلة الوصل الأقرب بين مناطق سيطرة المعارضة غرب حلب، ومناطق سيطرة النظام في حلب المدينة، إذ يوجد معبر للقوافل التجارية بين المنطقتين في بلدة المنصورة، كما يوجد خط جبهة يضم (المنصورة، الراشدين، البحوث العلمية، خان العسل)، إضافة لكون المنطقة تحتوي على نحو مئتي مصنع لتصنيع مختلف المنتجات والتي من أهما الأدوية الطبية.
وتعتبر مدينة دارة عزة التي خضعت قبل نحو عام للحركة عقدة مواصلات رئيسية ما بين منطقة عفرين وريفي حلب الغربي والشمالي إضافة إلى محافظة إدلب، وتعتبر منفذًا تجاريًا مهمًا للبضائع القادمة، وبالأخص "المحروقات" من المحافظات الشرقية (دير الزور، الرقة) إلى مناطق المعارضة، ومناطق النظام عبر معبر المنصورة.
تاريخ الحركة
أعلن عن تشكيل الحركة في تشرين الثاني 2011 في بلدة قبتان الجبل، بقيادة توفيق شهاب الدين، ثم انضمت إلى لواء التوحيد في تموز 2012 وانسحبت منه في نهاية العام ، ومن ثم انضمت لفترة وجيزة إلى تجمع "فاستقم كما أمرت" في حزيران 2013 ، وشكلت في مطلع عام 2014 إلى جانب عدد من الفصائل جيش المجاهدين من أجل مواجهة خطر تنظيم داعش ونجحت في طرده من المنطقة.
انضمت الحركة إلى الجبهة الشامية في 27 كانون الثاني من عام 2014 وبقيت حتى حل التشكيل، ثم انضمت إلى فتح الشام في 28 كانون الثاني 2017 فيما يعرف حاليًا بـ "هيئة تحرير الشام"، وانشقت الحركة عنها في تموز 2017، وأعلنت عن تشكيل "جبهة تحرير سوريا" إلى جانب حركة أحرار الشام في شباط 2018، ثم التحقت بالجبهة الوطنية للتحرير في آب 2018.
عرف توفيق شهاب الدين قائد الحركة بأسلوبه البراغماتي شديدة حيث أعلن استقالته من قيادة الحركة في أيار 2015، وخلفه في القيادة التي سميت بـ "الشكلية" علي سعيدو ومن ثم النقيب سعيد المصري، ثم عاد شهاب الدين إلى واجهة الحركة في عام 2016.
الكلمات المفتاحية