سعى النظام السوري خلال عام 2018 إلى اتخاذ خطوات تساعده في تدارك فجوات تدهور الاقتصاد الذي بات يشكل ضرورة ملحة في استعادة تعافي المؤسسات التي يديرها.
وتعتبر إعادة فتح معبر "نصيب" الحدودي بين سوريا والأردن، خطوة منقذة للعملية الاقتصادية للنظام؛ بعد سنوات أنهكت الاقتصاد السوري، وكانت قوات النظام استعادت في تموز الماضي السيطرة على معبر "نصيب" وكامل الحدود الأردنية بعد عملية عسكرية تبعها اتفاقات تسوية مع الفصائل المعارضة في محافظة درعا.
وفي 15 تشرين الأول، تمّ افتتاح المعبر من الجهتين السورية والأردنية في خطوة طال انتظارها عند النظام، خصوصاً بعد اضطراره خلال السنوات الماضية للجوء إلى الطريق البحرية الأطول والأكثر كلفة.
الباحث الاقتصادي والمستشار المالي؛ يونس الكريم، اعتبر في حديثه لـ "راديو روزنة" أن خطوة إعادة فتح المعابر الحدودية للنظام تشكل له أهمية كبرى؛ تتمثل في عدة أهداف رئيسية.
ويأتي في مقدمة هذه الأهداف إثبات فرض النظام سيطرته على الواقع السوري وعلى الحياة السياسية والاقتصادية فيها؛ مما يشكل علامة من علامات انتصاره وإعادة سيطرته على كل سوريا، وكذلك تأتي الأهمية من كون المعابر هي بوابة من بوابات التعامل ضمن إطار الاقتصاد الخارجي، وذلك يتأثر مع الارتفاع الكبير لتكاليف الاستيراد على النظام.
قد يهمك:صراع بين مجلس الشعب و المصرف المركزي.. ما هي الأسباب؟
ووفق رأي الباحث الاقتصادي فإن انخفاض تكاليف الاستيراد سيؤدي إلى تخفيض تكاليف المعيشة؛ وبالتالي يعطي انطباع لديه مؤيديه بأن الواقع المعيشي أصبح أفضل، الأمر الذي يخفف من التذمر الذي بدأ يظهر في الحاضنة الشعبية للنظام.
فضلا عن أهمية إعادة السيطرة على المعابر والتي ستشكل طريقاً لتصدير السلع؛ مما يساعد في عملية جذب المستثمرين للعودة إلى سوريا؛ وجذب الاستثمارات الخارجية.
ويشير الكريم في حديثه إلى أن إعادة فتح معبر نصيب؛ جاء كأداة مهمة لتفعيل التواصل الاقتصادي مع دول الخليج وتصدير السلع إلى الأردن والاستفادة من فرق العملة؛ فضلاً عن الاستفادة من تنشيط تجارة الترانزيت بين لبنان و الأردن، بالإضافة إلى أهميته المؤثرة في التعويم السياسي للنظام.
احتمالات سيطرة النظام على المعابر مع تركيا
يبلغ طول الحدود السورية التركية المشتركة حوالي 800 كيلومترًا، وترتبط سوريا جغرافياً بتركيا في العديد من المعابر الحدودية التي تصل بين البلدين؛ ابتداءً من معبر كسب (اللاذقية)، باب الهوى (إدلب)، باب السلامة (حلب)، جرابلس، مرشد بينار (غير رسمي ومغلق من جهة تركيا)، تل أبيض، الدرباسية، وانتهاءً بمعبر نصيبين في القامشلي.
وتقع المعابر الثلاثة الأخيرة تحت سيطرة قوات "سوريا الديمقراطية"؛ التي تتهمها أنقرة بأنها امتدادٌ لحزب العمال الكردستاني المصنف "إرهابيًا" في تركيا، بينما تغلق تركيا معبر كسب بشكل نهائي؛ بعد أن استعاد النظام السوري بلدة كسب، والتي كان يسيطر عليها مقاتلو المعارضة منتصف آذار من العام 2014.
فيما تقع معابر (باب الهوى، باب السلامة، جرابلس) في مناطق سيطرة المعارضة السورية؛ وهي تعمل بشكل مستمر بين الجانبين.
وعلى الرغم من استحالة عودة سيطرة النظام السوري على تلك المعابر في الوقت الحالي؛ لاعتبارات تتعلق بسيطرة المعارضة عليها؛ وكذلك لوجود حالة العداء بين أنقرة ودمشق؛ إلا أن حالة التقارب الروسي-التركي قد تمهد لفتح تعاون لاحق بخصوص المعابر الحدودية وعودة جزئية لتعاون اقتصادي محتمل في المرحلة القادمة.
اقرأ أيضاً:ما هي أبرز ملامح السياسة الاقتصادية للنظام السوري خلال عام 2018؟
مصادر تركيّة أشارت لـ "راديو روزنة" أن هناك نية مبيتة لدى دوائر صنع القرار في تركيا منذ العام الماضي؛ لتأسيس لجنة في البرلمان التركي مهمتها تحسين العلاقة مع دمشق؛ إلا أن هذا التوجه لم يبت القرار فيه حتى الآن لاعتبارات سياسية قد تزول تدريجياً خلال الفترة المقبلة.
الباحث الاقتصادي يونس الكريم اعتبر أن تركيا ستكون بحاجة للمشاركة بإعادة الإعمار في سوريا من أجل امتصاص التضخم الحاصل في شركاتها؛ فضلا عن حاجتها للتعاون مع النظام كونه أصبح القوة المسيطرة على معظم سوريا؛ وفق رأيه، مما يساهم في حل مشكلة اللاجئين السوريين بتركيا.
ولفت الكريم إلى حاجة تركيا في استخدام السوق السورية لتصدير بضائعها؛ لكون سوريا تعتبر سوق بيضاء (بمعنى أنها سوق لا تمتلك أي مقومات اقتصادية كدولة)، لذلك فإن التصدير من خلال سوريا يفتح لتركياً سوقاً مهماً.
مضيفاً: "تركيا بحاجة للوصول إلى الأسواق العربية من خلال الطريق البري في سوريا ذو التكاليف المنخفضة، والذي يتميز عن العراق باعتبار أن الطرق العراقية خطيرة جداً"، ورأى الباحث الاقتصادي السوري أن تركيا ستنتظر عام 2019 من أجل حلحلة المشاكل العالقة حول سوريا وانتظار التعويم السياسي للنظام من قبل الأمم المتحدة والدول العربية.
معتبراً أن تركيا لن تكون عكس التيار حيال توجهات المجتمع الدولي في حالة الانفتاح على النظام السوري، إنما بالمقابل ستحاول أنقرة خلال المرحلة القادمة على تأمين ضمانات عودة اللاجئين في تركيا إلى مدنهم وقراهم؛ مع شروط إعادة إعمار تلك المدن.
وعلى صعيد رؤية النظام الاقتصادية لاعادة سيطرته على المعابر الحدودية معة تركيا؛ أوضح الكريم بأن تلك المعابر تعتبر بوابة سوريا إلى أوروبا؛ كما أن النظام سيستفيد من الاقتصاد التركي القوي؛ فضلا عن استفادته من وصول المنتجات الروسية بتكاليف أقل؛ من خلال الشحن البري.
وتابع بالقول: "الاستيراد من تركيا سيكون مناسب للنظام، لأن الاقتصاد التركي منخفض التكاليف ومتنوع بالمقارنة مع أوروبا، ليسد ذلك احتياجات النظام من السلع ذات القيمة المنخفضة بسبب انخفاض تكاليف الشحن والنقل".
قد يهمك:النظام يسعى لتحويل دمشق إلى "دبي جديدة" من خلال غسيل الأموال
وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أعلن منتصف الشهر الجاري عن استعداد بلاده للنظر في العمل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، إذا فاز في انتخابات ديمقراطية.
وقال تشاووش أوغلو، في تصريحات نقلها موقع شبكة "بي بي سي" البريطانية خلال حضوره منتدى الدوحة، "في حال جرت انتخابات ديمقراطية ونزيهة في سوريا وفاز بها بشار الأسد، فإنه قد يكون على الجميع النظر في العمل معه".
مساع عراقية لعودة فتح معابرها
وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري؛ كان قد بحث في شهر تشرين الأول الماضي مع نظيره السوري وليد المعلم إعادة فتح المعابر الحدودية بين البلدين، وذكرت وزارة خارجية النظام السوري في بيان لها آنذاك، أن الجعفري والمعلم أكدا ضرورة الإسراع في إعادة فتح المعابر الحدودية المشتركة.
وأشار الوزيران إلى أن هذا الأمر سينعكس إيجابا على حركة تبادل البضائع وانتقال الأشخاص، فيما لم يحدد البيان موعدا لاتخاذ خطوة إعادة فتح المعابر المغلقة بين الجانبين منذ سنوات.
ويرتبط البلدان بحدود مشتركة طولها 600 كيلومتر وفيها ثلاثة معابر حدودية، هي: "القائم" من جهة العراق ("البوكمال" من الجانب السوري ويسيطر عليه النظام)، و"ربيعة" ("اليعربية" يخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية) ، و"الوليد" ("التنف" تسيطر عليه قوات من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش).
وحول ذلك اعتبر الكريم أن المعابر المشتركة مع العراق مهمة للنظام من أجل سد احتياجاته من النفط والغاز وكذلك انتقال البضائع والسلع بالاتجاهين، مؤكداً أن العراق بحاجة ماسة لمعظم السلع التي ينتجها النظام؛ الأمر الذي سيشكل إعادة التوازن للاقتصاد السوري.
الكلمات المفتاحية