ما بين جنيف و أستانا.. إلى أين وصل قطار الحل السوري؟

ما بين جنيف و أستانا.. إلى أين وصل قطار الحل السوري؟
سياسي | 28 ديسمبر 2018

أحدث مسار أستانا خلال ثلاث جولات منه عقدت خلال العام 2018؛ محطات بارزة على صعيد الملف السوري، تجلى أولها في تغييرات ميدانية على الأرض السورية عبر مناطق خفض التصعيد، فضلا عن نشاط سياسي أفضت إليه أروقة أستانا أظهرت جهوداً عديدة في تشكيل لجنة خاصة لصياغة دستور جديد في سوريا.

إلا أن تلك الجهود والتحركات الكثيفة التي سعت لتشكيل اللجنة الدستورية باءت بالفشل، وأعلنت الأمم المتحدة لاحقاً عبر المبعوث الدولي إلى سوريا ترحيل ملف اللجنة إلى العام المقبل؛ بعد خلافات وعراقيل حالت دون التوافق المفضي لأن ترى لجنة الدستور السوري النور ما قبل نهاية هذا العام.

مهلة نهاية العام كانت قد وضعتها الولايات المتحدة كشرط للابقاء على مسار أستانا؛ بحسب ما أعلن عنه المبعوث الأمريكي، مطلع الشهر الحالي، والذي قال أن واشنطن تقترح عدم مواصلة المبادرة "الغريبة" المتمثلة في عمليتي سوتشي وأستانا، إن لم تثمر عن تشكيل اللجنة الدستورية السورية بحلول أواسط شهر ديسمبر الجاري.

التصريحات الأميركية لاقت ردودا من الدول المعنية والضامنة لمسار أستانا، حيث ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على تصريحات جيفري، واصفة إياها بـ"غير المهنية وغير البناءة"، وأشارت زاخاروفا إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تخفي ألا مصلحة لها في الجهود التي تبذلها روسيا لتسوية الأزمة السورية.

بدوره انتقد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، دعوة جيفري، إلى إنهاء مساري أستانا وسوتشي حول تسوية الأزمة السورية، وقال تشاووش أوغلو في تصريح صحافي خلال الشهر الحالي بأن " تصريحات جيفري حول مسار أستانا خذلها التوفيق، ولا أعتقد أنه عبّر عن رأيه الشخصي".

هل الولايات المتحدة "جديّة" في إنهاء مسار أستانا؟

عضو وفد المعارضة إلى محادثات أستانا؛ ياسر الفرحان، قال في حديث لـ "راديو روزنة" بأنه لا يوجد أي مبرر لإنهاء مسار أستانا، معتبراً أن الولايات المتحدة لن تجازف حيال هذا الأمر وتعمل على إنهاء المسار.

وأضاف عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض؛ أن مسار أستانا يتوافق مع السياسة الأميركية في سوريا؛ من خلال عدة نقاط؛ يأتي أولها في ملف تخفيف التصعيد؛ وكذلك جهود وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى "حماية" إدلب من مخططات النظام و إيران.

ويتابع منوهاً في حديثه لـ "روزنة" إلى القضايا الإنسانية المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين التي عمل عليها مسار أستانا، فضلاً عن إشارته إلى استخدام المسار من أجل تهيئة الظروف للوصول إلى حل سياسي، وكل هذه النقاط برأيه لا تتعارض مع الخطة الأميركية تجاه سوريا.  

ويُعرّج الفرحان خلال تعقيبه عن هذه الناحية؛ على قرار الانسحاب الأميركي من سوريا والمتخذ مؤخراً من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث يعتبره بمثابة تفويض من واشنطن لأن تلعب الأطراف الموجودة في أستانا دورها، وكذلك بأن تتحمل مسؤولية التقدم في الملفات التي تنظر فيها من أجل تهيئة ظروف الحل السياسي.

اقرأ أيضاً:دي ميستورا خلال 4 سنوات.. هل نجح بدور "السوبرمان" ؟

ويضيف الفرحان خلال حديثه لـ "روزنة" أن محادثات أستانا ضرورية من أجل حماية الإتفاق وحماية إدلب وأهلها، وضبط الخروقات التي حصلت خلال الفترة الماضية.

وتابع بالقول: "أستانا استطاعت أن تنقذ إدلب من خطر تعرضها لجرائم حرب، وبعد إتفاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي دُعم هذا الاتفاق دوليا"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الإتفاق يعاني من خروقات "من قبل إيران وقوات النظام التي لها مصلحة بتخريب هذه التفاهمات".

واعتبر عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض أن الدخول في اتفاقات منفردة مع الجانب الروسي و "التخلي عن مسار أستانا هو من ضيّع على الشعب السوري، المنطقة الجنوبية، والغوطة الشرقية وشمال حمص".

مستدركا بقوله أن ذلك سمح أيضاً لروسيا والنظام، في الاستفراد بتلك المناطق من خلال تفاهمات ثنائية، "انتهت بتهجير أبناء المناطق وتسليمها من جديد للنظام ليمارس اعتقالاته".

يذكر أن الاتفاق بشأن تشكيل اللجنة الدستورية السورية تم التوصل إليه خلال مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في مدينة سوتشي الروسية، في كانون الثاني الماضي، كما تنسّق روسيا جهودها مع كل من تركيا وإيران، على صعيد التسوية في سوريا؛ في إطار ما يعرف بـ"ثلاثية أستانا" أو الدول الضامنة.

أستانا بديلاً عن جنيف؟

لم يُحدِث مسار جنيف حول سوريا والذي ترعاه الأمم المتحدة؛ أي شيء يذكر خلال العام الحالي؛ وسط تواتر متصاعد لأداء المحادثات التي أفرزها مسار أستانا.

هذا الأمر دفع العديد من المراقبين والمهتمين بالشأن السوري إلى القول أن هناك مساع تعمل من خلالها روسيا على إضفاء الشرعية على مسار أستانا، وإبداله بمسار جنيف الذي توقف فعلياً خلال هذا العام، خاصة بعد انشغال أممي بتشكيل اللجنة الدستورية منذ بداية 2018.

في حين فَعلّت محادثات أستانا مناطق خفض التصعيد والتي عملت على تهدئة القتال في عدة مناطق سورية؛ إلا أن هذه التهدئة تبعها اتفاقات تسوية مع قوى معارضة؛ فرضها النظام السوري مع حليفه الروسي؛ قضت بسيطرة قوات النظام على مساحات واسعة من الأرض السورية في جنوب ووسط البلاد.

قد يهمك:غرفة المجتمع المدني السوري تطالب الأمم المتحدة بـ"دور رقابي" في العملية السياسية

رئيس الوفد الروسي في محادثات أستانا؛ ألكسندر لافرنتييف، ألمح في الجولة التاسعة من المحادثات (أيار الماضي)، إلى إمكانية  استبدال "جنيف" الذي يتعثر؛ بـ"آستانا" الذي يعطي نتائج ملموسة و"ستستمر"؛ وفق رأيه، داعياً إلى توسيعه ليشمل المسائل الإنسانية والسياسية.

وفي الجولة ذاتها أيضاً؛ كان قد لّوَّح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو باعتماد بديل لمسار جنيف قد يكون مسار أستانا إذا لم يُحرز مسار جنيف تقدماً في حل الأزمة السورية.

و جاء ذلك التصريح بعد اتفاق الدول الضامنة لأستانا على بدء المباحثات السياسية بعد نجاح اتفاق مناطق خفض التصعيد، في الوقت الذي أعلن فيه الإتحاد الأوروبي أن العملية الرئيسية لتسوية الأزمة السورية يجب أن تتم عبر مفاوضات جنيف "فقط".

من ناحيته أكد عضو وفد المعارضة إلى محادثات أستانا؛ ياسر الفرحان، خلال حديثه لـ "راديو روزنة" بأنه لا يوجد أي طرف من الأطراف المشاركة في أستانا؛ تسعى لأن يكون هذا المسار بديلا عن جنيف.

وأضاف متابعاً: "نحن كوفد معارضة في أستانا؛ دائما نتمسك بمرجعية جنيف لبحث الحل السياسي، ونقول بأن ما يجري في أستانا يهيئ الظروف وينضجها من أجل متابعة مسار جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن تركيا وهي إحدى الدول الضامنة لأستانا؛ دوماً تصر على مرجعيتي جنيف و القرار الدولي "2254".

كما نوه الفرحان إلى حضور الأمم المتحدة في أستانا كطرف مراقب؛ وهي دائماً تؤكد حرصها على استمرار جنيف كمسار رئيسي حول سوريا، معتبراً بأن من يُعطّل مسار جنيف "ليس" محادثات أستانا، وإنما من يعطلها هو النظام السوري؛ الذي يرفض أن يستجيب لكل محاولات إيجاد أي تقدم في الملف السوري من خلال مسار جنيف؛ وفق رأيه.

وشدد خلال حديثه على الحاجة إلى ضغط حقيقي في جنيف من الأطراف الراعية لهذا المسار، فضلاً عن الضغط على روسيا من أجل دفع النظام نحو جنيف، معتقداً أن ذلك قد يتم من خلال مقايضة روسيا بملفات أخرى؛ "ربما" تكون خارج سوريا، لكن ذلك بحسب وجهة نظره من شأنه أن يوجد ضغط روسي حقيقي على الأسد.  

وكانت محادثات "أستانا 11" اختتمت في الـ29 من تشرين الثاني، حيث أكد البيان الختامي على تصميم الدول الثلاثة الضامنة "على تكثيف الجهود المشتركة لإطلاق اللجنة الدستورية في جنيف"؛ كما شدد البيان على أنه "لن يكون هناك حل عسكري في سوريا، ولا يمكن حل (الأزمة السورية) إلا من خلال العملية السياسية التي تسهلها الأمم المتحدة؛ بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254".

في الوقت الذي أشار فيه رئيس وفد المعارضة إلى محادثات أستانا؛ أحمد طعمة، خلال حديثه لـ "روزنة" في وقت سابق، أن ما حققته الجولة الأخيرة في أستانا وبالنظر إلى مجموع تراكمات مع الجولات السابقة، فقد تم إحداث نقاط إيجابية، مضيفاً بالقول: "لقد حصل إنجاز جيد فيما يتعلق باتفاق إدلب، وأعتقد أن الأمور في هذا الملف تسير بشكل جيد".

إلا أن طعمة لفت في الوقت ذاته بأن النظام سيستمر في خروقاته تجاه منطقة إدلب ما بعد جولة أستانا، معتبراً بأن هذه الخروقات لا يمكن تلافيها حاليا لأن النظام لا يريد الإلتزام بأي اتفاقية؛ حسب قوله، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من كل ذلك فإن أصل إتفاق إدلب سيبقى ثابت، فالطرفين الأساسيين للاتفاق (روسيا وتركيا) ملتزمين باستمرار الإتفاق وعدم انهياره.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق