صعدّت روسيا، وقوات النظام السوري من هجماتهما الجوية على المناطق الخارجة عن سيطرتها في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، إيذانًا منها ببدء العمليات التمهيدية لمعركة مرتقبة في المنطقة.
فقد وثّق ناشطون مقتل نحو 20 مدنيًا (الجمعة) في قصف جوي (يُعتقد أنه روسي) على بلدة أورم الكبرى بريف حلب الغربي، الذي تزامن أيضًا بغارات جوية لطيران النظام على مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، أسفرت عن إصابة عشرة مدنيين بجروح، بينهم أطفال.
وقال النقيب ناجي المصطفى، المتحدث الرسمي باسم (الجبهة الوطنية للتحرير) لـ (روزنة) إنّ "مقاتلي المعارضة ردّوا على قصف قوات النظام، باستهداف مواقعه العسكرية في مدينة حلب بالصواريخ محلية الصنع وقذائف المدفعية"، نافيًا في الوقت ذاته "وجود أي محاولات لقوات النظام للاقتحام مناطق المعارضة"، وأكدّ جاهزية مقاتليه للتصدي لأي هجوم محتمل.
التصعيد العسكري على المنطقة، يأتي بعد نحو أسبوعين على انفاذ اتفاق (كفريا-الفوعا) المواليتين لنظام الأسد، والذي قضى في 20 تموز/ يوليو الماضي بـ "إخراج أهالي ومسلحي البلدتين إلى مناطق النظام من السكان والمسلحين، مقابل إطلاق قوات النظام لسراح نحو 1500 معتقلًا من سجونه"، (العدد الأكبر منهم لم يمضي على اعتقاله عدة أسابيع)؛ في خطوة رأى مراقبون أنها تأتي في إطار سحب الأخيرة لورقة الضغط عليها في إدلب من قبل فصائل المعارضة.
مصادر في العاصمة دمشق أكدت لــ (روزنة) عزم نظام الأسد على خوض معركة إدلب، وقالت إنّ "الأحاديث العسكرية في الأروقة بين أصحاب القرار، تشي بقرب المعركة"، ورجحت احتمالية بدئها في مطلع أيلول/ سبتمبر القادم.
لكن على الرغم من التأكيدات في أروقة نظام الأسد بحتمية المعركة، إلا أنها تبقى مجرد أقاويل إذا لم تحظى بضوء أحمر سياسي من الروس، مترافق بتغطية جوية منهم لتلك العمليات على الأرض.
في المقابل، تنظر تركيا إلى معركة إدلب، على إنها إن حدثت بالفعل، فإنها ستحملّها تبعات موجات لجوء كبيرة إلى أراضيها، قد تصل لأكثر من مليوني نازح، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعيشها البلاد وسط تدهور سعر العملة في سوق صرف العملات الأجنبية، وخسارتها لأكثر من 30% من قيمتها خلال أيام.
لذلك، الجانب التركي يحاول الإيفاء بالتزاماته تجاه ضامني النظام في أستانا (روسيا-إيران)، من خلال دفعه باتجاه توحد الفصائل في إطار ما سمي بـ (الجبهة الوطنية للتحرير)، التي لم يخفي قادتها تلقيهم دعمًا عسكريًا ولوجستيًا من تركيا، فيما تبقى المهمة الأصعب تجاه الأخيرة تفكيك فصيل (هيئة تحرير الشام/ النصرة) وإمكانية دمجها في التشكيل الجديد الذي أعلن عنه في 28 أيار/ مايو الماضي، من ائتلاف نحو أحد عشر فصيلًا عسكريًا.
(الهيئة) لا ترى في التشكيل الجديد سوى غرفة عمليات مشتركة للفصائل من أجل توحيد الخطط، وزيادة تحصين خطوط التماس على الجبهات مع قوات النظام في أرياف (حلب، حماة، إدلب، واللاذقية).
ويرسم عماد مجاهد، المتحدث باسمها ثلاثة سيناريوهات لمستقبل إدلب، وهي: (هجوم عسكري لقوات النظام عليها، هدنة مؤقتة، واستمرار معارك التحرير ضد قوات النظام) -بحسب رؤيته-دون أن يُبدي أي إجابة على مستقبل فصيله في الشمال السوري وإمكانية انصهاره ضمن تشكيل (التحرير).
فيما يرى مقربون من الأخيرة أنّ "لا مانع لديها من أي سيناريو توصي به تركيا لإيجاد حل للشمال السوري، حتّى وإن كان انصهارها ضمن بوتقة (التحرير) التي تضم ضمن ائتلافها عدد من أعداء الأمس (أحرار الشام، جيش الأحرار، حركة نور الدين الزنكي)".
وتعوّل فصائل المعارضة على تركيا للجم أي محاولات لقوات النظام للتقدّم في المنطقة، حيث تشير مصادر خاصة فيها إلى "تأكيد الأتراك على الفصائل التجهيز لأي عمليات مرتقبة لقوات النظام في المنطقة، مع إمكانية تدخلهم في أي لحظة، والاتفاق مع الجانب الروسي على رسم خارطة المحافظة".
تركيا نجحت في توحيد فصائل المعارضة لوجستيًا وعسكريًا في ريف حلب الشمالي والغربي، إضافة إلى إدلب، مع الإبقاء على مجهولية المصير لـ (الهيئة) الّذي قد يتحوّل إلى معلوم في أي لحظة، بحسب المتغيرات الإقليمية والدولية للمنطقة.
النجاح التركي حتّى الآن في جمع شتات الفصائل (المعتدلة)، وامتلاكه لقرار مستقبل (الهيئة)، قد يجعل من الأخيرة العصا التي تضرب بها (روسيا-تركيا) من يوسمون بالتطرف إلى حين الانتهاء من وجودهم في إدلب، ومن ثم الانتقال إلى سيناريوهات عدة محتملة لمستقبل إدلب وريف حلب الغربي، تتمحوّر جلّها في تجنيب المنطقة لأي عمل عسكري مرتقب من خلال عدة سيناريوهات، أولها: الاتجاه إما إلى هدنة طويلة الأمد بالتزامن مع تأمين الطرق الدولية من جنوب سورية إلى شمالها.
وتكمن تفاصيل السيناريو الثاني في عقد اتفاق (تركي-روسي)، بعد مناوشات عسكرية بين طرفي الصراع يفضي في المحصلة إلى تشكيل جيش وطني متكامل من فصائل معارضة الشمال برعاية تركية، يكون نواة للاندماج مع جيش (محدّث) لقوات النظام على الطريقة الروسية، والاعتماد على أبناء كل منطقة في البداية لحمايتها ريثّما ينجز الحل النهائي في البلاد.
أخيرًا، تبقى السيناريوهات الاحتمالية لإدلب، التي تضم نحو أربعة ملايين نسمة (مهجرون وسكان أصليون)، في ظل تصعيد قوات النظام وحليفه الروسي، مرتبطة بمدى قدرة فصائل المعارضة على الصمود والثبات، خاصة أنّ المنطقة تعتبر آخر قلاع الثورة السورية، وهي تضم نخبة من يعارضون الأسد من: (نشطاء إعلاميين، سياسيين، عاملون في الشأن الإغاثي والمدني، وعسكر)، ما يجعل أي خيار سوى المقاومة منوط بالموت المحتّم لمن عارض الأسد ورفض المصالحة معه في مناطق متفرقة من البلاد.