كشف موقع "غلوب أند ميل" الكندي في تقرير نشره اليوم، تفاصيل عملية إجلاء أكثر من 400 من عناصر الخوذ البيضاء من سوريا الأحد الماضي، وعن المساهمة والفضل الكبيرين، الذيَن يعودان لمسؤولتَين كنديتين.
وبحسب الموقع، فإن العملية بدأت أولاً بعد انعقاد اجتماع في "اسطنبول" بين رئيس الدفاع المدني السوري "رائد الصالح"، ومبعوثة كندا الخاصة إلى سوريا المقيمة باسطنبول "روبن ويتلوفر"، قدمَ خلاله "الصالح" نداءاً استثنائياً لها، لحشد جهود الإنقاذ قبل فوات الأوان.
وقال "الصالح" خلال الاجتماع، أنه على كندا وحلفائها تقديم المساعدة لحوالي 800 شخص من عناصر الخوذ البيضاء وأفراد عائلاتهم، للخروج من جنوب سوريا في أقرب وقت ممكن، وإلا، فإن هؤلاء المتطوعين، سيواجهون التعذيب، وربما ما هو أسوأ، على أيدي النظام السوري.
وقادت كندا بعد ذلك التحضير لعملية إجلاء عناصر الخوذ البيضاء، حيثُ يعود الفضل إلى مبعوثة كندا الخاصة إلى سوريا "روبن ويتلوفر" بالدرجة الأولى في إجلائهم، ووزيرة الشؤون الخارجية الكندية "كريستيا فريلاند" ثانياً، وأخيراً سفيرُ كندا في الأردن "بيتر ماكدوغال"، حسب الموقع.
ورغم الحشد الديبلوماسي الكندي الكبير، الذي تعرض لكم هائل من المديح فيما بعد، لم تنجح عملية الإجلاء بشكل تام، حيث تم إجلاءُ 422 (98 عنصر من الدفاع المدني وعائلاتهم بما يتضمن طفل وُلدَ خلال الرحلة) من أصل 800 شخص وافقوا على المغادرة وإعادة التوطين.
ولم يتم إجلاء من تبقى من العناصر وعائلاتهم، لظهور مقاتلين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية، بالقرب من المعبر المؤدي إلى مرتفعات الجولان المحتلة، أثناء عملية الإنقاذ. وتغيرت القوى المسيطرة مجدداً بعد أيام، لتخضع اليوم لسيطرة النظام السوري.
بدء التحرك الديبلوماسي
وبعد لفتِ "ويتلوفر" انتباه الحكومة الكندية للموضوع، استغلت وزيرة الشؤون الخارجية "كريستيا فريلاند" قمة لحلفاء الناتو في الـ 11 و 12 الشهر الحالي، لتقديم مناشدة عاطفية، وافقت على إثرها ألمانيا وبريطانيا، على استقبال عددٍ معين من الدفاع المدني ومنحهم اللجوء.
وقد ساعد خطابُ "فريلاند" في دفع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لاستخدام نفوذه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بينيامين نتنياهو"، بهدف إجبار إسرائيل على فتح حدودها، والسماح بعبور عناصر "الخوذ البيضاء" للأردن.
ونقل الموقع عن "عمر الغبرة" السكرتير البرلماني للشؤون الخارجية الكندية قوله، "عندما سمعت كندا عن الوضع البائس لأفراد الخوذات البيضاء، لم يكن بوسعنا أن ندير ظهرنا لأشخاص كانوا يخاطرون بحياتهم عندما كان الجميع يهربون"
تبديل الخطة
وتقول المصادر إن الخطة الأصلية كانت تتمثل في جلب 800 من ذوي الخوذات البيضاء وعائلاتهم مباشرة إلى الأردن، لكن هذا الخيار اختفى لأن قوات النظام تقدمت بسرعة أكبر مما كان متوقعاً، واستولت على المنطقة الحدودية قبل أن تبدأ عملية الإخلاء، ليصبح الخيار الثاني والوحيد هو عبر إسرائيل.
سفير إسرائيل في أوتاوا "نمرود باركان" التقى بمساعد نائب وزير الشؤون الدولية بكندا، قبل أن يتلقى اتصالاً من وزيرة الشؤون الخارجية "فريلاند" بعد أيام، كما دعا رئيس الوزراء الكندي "جاستن ترودو"، نظيره الإسرائيلي "بينيامين نتنياهو"، لاتخاذ الخطوات اللازمة للقيام بالعملية.
ليلة الإجلاء
وقال "بول رونزهايمر"، وهو صحفي ألماني كان أحد الشهود القليلين على عملية الإجلاء، إن العملية بدأت مساء السبت الماضي بالتوقيت المحلي في مرتفعات الجولان، خلال ما بدا أنه هدوء في القتال على الجانب الآخر من الحدود.
واقترب حشد من الجانب السوري من الحدود في حوالي الساعة 9:15 مساء بالتوقيت المحلي، سبقها قبل يومين، تلقي عناصر الخوذات البيضاء رسائل نصية مفادها، "التوجه إلى الحدود مع إسرائيل"، حسب ما قال "رونزهايمر".
وقد استقبلت مركبات الأمم المتحدة أولئك الذين وصلوا إلى معبر الجولان، الذين وتحققت من أسمائهم وأخرجتهم إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية قريبة، وعلى الرغم من وجود ارتباك حول سبب وصول 422 شخصاً فقط، تم نقل اللاجئين بحافلات للأردن، حيث انتهى إجلاءُ الجميع بحدود الـ 5 صباحاً.
إقناع الأردن .. تحديٌ آخر ربحته كندا
وكان إقناع الحكومة الأردنية بالمشاركة بمثابة تحدٍ آخر، حيثُ يستضيف الأردن 700 ألف سوري بالفعل، ومجتمعات كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين، إلا أن الأردن وافق على استضافتهم، فقط عندما تلقى تأكيدات عبر سفير كندا لديه "بيتر ماكدوغال"، بأن إقامة هؤلاء ستكون قصيرة.
كما عمل "ماكدوغال" وموظفون آخرون في البعثة الكندية بعمان، إلى جانب زملائهم البريطانيين عر الهاتف، على مساء السبت وصباح الأحد الباكر لحل قضايا الأفراد الذين وصلوا إلى الجولان بدون وثائق.
وقال مسؤول كندي رفيع المستوى إن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ستقابل عناصر الخوذات البيضاء وأسرهم في مراكز بالأردن، مضيفاً، أنه من المرجح أن يبدأ اللاجئون الجدد في الوصول الى كندا وألمانيا وبريطانيا في غضون خمسة أو ستة أسابيع.
وتلقت "الخوذ البيضاء" دعماً مالياً كندياً قدره 7.5 مليون دولار على مدار عامين (للتدريب على إزالة المتفجرات، وإشراك مزيد من النساء المتطوعات)، وآخر من حكومات غربية، طوال السنوات التي عملت خلالها على إنقاذ عشرات الآلاف من المدنيين السوريين، من ويلات الحرب.
وتُعد عمليةُ إجلاء المتطوعين من سوريا، انتصاراً للدبلوماسية الكندية، حيث لا ينافسها سوى حادثة "كايبر الكندي"، التي تعاونت فيها سفارة كندا في إيران، مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، على تجنب اعتقال 6 دبلوماسيين أمريكيين ببداية الثورة الإسلامية عام 1979 هناك وهروبهم.
وتصف حكومة النظام السوري والحكومة الروسية الخوذات البيضاء بأنها منظمة "إرهابية"، في حين انتقد النظام السوري هذا الأسبوع عملية الإجلاء بشدة، معتبراً إياها "عملية إجرامية كشفت عن الطبيعة الحقيقية للمنظمة المعروفة باسم الخوذات البيضاء".