الدب الروسي يلاحق الدمشقيين حتى في المونديال

الدب الروسي يلاحق الدمشقيين حتى في المونديال
الأخبار العاجلة | 12 يوليو 2018
لم يتمكن سيف المتنبي من التفريق بين الجد واللعب في شوارع العاصمة السورية، فظهرت هزلية الحرب بشكل جلي في موسم المونديال، وتمكن سكان مدينة دمشق بقدرة قادر في هذه الفترة المصيرية، من أن يروا في الرياضة حياة، وبات منظر الموت والدمار في نقطة عمياء من بصيرتهم.

لم يعد ولاؤهم الكروي كما كان قبل سبع سنوات خلت، بل صارت قبلتهم شطر مسعفي النظام، خجلا وخوفا وطمعا، وبعد أن سألنا أكرم وهو شاب دمشقي في أواخر العشرينيات من عمره، عن الفريق الذي يفضله في اليوم الذي لعبت فيه كرواتيا وروسيا (الدور ربع النهائي من المونديال)، أجاب بثقة و بدون تردد: "أدعو من كل قلبي أن يتمكن الفريق الروسي من الفوز"، لكن ثقته هذه خانته وتلعثم قليلا حين سؤاله عن لاعبه المفضل في الفريق الروسي، ثم حاول عبثا إخفاء جهله بفريقه المفضل المزعوم " أنا أشجع الفريق الروسي وفاءً لهم لوقوفهم إلى جانبنا".

متابعة التغطية الخاصة لمونديال روسيا 2018

وكانت روسيا قد تدخلت عسكريا إلى جانب النظام السوري منذ أيلول عام 2015، وقدمت دعما كبيرا سياسيا وعسكريا مكنت النظام من فرض سيطرته على مناطق عدة كانت تقع تحت سيطرة الفصائل المسلحة المناوئة لقوات النظام.
 
الاختفاء المؤقت لآثار الحرب
 
غابت عن الأذهان الأرقام الهائلة من الضحايا والنازحين وصور الدمار، وامتلأت المقاهي والشوارع في دمشق بعشاق الكرة، مع اختفاء القذائف العشوائية المنسوبة إلى جبهة جوبر، وذلك بعد أن أقيمت شاشات عملاقة في الساحات العامة لإتاحة الفرصة لمتابعة مباريات المونديال، حيث تعرض هذه الشاشات جميع المباريات مجاناً للجميع، ومنحت المئات فرصة الاستمتاع بالمونديال بعد أن تعذر على أغلبهم مشاهدتها من منازلهم.

انعكس ذلك الأمر جلياً على زيادة الحركة بشكل عام، وانفراج واضح لدى المواطنين السوريين في دمشق مقارنة بالمونديال الفائت في2014 وهو ما أكده "وجدي" شاب في أوائل الثلاثينيات، وهو يمسك بيد خطيبته متجهاً إلى المقهى لمتابعة مباريات المونديال، فقال: "صارت المباريات أجمل، أمن وأمان برفقة خطيبتي الجميلة، ماذا عساي أن أطلب أكثر من هذا؟".

اقرأ أيضاً..لماذا خسرت بلجيكا أمام فرنسا في مباراة المربع الذهبي؟

 ابتسمت الفتاة الشابة وقالت إنها لم تأتي إلى منطقة باب توما منذ ثمانية أعوام، فقد كانت هذه المنطقة مكانا لا يستطيع المرء الاقتراب منه، من دون أن يستشعر أن هذه اللحظات ستكون الأخيرة في حياته، حسب قولها؛ نظراً للوضع الأمني المتأزم الذي كانت تشهده هذه المنطقة بسبب قربها من منطقة جوبر (خط الاشتباك الأول بين قوات النظام والفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية).
 
 
                                                                         صور خاصة لراديو روزنة من داخل مدينة دمشق


أما أم سامر على عكس وجدي وخطيبته، فمع كل صيحة فرح لهدف مسجل، أو صوت غاضب لهدف لم يسجل، تستذكر أبنها الفقيد، سامر الذي لم ينهي عامه الثالث والعشرين، منذ سنوات، بكرها الذي كان يشجع البرازيل؛ حسبما تذكر.

وتستغرب أم سامر حال أصدقائه وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فمن منشورات تندد بالموت والقتل وتذكّر بالشهداء، إلى منشورات تستنكر أداء هذا الفريق أو تفوق ذلك على آخر، هذه المفارقة العجيبة تعصى على فهمها حسب قولها، تتسأل بمرارة كيف يستطيع الانسان على الفصل بين ما يعيشه من دمار على أرض الواقع وعلى جميع الأصعدة، وبين الإدمان على لعبة كرة لا تثمن ولا تغني من جوع، متعجبة من العلاقة الوثيقة التي تجمع بين الشباب وكرة القدم.
  
أيام المونديال تدّب النشاط في شوارع دمشق

بعد إزالة الحواجز التي كانت تحاصر مدينة دمشق منذ سنوات طويلة، بسبب قرب خطوط الاشتباك بين قوات النظام ومعارضيه المتمركزين حوالي مدينة دمشق وبجهات مختلفة، تشهد دمشق اليوم بعد تهجير ممن رفض التسوية مع النظام السوري إلى الشمال نحو إدلب وأرياف حلب، باتت تشهد حرية أكثر في الحركة بالنسبة للشباب الراغبين بالاستمتاع في المونديال، ولا سيما بعد إزالة عدد لا يستهان به من الحواجز داخل المدينة، وكأن "الحرب" قد انتهت، إذ يكاد لا يخلو مقهى أو مطعم -مهما تعددت نجماته وفق التصنيف السياحي-من شاشة عرض كبيرة وطاولات رتبت بطريقة تتيح للجميع المشاهدة.

قد يهمك..هل سيطرت مكاتب المراهنات على نتائج المونديال الروسي؟

ومن الجدير ذكره أن دوريات أمنية خلال السنوات القليلة الماضية كان يسيرها النظام للبحث عن المطلوبين للالتحاق بالخدمة العسكرية في المقاهي والأماكن العامة، ولكن الأمر اختلف الآن بعد إنهاء الوجود المسلح المعارض للنظام حول دمشق.
 
ومن اللافت أنه وعلى الرغم مما تمر به الأزمة السورية في الأيام الراهنة ومستقبل حسمها في المناطق الجنوبية، إلا أن أخبار الرياضة استطاعت أن تزيح أخبار "درعا" من العناوين الرئيسية لحديث الشارع السوري، ولعل شيطان الحرب كان أضعف من شيطان المونديال الذي دفع البعض من الشرائح المختلفة بدمشق إلى متابعة المونديال باهتمام واضح.

وما يمكن الختام به إلى رصد تمايز واضح بين مزاج الشبان الدمشقيين خلال وسائل التواصل الاجتماعي بتشجيعهم لمنتخبات المونديال، ففي مباراة الدور ربع النهائي بين روسيا وكرواتيا، كان جليا موقف عدد منهم في دعم المنتخب الروسي وذلك عائد لوقوف الروس مع النظام، وعلى النقيض كانت هناك مجموعة أخرى اعتزلت تشجيع باقي المنتخبات من أجل دعم كرواتيا والفرح بانتصاره على روسيا، لأن ذلك يعتبر على ما يبدو نكاية بالروس ورفضا لوجودهم كل هذه المدة في سوريا.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق