تتجه سوريا بشكل متزايد نحو واقع "التقسيم"، الذي سيأتي برفقة صراع عسكري منخفض المستوى مع عملية سياسية "بطيئة"، أو ما يُطلق عليه اصطلاحاً "الصراع المجمد"، وهو حال امتهنت روسيا إدارته في جورجيا وأوكرانيا، أي أن التوصل إلى هذه المرحلة، كان هدف "بوتين" منذ بداية تدخله العسكري، حسب ما ترجمت "روزنة" عن مقال تحليلي للـ "الفورن بوليسي".
ويقول الموقع، "هناك لاعبون مهمون آخرون في سوريا، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا والمعارضون من العرب السنة، الذين سيعبرون قريباً عن رضاهم بهذا الواقع الجديد"، مضيفاً "على النقيض من ذلك، فإن أوضح الخاسرين هو نظام الأسد وإيران".
بدون روسيا، استعادة حلب والغوطة الشرقية وغيرها كان مهمةً مستحيلة
وينظر المقال التحليلي في تصريحات الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، في أعقاب زيارة "الأسد" له في روسيا، معتبراً أنها تُشير إلى أن "بوتين" لم يكن مهتماً بمساعدة الأسد، على استعادة كامل الأراضي السورية.
وقال "بوتين" في المؤتمر الصحفي بعد لقائه الأسد في "سوتشي" بتاريخ الـ 17 الشهر الحالي، "في أعقاب النجاحات الملحوظة التي حققها الجيش السوري في مكافحة الإرهاب، ومع تفعيل العملية السياسية، ستبدأ القوات الأجنبية المتمركزة في سوريا بالانسحاب من البلاد".
وفي وقتٍ تكهن فيه البعض، أن "بوتين" قصدَ بتصريحه، انسحاب القوات الأجنبية "المعارضة للنظام"، لكن المبعوث الروسي إلى سوريا "ألكسندر لافرنتيف" أكدَّ أن رئيس بلاده، كان يقصدُ "جميعَ القوات العسكرية الأجنبية المتمركزة في سوريا، بما في ذلك، القوات الأمريكية، والتركية وحزب الله وإيران".
وأعقب التصريحات الروسية، ردُّ فعلٍ إيراني غاضب، حيثُ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "بهرام قاسمي" للصحفيين في طهران، "لا أحد يستيطع إجبار إيران على فعل أي شيء، طالما أن الإرهاب موجود، ورغبة الحكومة السورية موجودة، فسيكون هناك تواجد لإيران في سوريا".
وسعت موسكو مراراً، للتفريق بين وجودها في سوريا، الذي تقول أنه تم بدعوة من السلطات السورية "الشرعية"، وبين وجود قوى أجنبية أخرى لم يتم دعوتها، فيما تشيرُ التصريحات المليئة بالثغرات، عن أوجه من الاختلافات بين موسكو وبعض حلفائها حول مستقبل سوريا.
إن "موسكو" تقر بوجود تدابير إسرائيلية جوية واسعة مؤخراً ضد اهداف إيرانية في سوريا، في حين أنه من الواضح أنها أيضاً تمنح الإذن للأتراك لإنشاء جيوب كبيرة في شمال غرب سوريا، بالتزامن مع رفض الأسد خطة روسية لصياغة دستور سوري جديد يحد من سلطاته.
وبحسب الموقع، فإن نمط سلوك "موسكو" يشيرُ إلى أنه مرتاح حيال إدارة "نزاعات لم يتم حلها" بتكلفة منخفضة نسبياً، ففي أوكرانيا كمثال، رغم استمرار النزاع، فإن روسيا من خلال سيطرتها على أجزاء من مقاطعات معينة، أن تعطل شؤون البلاد الداخلية على هواها، بحيثُ تصبح خططها واستراتيجيتها هي القضية الأكثر إلحاحاً التي تواجه أي حكومة أوكرانية.
أما في سوريا بالطبع، تدعم روسيا حكومة النظام، وليس تمرداً من صنعها كما هو الحال في أوكرانيا، لكن "موسكو" الآن توضح أن مصالحها لا تتقاطع بالكامل مع مصالح الأسد، الأمر الذي لم يكن واضحاً على الفور، عندما ظهرت الطائرات الروسية لأول مرة فوق سماء سوريا في سبتمبر 2015.
ويعيد المقال إلى ذاكرتنا، احتفاء وسائل إعلام "محور المقاومة" آنذاك بالتدخل الروسي العسكري في سوريا، حيث يذكرنا تحديداً بمقال لـ "إبراهيم الأمين"، رئيس تحرير جريدة الأخبار اللبنانية، والذي بشرَ فيها، بميلاد تحالف "4+1"، يضم إيران والعراق سوريا الأسد وحزب الله وروسيا، إلا أن واقع اليوم يرجح سيناريوهات أكثر تعقيداً.
أهداف روسيا التي رغبت بها .. وحققتها
أنقذت روسيا من خلال تدخلها العسكري في سوريا، النظام السوري من هزيمة محتملة وأبقته في الحكم، كما بات يسيطر اليوم على 60% من مجموع الأراضي السورية، بما فيه آخر جيوب المعارضة في أرياف دمشق.
كذلك أثبتت روسيا فعالية أسلحتها والمهارة النسبية والتفاني في جيشها عموماً، كذلك حافظت على سلامة قواعدها البحرية في طرطوس واللاذقية، بالإضافة إلى تصدير فكرة وقوفها مع حلفائها، وأخيراً تمكنت من قتل العديد من جهاديي "شمال القوقاز" الذين شقوا طريقهم إلى سوريا.
وترغب روسيا في الحفاظ على الخلاف بين تركيا وحلفائها في الناتو، ويتجلى ذلك واضحاً من خلال منحها الموافقة لتركيا، بإنشاء جيب إسلامي تركي سني شمال غرب سوريا، كما استبعد نائب رئيس الوزراء التركي "رجب أكداغ" الأسبوع الماضي إعادة "عفرين" لسلطة النظام.
لم يكن باستطاعة الأتراك القيام بعمليات لإنشاء هذا الجيب دون موافقة ضمنية من الروس، الذين يسيطرون على الأجواء فوق شمال غرب سوريا، في حين أن النظام السوري بطبيعة الحال، يعتبر الأعمال التركية انتهاكاَ لسيادته، إلا أنه وبدون روسيا، لا يقوى على فعل أي شيء.
وفي أقصى الجنوب، غالباً ما تجاهلت موسكو ضربات إسرائيل ضد المنشآت الإيرانية، كما لم تبذل الدفاعات الجوية الروسية أي محاولة للتدخل، وكذلك أوضح بوتين عقب زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى موسكو، بأن بلاده لا نية لها بتزويد الأسد بنظام الدفاع الجوي S-300.
على الرغم من الضغوطات التي مارستها إيران على النظام السوري، للهجوم على ما تبقى من جيوب للمعارضة في جنوب غرب البلاد، فإن وصول وحدات مدعومة من إيران إلى الحدود يجلب معها إمكانية الرد الإسرائيلي على نطاق واسع، وهو الأمر الذي لا مصلحة لروسيا فيه، وقد تدفع إلى حرب جديدة.
في الشرق، يبدو أن روسيا ليست في عجلة من أمرها للطعن في ترسيخ الولايات المتحدة وحلفائها سيطرتهم على 30% من سوريا شرق نهر الفرات، حيثُ أشار وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" إلى أنه من غير المحتمل أن يتخلى الجيش الأمريكي عن مواقعه في شرق سوريا في أي وقت قريب.
تصريح الوزير الأمريكي، هو تماماً ما يأمل به حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون، بما فيهم إسرائيل والسعودية، حيث يمثل التواجد الأمريكي في منطقة شرق الفرات، حاجزاً يقطع الهيمنة الإيرانية الممتدة من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان إلى حدود إسرائيل، وأداة ضغط على إيران.
ويؤول تحليل الموقع، إلى أن روسيا، وبعد تحقيقها أهدافها إلى حد كبير في سوريا، ترغب في موازنة دعمها لنظام السوري مع مصالح أخرى، بينها استمرار تقويض الغرب في أماكن أخرى من العالم والحفاظ على علاقات العمل مع القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك تركيا و إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، تركز الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل أساسي على التحدي الذي يفرضه النهوض الإقليمي الإيراني، وبذلك تكون النتيجة، بـ "سوريا مقسّمة" تعمل بمثابة ساحة لعب تخدم جميعَ المصالح "عدا السورية منها"، وهي حالة جيوسياسية تتمتع فيها روسيا بالكثير من الخبرة.