"سوتشي" المدينة القوقازية المطلة على البحر الأسود، والتي برزت مؤخراً كمركز رئيسي لاجتماعات دبلوماسية تتعلق بالأزمة السورية، جعل منها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منتجعاً صيفياً له وعقد فيها لقاءات عدة سعى من خلالها لإعادة هيمنة روسيا على السياسة الدولية.
ولكن ما هو تاريخ هذه المدينة الذي بنت من خلاله السلطات الروسية هيمنتها على منطقة القوقاز؟
لقد شهد شمال القوقاز بين أعوام 1763 و1864 حربًا استمرت 101 عام بين الروس وشعوب المنطقة القوقازية، حيث اعتبرت تلك الحرب من أكثر الحروب دموية على مر التاريخ، والتي راح ضحيتها أكثر من 500 ألف قتيل من سكان القوقاز، فضلا عن تهجير مئات الآلاف من الشركس وغيرهم من شعوب المنطقة، ففي القرن التاسع عشر أصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة في شمالي القوقاز، وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعوب هذه المنطقة الذين هبوا بدورهم للدفاع عن حريتهم واستقلالهم، وخلال هذه الأحداث دُمرت وأُحرقت معظم القرى الشركسية.
لقد استطاعت روسيا القيصرية الانتصار على شعوب القوقاز في "وادي كبادا" قرب مدينة سوتشي يوم 21 أيار من عام 1864، واتبعت بعدها روسيا سياسة التغيير الديمغرافي، فهجرت 1.5 مليون شركسي من مدن سوتشي و توابسي و سخومي الساحلية إلى مناطق سيطرة الدولة العثمانية آنذاك، وخلال عمليات التهجير القسري قضى نحو 500 ألف شركسي، بسبب الأوبئة والجوع، ونفي معظم الشركس إلى منطقة الأناضول والأجزاء الأوروبية الخاضعة لسيطرة العثمانيين، ثم هاجر قسم منهم من تلك المناطق إلى سوريا والأردن.
ويطالب الشركس حول العالم؛ روسيا (التي تعد وريثة روسيا القيصرية)، بالاعتذار والاعتراف بـ21 أيار يوما يرمز إلى "الإبادة الجماعية والتهجير بحق الشركس" وهو يوم الحداد الشركسي وخسارة الشركس لهذه الحرب، ويجتمع الشركس في هذا اليوم من كل عام في جميع أنحاء العالم، كل في منفاه، لتذكر المأساة وتذكر الوطن الأم.
موقع مدينة سوتشي
تقع المدينة جنوب غرب روسيا وتمتد حوالي 150 كلم على سواحل البحر الأسود، وتوجد في الاتجاه الجنوب الشرقي من مدينة كراسنودار مركز إقليم كراسنودار.
وتنقسم المدينة إلى أربع مناطق هي أدلر وخوستينسكي ووسطي ولازوريفسكي، ولا يتجاوز عدد سكانها 340 ألف نسمة، وتعتبر مجمعا للمنتجعات والمصحات في روسيا حتى وصفها بعض زوارها بالفندق الكبير.
باتت مدينة سوتشي في العهد السوفياتي منتجعا ومقرا صيفيا للرؤساء الروس، وبنيت فيها منازل صيفية وفنادق، وافتتحت أول مصحة فيها عام 1921 حين قررت الحكومة السوفياتية اعتبار منتجع سوتشي ماتسيستا منتجعا حكوميا.
وبعدما أعلنت المدينة عام 2006 عاصمة لأولمبياد 2014 الشتوية أنفقت موسكو نحو خمسين مليون دولار لتطويرها استعدادا لاحتضان هذا الحدث الرياضي، خاصة في مجال الطرق العامة وخطوط السكك الحديدية، عارض شراكسة الداخل والمهجر استضافة الأولمبياد الشتوية، وقالوا إن أرض المدينة شهدت مذابح وإبادة جماعية خلال القرن الـ18 تجاه القبائل الشركسية.
كيف جعلت روسيا من سوتشي منطلقاً لعملية التسوية السياسية بسوريا؟
في تشرين الثاني من عام 2014 التقى بوتين بوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم حيث برز في ذلك الاجتماع سعي الدبلوماسية الروسية إلى تسيد العملية السياسية في سوريا، ويبدو أن ذلك اللقاء كان الحجر الأساس في زاوية دخول روسيا العسكري فيما بعد إلى سوريا، ومع استمرار السعي الروسي في السيطرة على المشهد السياسي السوري استضاف بوتين في منتجعه الصيفي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، في تشرين الأول من العام الفائت؛ حيث كانت أول زيارة لملك سعودي إلى روسيا وشهدت المباحثات الروسية-السعودية في وقتها نقاشاً محورياً حول الأزمة السورية، والتي كانت بحسب مراقبين مفتاحاً ناجحاً لكبح جماح السعودية في الملف السوري ووضعها تحت عباءة الروس.
وفي وقت لاحق استقبل بوتين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 13 تشرين الثاني 2017، وتناولت مباحثات الزعيمين الأزمة السورية والحلول الممكنة بشأنها، وفي 20 تشرين الثاني 2017 استقبل بوتين كذلك رئيس النظام السوري بشار الأسد في مدينة سوتشي، وذلك بحضور عدد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الروس، وقال الكرملين إن بوتين والأسد بحثا عقد مؤتمر بشأن سوريا.
وعقد في مدينة سوتشي كذلك يوم 22 تشرين الثاني 2017 بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران للتباحث حول الملف السوري، وتلى ذلك في 30 كانون الثاني 2018 مؤتمر للحوار الوطني السوري احتضنته سوتشي، واختتم ببيان ختامي من أبرز ما تضمنه الاتفاق على تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستور السوري، وفي السابع عشر من شهر أيار الجاري استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي؛ رئيس النظام السوري بشار الأسد، في لقاء ثاني بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو.
وخلال اللقاء أخبر الرئيس بوتين الأسد أنه وانطلاقاً من الانجازات التي حققها قوات النظام السوري ومع تفعيل العملية السياسية، لابد من سحب كل القوات الاجنبية من الأراضي السورية، ونقل الكرملين عن بوتين قوله "تم القيام بالكثير خلال عملية أستانا، وتم إنجاز الكثير في مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، الآن يمكننا اتخاذ خطوات أخرى معكم، الهدف التالي هو، بالطبع، الانتعاش الاقتصادي والإغاثة الإنسانية ".
وقالت صحيفة فيستا الروسية أنه وبناءً على الاجتماع فإن الأسد سيعمل على إرسال لائحة الأسماء الممثلين عن النظام السوري إلى الأمم المتحدة لتشكيل لجنة دستورية سورية على أساس عملية جنيف للسلام، وتابعت الصحيفة أنه تم التشديد على الحاجة إلى تهيئة ظروف إضافية لاستئناف تسوية سياسية كاملة الشكل، بعد نجاح محادثات سوتشي و أستانا.
ولكن ما هو تاريخ هذه المدينة الذي بنت من خلاله السلطات الروسية هيمنتها على منطقة القوقاز؟
لقد شهد شمال القوقاز بين أعوام 1763 و1864 حربًا استمرت 101 عام بين الروس وشعوب المنطقة القوقازية، حيث اعتبرت تلك الحرب من أكثر الحروب دموية على مر التاريخ، والتي راح ضحيتها أكثر من 500 ألف قتيل من سكان القوقاز، فضلا عن تهجير مئات الآلاف من الشركس وغيرهم من شعوب المنطقة، ففي القرن التاسع عشر أصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة في شمالي القوقاز، وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعوب هذه المنطقة الذين هبوا بدورهم للدفاع عن حريتهم واستقلالهم، وخلال هذه الأحداث دُمرت وأُحرقت معظم القرى الشركسية.
لقد استطاعت روسيا القيصرية الانتصار على شعوب القوقاز في "وادي كبادا" قرب مدينة سوتشي يوم 21 أيار من عام 1864، واتبعت بعدها روسيا سياسة التغيير الديمغرافي، فهجرت 1.5 مليون شركسي من مدن سوتشي و توابسي و سخومي الساحلية إلى مناطق سيطرة الدولة العثمانية آنذاك، وخلال عمليات التهجير القسري قضى نحو 500 ألف شركسي، بسبب الأوبئة والجوع، ونفي معظم الشركس إلى منطقة الأناضول والأجزاء الأوروبية الخاضعة لسيطرة العثمانيين، ثم هاجر قسم منهم من تلك المناطق إلى سوريا والأردن.
ويطالب الشركس حول العالم؛ روسيا (التي تعد وريثة روسيا القيصرية)، بالاعتذار والاعتراف بـ21 أيار يوما يرمز إلى "الإبادة الجماعية والتهجير بحق الشركس" وهو يوم الحداد الشركسي وخسارة الشركس لهذه الحرب، ويجتمع الشركس في هذا اليوم من كل عام في جميع أنحاء العالم، كل في منفاه، لتذكر المأساة وتذكر الوطن الأم.
موقع مدينة سوتشي
تقع المدينة جنوب غرب روسيا وتمتد حوالي 150 كلم على سواحل البحر الأسود، وتوجد في الاتجاه الجنوب الشرقي من مدينة كراسنودار مركز إقليم كراسنودار.
وتنقسم المدينة إلى أربع مناطق هي أدلر وخوستينسكي ووسطي ولازوريفسكي، ولا يتجاوز عدد سكانها 340 ألف نسمة، وتعتبر مجمعا للمنتجعات والمصحات في روسيا حتى وصفها بعض زوارها بالفندق الكبير.
باتت مدينة سوتشي في العهد السوفياتي منتجعا ومقرا صيفيا للرؤساء الروس، وبنيت فيها منازل صيفية وفنادق، وافتتحت أول مصحة فيها عام 1921 حين قررت الحكومة السوفياتية اعتبار منتجع سوتشي ماتسيستا منتجعا حكوميا.
وبعدما أعلنت المدينة عام 2006 عاصمة لأولمبياد 2014 الشتوية أنفقت موسكو نحو خمسين مليون دولار لتطويرها استعدادا لاحتضان هذا الحدث الرياضي، خاصة في مجال الطرق العامة وخطوط السكك الحديدية، عارض شراكسة الداخل والمهجر استضافة الأولمبياد الشتوية، وقالوا إن أرض المدينة شهدت مذابح وإبادة جماعية خلال القرن الـ18 تجاه القبائل الشركسية.
كيف جعلت روسيا من سوتشي منطلقاً لعملية التسوية السياسية بسوريا؟
في تشرين الثاني من عام 2014 التقى بوتين بوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم حيث برز في ذلك الاجتماع سعي الدبلوماسية الروسية إلى تسيد العملية السياسية في سوريا، ويبدو أن ذلك اللقاء كان الحجر الأساس في زاوية دخول روسيا العسكري فيما بعد إلى سوريا، ومع استمرار السعي الروسي في السيطرة على المشهد السياسي السوري استضاف بوتين في منتجعه الصيفي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، في تشرين الأول من العام الفائت؛ حيث كانت أول زيارة لملك سعودي إلى روسيا وشهدت المباحثات الروسية-السعودية في وقتها نقاشاً محورياً حول الأزمة السورية، والتي كانت بحسب مراقبين مفتاحاً ناجحاً لكبح جماح السعودية في الملف السوري ووضعها تحت عباءة الروس.
وفي وقت لاحق استقبل بوتين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 13 تشرين الثاني 2017، وتناولت مباحثات الزعيمين الأزمة السورية والحلول الممكنة بشأنها، وفي 20 تشرين الثاني 2017 استقبل بوتين كذلك رئيس النظام السوري بشار الأسد في مدينة سوتشي، وذلك بحضور عدد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الروس، وقال الكرملين إن بوتين والأسد بحثا عقد مؤتمر بشأن سوريا.
وعقد في مدينة سوتشي كذلك يوم 22 تشرين الثاني 2017 بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران للتباحث حول الملف السوري، وتلى ذلك في 30 كانون الثاني 2018 مؤتمر للحوار الوطني السوري احتضنته سوتشي، واختتم ببيان ختامي من أبرز ما تضمنه الاتفاق على تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستور السوري، وفي السابع عشر من شهر أيار الجاري استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي؛ رئيس النظام السوري بشار الأسد، في لقاء ثاني بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو.
وخلال اللقاء أخبر الرئيس بوتين الأسد أنه وانطلاقاً من الانجازات التي حققها قوات النظام السوري ومع تفعيل العملية السياسية، لابد من سحب كل القوات الاجنبية من الأراضي السورية، ونقل الكرملين عن بوتين قوله "تم القيام بالكثير خلال عملية أستانا، وتم إنجاز الكثير في مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، الآن يمكننا اتخاذ خطوات أخرى معكم، الهدف التالي هو، بالطبع، الانتعاش الاقتصادي والإغاثة الإنسانية ".
وقالت صحيفة فيستا الروسية أنه وبناءً على الاجتماع فإن الأسد سيعمل على إرسال لائحة الأسماء الممثلين عن النظام السوري إلى الأمم المتحدة لتشكيل لجنة دستورية سورية على أساس عملية جنيف للسلام، وتابعت الصحيفة أنه تم التشديد على الحاجة إلى تهيئة ظروف إضافية لاستئناف تسوية سياسية كاملة الشكل، بعد نجاح محادثات سوتشي و أستانا.