يحاول الطفل عامر الكردي الذي لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره أن يثبت لمن حوله بأنه لم يعد صغيراً، السيجارة.. ورغم مضارها الكبيرة على صحته إلا أن لها أثرها المغري على شخصيته الغضّة.
ربما لم يكن عامر يفكر بتلك العادة السيئة لو لم يصبح المعيل لأمه وأخوته بعد وفاة والده في القصف، هذا ما تعبر عنه سناء والدة عامر الثلاثينية حيث تقول متأثرة " يصعب علي أن أرى ولدي يضر نفسه بهذا الشكل دون أن أستطيع فعل شيئ من أجله "... تصمت قليلاً وتقول" ليس باليد حيلة، منذ بدأ عامر العمل في إحدى ورشات الحدادة ووجود بعض المال بين يديه وأنا أشعر بأنه لم يبقى لي من تأثير أو سلطة تذكر عليه، فهو دائم الشرود والخروج من المنزل، ويحاول دائماً أن يتصرف كما يفعل الكبار، ربما يحاول أن يوصل لي فكرة أنه قد أصبح رجلاً".
أما بالنسبة لعامر فهو لا يجد ضيراً من التدخين قائلاً: "جميع من حولي يدخنون فلما لا أفعل أنا، التدخين يشعرني براحة نفسية وخاصة أثناء ضغوط العمل".
إن كان الطفل عامر اعتمد عادة التدخين كونه فاقداً للمعيل ومتجهاً لسوق العمل، فحسام (14عاماً) يدخن بعلم والديه حيث يقول "معظم أصدقائي في المدرسة يدخنون، ووالدي يدخن أكثر من خمسين سيجارة في اليوم، وأنا أيضاً أحب ذلك".
يلجأ طلاب المدارس إلى التدخين في ظل ضعف سلطة المدرسين والمدراء على الطلاب مؤخراً، وذلك بعد الانفلات والتسرب الدراسي الكبير، فالدوام في المدارس هو في معظم الأحيان غير ثابت وغير منظم بسبب القصف والاشتباكات العسكرية والبيئة الغير مستقرة بطبيعة الحرب.
يرفض الطفل هيثم (13عاماً) الفكرة كلياً كونه مطلع على مضارها حيث يقول موضحاً "عمي أصيب بسرطان الرئة، ما أودى بحياته، والسبب الرئيسي كان التدخين كما كنت أسمع الجميع يقولون، وكذلك فإن أخي الكبير يعاني أمراضاً صحية لأنه مدخن، ولذا فأنا لست مستعداً لأعرض نفسي لكل هذه الأخطار"، يردف جازماً "سأتجنب هذه العادة ما حييت".
يعتبر التدخين هو العنصر الأساسي للإصابة بسرطان الرئة، إذ تحتوي السيجارة على آلاف المواد الكيميائية والتي تكون سبب أساسي للسرطانات، هذا ما يؤكده طبيب الأطفال حيان الناصيف "إن تلك المواد الخطيرة المتواجدة في السجائر كالنيكوتين وغيرها تتسبب مع مرور الوقت بإصابة أنسجة الرئة، ومع التعرض المستمر لهذه المواد تحدث الإصابة بسرطان الرئة الذي يعد أهم أسباب حدوثه هو التدخين"، ويضيف الطبيب الناصيف "مدى تطور عوامل الخطورة للإصابة بالسرطان تقاس بالفترة التي قضاها المريض وهو يدخن، والعمر الذي بدأ فيه بالتدخين وأيضاً عدد السجائر التي يستهلكها يومياً"، كما ويذكر الطبيب الناصيف بأن ثمة أمراض عديدة ينتجها التدخين لا سيما عند الأطفال كالتهاب القصبات والربو والسعال المتكرر، يضاف إلى ذلك أمراض الأذن والأنف والحنجرة وتهيج الحلق وبحة الصوت وأمراض القلب، ولذا يشدد الطبيب الناصيف على ضرورة اعتماد كل السبل لإبعاد الطفل عن هذه العادة المرضية.
عوامل وأسباب عديدة تدفع بالأطفال لاتخاذ عادة التدخين يتحدث عنها المرشد النفسي والاجتماعي وائل الحميد قائلاً "لمواكبة وتقليد الجماعة التي ينتمون إليها، وحباً في تجربة كل ما هو جديد عليهم، إضافة لوجود بعض الأصدقاء يدخنون، وربما للتعبير عن التمرد أو الظهور بمظهر جذاب وإعطاء أنفسهم سناً أكبر من سنهم" ، ويضيف " وقد يلجأ المراهق إلى التدخين لاعتقاده أن ذلك قد يكون حلاً لبعض الضغوط النفسية أو الاجتماعية أو المرضية التي يتعرض لها كما أن وجود الفراغ في حياة الطفل يعد من الأسباب المؤدية إلى ذلك".
الحميد يفيدنا بأن نسبة الأطفال المدخنين في زمن الحرب زاد أضعاف عددهم قبل الحرب، فمن بين خمس أطفال هناك طفل مدخن.
وعن كيفية حصول هؤلاء الأطفال على المال لشراء علب الدخان رغم ضعف الإمكانيات المادية لمعظم الأهالي في ظل الأوضاع الراهنة فهي تعود بالدرجة الأولى لعمالة الأطفال، حيث أصبح بإمكان الأطفال العاملين شراء علب الدخان من دخلهم اليومي خلال العمل، وكذلك يلجأ البعض للسرقة، وأحياناً للاستدانة بحجة شراء لوازم مدرسية أو من مصروفهم اليومي الذي يحصلون عليه من الأهل " بحسب الحميد.
وينصح الحميد باتباع العديد من الإجراءات لمنع الطفل من التدخين سواءً من قبل الأهل أم المدرسة ومنها حماية الطفل من رفاق السوء وزرع الثقة في نفس الطفل والتعرف على ما يضايقه تمهيداً لمساعدته في حل مشاكله، ويشير الحميد إلى ما أسماه تثبيت القواعد الأساسية لمضار التدخين على الطفل المراهق ابتداءً من رائحته الكريهة وأن ذلك مدعاة لابتعاد أصدقائه عنه ، كما يجب أن يرى بعض المناظر التي قد لا يراها على أرض الواقع والتي تبين المضار الخطير للتدخين كأن يرى صورة تشريحية لرئة المرضى على الإنترنت ، والشرح له أن هذا هو بسبب الانزلاق في تلك العادة الخطيرة.
وبدوره يوجه الحميد رسالة لكل الجمعيات والمنظمات المدنية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، والمعنية بشؤون الطفل أن تسعى لإنشاء أنشطة لهؤلاء الأطفال وتشجعهم على المشاركة فيها لتوعيتهم من خلالها إلى مضار التدخين على صحة الطفل وعلى المجتمع ككل وضرورة الابتعاد عنه.
وتشير أحدث أرقام منظمة الصحة العالمية لارتفاع أعداد المدخنين بين الأطفال العرب في الفئة العمرية 13_14 سنة، حيث بلغت نسبة المدخنين بين الأطفال في هذه المرحلة العمرية إلى 22 بالمائة وهي نسبة مرتفعة جداً وفقاً لباحثين.
وبين احصائيات منظمة الصحة العالمية وتحذيرات الأطباء ونصائح المرشدين الاجتماعيين يستمر انتشار ظاهرة التدخين بين الأطفال في الشمال السوري وسط غياب الناصح والرقيب.