زعمَ الصحفي البريطاني "روبرت فيسك" عبر تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" أمس، أن هجوم "دوما" الكيميائي، الذي اُتهم النظام السوري بتنفيذه مساءَ السبت 7 نيسان، لم يحدث، معتمداً في مزاعمه، على شهاداتِ لمدنيين وأطباء قابلهم في المنطقة، لكن متحدثاً إعلامياً باسم الجمعية الطبية الأمريكية "سامز"، اعتبر تقرير الإندبندنت، خلال مقابلة مع "روزنة"، كلاماً سطحياً يفتقر للمصداقية.
ووفقاً لـ "فيسك"، فإن الطبيب السوري عاصم الرحباني (58 سنة)، أخبره، أن الفيديو الذي أرعب العالم، -رغم كثرة المشككين بصحته- أصلي تماماً، مستدركاً، "المرضى لم يتعرضوا للاختناق بفعل الغاز، بل بسبب نقص الأوكسجين، في الأنفاق المعبأة بالقمامة، والطوابق السفلية التي عاشوا فيها".
وأضاف "الرحباني"، "أن حركة الرياح القوية في تلك الليلة، والقصف العنيف، أسفر عن عاصفة ترابية".
ولاحظ الصحفي، أن الطبيب عاصم الرحباني، مع هذا استنتاجه غير العادي، لم يكن شاهد عيان، بل شخصاً يقوم بمهتمه تبعاً لقراره الشخصي، كما أنه يتحدث الإنكليزية بشكل جيد، وأشار لمسلحي جيش الإسلام في دوما مرتين، باسم "الإرهابيين"، ذات المسمى الذي يستخدمه النظام.
وعبر الصحفي عن الحظ السيئ، بسبب أن الأطباء الذين كانوا يقومون بواجبهم في تلك الليلة في 7 نيسان جميعهم متواجدون في دمشق، حيثُ يقدمون دلائل لتحقيق باستخدام الأسلحة الكيميائية، والذي سيحاول تقديم إجابة محددة على هذا السؤال في الأسابيع القادمة.
ونوه الصحفي إلى أن العديد من الأشخاص الذين تحدثَ إليهم، قالوا إنهم "لم يؤمنوا أبداً بقصص الغاز"، التي عادة ما تطرحها الجماعات الإسلامية المسلحة، على حد تعبيره، منوهاً لقد نجا هؤلاء المسلحون من القصف، عبر العيش في أنفاق واسعة تحت الأرض على ثلاثة مستويات تحت المدينة.
ويقول الطبيب الذي يعيشُ على بعد 300 متر من المستشفى الذي عولجَ فيه مصابو الهجوم، "كان هناك الكثير من القصف [من قبل القوات الحكومية] والطائرات كانت دائماً فوق دوما في الليل - ولكن في هذه الليلة، كانت هناك ريح وقد بدأت سحب الغبار الضخمة في الدخول إلى الأقبية حيث يعيش الناس".
ويضيف الطبيب، "بدأ الناس يصلون إلى هنا [المستشفى] وهم يعانون من نقص الأكسجين، ثم صرخ أحد المتواجدين عند الباب، وهو أحد متطوعي الخوذ البيضاء، غاز! ، قبل أن تبدأ حالة الذعر.
وتابع "الرحباني"، "بدأ الناس يرمون الماء فوق بعضهم البعض، نعم، تم تصوير الفيديو هنا، إنه حقيقي، ولكن ما تراه هو الأشخاص الذين يعانون من نقص الأكسجة - وليس التسمم بالغاز"، على حد قوله.
لا مبالاة بالضربة الغربية
وعبر الصحفي عن دهشته، لعدم تمكنه من العثور على شخص واحد، أبدى أدنى اهتمام بالهجمات الجوية الغربية رداً على هجوم "دوما"، حيث يقول، "بعد الدردشة مع أكثر من 20 شخص، أخبرني اثنان فعلاً أنهما لا يعرفان الصلة بين الهجوم، والضربة".
الخوذ البيضاء
وبحسب الصحفي فإنه حاول السماع إلى جانب "الخوذ البيضاء" من القصة، لكن ذلك لم يحدث هنا، حيثُ أخبرته سيدةٌ، أن جميعَ أعضاء المنظمة الإنسانية في دوما تخلوا عن مقارهم الرئيسية واختاروا ركوب الحافلات الحكومية والروسية إلى محافظة إدلب.
طبيب من جمعية “سامز” لروزنة: تقرير فيسك سطحي، غير دقيق، ومعيب
من جهة أخرى، قال العامل في المجال الطبي "بسام أبو بشير" الذي كان يقيمُ في دوما لـ "روزنة" اليوم، "لم يكن (هجوم دوما) المرة الأولى التي يستهدف فيها النظام المجرم، الأهالي بالغازات السامة مشيراً إلى أنه تم استهداف الغوطة، بذات الأسلحة، أكثر من 20 مرة، خلال 5 سنوات الأخيرة.
وقال "أبو بشير" أن الجمعية الطبية الأمريكية سامز، الذي يعمل كمتحدثٍ أعلامي فيها، وثقت خلال 2018 استهداف الغوطة الشرقية بغاز الكلور على الأقل 8 مرات، في حين قال، "الضربة في دوما كانت أقوى (..) كان هناك علامات تشير بشكل مؤكد، على أنها نفذت بغاز الكلور، إلا أنه كان مرفقاً بغاز آخر، يرجح أنه السارين".
وأوضحَ "أبو بشير"، "كانت الأعراض زرقة مركزية شديدة، ضيق بالتنفس، أصوات خرخرة في الصدر، حلقات دبوسية، احمرار شديد مع حروقات في قرنية العين، وخروج زبد من الفم، مشيراً إلى أن خروج الزبد من الفم، هو إشارة صريحة على وجود غاز السارين.
وتعليقاً على تقرير الصحفي "روبرت فيسك"، قال "أبو بشير"، أنا أسف أن أقول للصحفي، أن هذا الكلام يفتقر إلى المصداقية(...) إنه كلام سطحي جداً، غير دقيق، ومعيب"، موضحاً، "صحيح أننا كنا نعاني من ظروف صحية سيئة في الأقبية، لكنها ليست بالتأكيد، سبباً لمقتل مئات المدنيين".
استمع للقاء روزنة مع "بسام أبو بشير"، أحد العاملين في الحقل الطبي، والمتحدث الإعلامي باسم جميعة سامز الأمريكية.
وأسفر هجوم على "دوما" بغازات سامة السبت 7 نيسان، عن مقتل ما يزيد عن 70 شخصٍ، فيما أُصيبَ مئاتٌ آخرون بحالات اختناق، في حادثة ألقت الدول الغربية اللوم فيها، على النظام السوري، حيث ردت عليه بإدانات واسعة، وبشنِّ قوات أمريكية وفرنسية وبريطانية، ضربة استهدفت مواقع له.
وكشفَ تقريرٌ للمخابرات الفرنسية، رفعت عنه السرية يوم السبت الماضي، وتضمن تحليلاً تقنياً للمزاعم المتعلقة بهجمات الغاز في سوريا، تورطَ حكومة النظام السوري في تنفيذ هجوم بالكيميائي في مدينة "دوما" السبت 7 نيسان.
كما نقلت مؤسسات إعلامية أمريكية عن مصادر قولها، أنه وباستخدام عينات بول ودماء من الناجين، تبين بالفعل استخدام أسلحة كيميائية بالهجوم، فيما قالت منظمة الصحة العالمية، أن شركاء لها على الأرض، عالجوا 500 مصاب، أظهروا أعراض التعرض لغاز سام.
ونفى النظام السوري، وروسيا مسؤوليتهما عن الهجوم، في حين أفشلت روسيا الأسبوع الماضي فقط، تمرير مشروعي قرار في مجلس الأمن، متعلقان بالتحقيق في هوية منفذ الهجوم، ومحاسبته، كما عملت على تأخير وصول فريق تفتيش تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى دوما، متذرعةً بـ "قضايا أمنية معلقة".