اختلف هجوم "دوما" الذي استخدمت فيه أسلحة كيميائية يوم السبت الماضي، عن جميع الهجمات السابقة التي تعرضت لها منطقة الغوطة الشرقية عموماً، بعد كشف أطباءٍ عن وجود مادةٍ كيميائية، غير "الكلور"، ساهمت بقتل العديد من المدنيين، ولم يتمكنوا من التعامل معها أثناء وقوع الهجوم.
ويتسابق خبراء غاز أعصاب، على تهريب عيناتٍ لجثث الضحايا، الذين سقطوا إثر الهجوم على "دوما"، والبالغ عددهم أكثر من 70 قتيل، ورغم صعوبة تهريبها، يمكن للجثث أن تُقدم أدلة حيوية للفنيين الأمريكيين، تُساعدهم على الكشف عن المادة الكيمائية تلك، حسب تقرير للـ "غارديان" البريطانية.
الأعراض
وعقب الهجوم، الذي وقع الساعة 7:30 مساءَ السبت، كافح العديدُ من المصابين، الذي أغرقوا العيادات الطبية، للتنفس، مع احتراق شديد في عيونهم، حيثُ ذهبَ حوالي 500 شخص إلى المرافق الصحية في اليوم التالي، تتفق أعراضها مع أعراض التعرض لمواد كيميائية سامة، وفق منظمة الصحة العالمية.
ورغم تعرض المنطقة لهجمات بلا هوادة، كان ما حدثَ أخيراً في دوما، أمراً غير عادي، حيثُ عالجَ الأطباء أعراضاً لم يروها من قبل، فبعض المصابين كان متشنجاً، وآخرون عانوا من ضعف البصر، وبطء معدل ضربات القلب، لدرجة سمحت بالكاد لهم، البقاء على قيد الحياة، وسطَ معلوماتٍ عن مواد أخرى، غير الكلور، استخدمت خلال الهجوم.
وقال أحد الأطباء المعنيين من المنطقة للصحيفة، رفض الكشف عن اسمه، "كان هناك شيء يعمل على إلحاق الضرر بالجهاز العصبي، والكلور لا يفعل ذلك"، مضيفاً، "بينما كان هناك بوضوح علامات التعرض للكلور على بعض المصابين الذين عالجناهم، كان هناك أيضًا شيء آخر".
سعيٌ حثيث لتهريب عينات من جثث الضحايا
ومنذ وقوع الهجوم، قام فنيو المخابرات، بالعمل جاهداً، على صور الأقمار الصناعية، واعتراض الراديو ومسارات الطيران، في محاولة لتحديد ما حدث في دوما، بينما استعد المسؤولون في الأردن، للحصول على عينات بيولوجية من مئات الضحايا، حتى من نجى منهم، حسب الصحيفة.
ولقد كان الحصول على عينات، وخاصة الجثث، وإرسالها إلى المختبرات من أهم الأولويات هذا الأسبوع، حيث حاولت الولايات المتحدة إثبات ما إذا كان الغاز الذي تم استخدامه في الهجوم، يحتوي على ما هو أكثر من "الكلور".
عامل الوقت
وقال أحد المسؤولين الذين فحصوا عينات أخذت من المرضى بعد ضربات السارين في الغوطة في آب 2013 وفي خان شيخون في نيسان العام الماضي، "الدم والبول سيكشفان عن ما تم استخدامه، لمدة تصل إلى أسبوع، وربما لفترة أطول"، مشدداً، "[عوامل الأعصاب] تتحلل بسرعة كبيرة في الموقع".
وأضاف المسؤول للصحيفة، "إذا كانت هناك مهمة تقصي الحقائق تنوي أن تكون منتجة، فيتعين عليها الوصول إلى المنطقة، على الفور".
وقال "جيري سميث"، الذي قاد بعثة الأمم المتحدة للإشراف على سحب مخزون النظام السوري أواخر 2013، "إن الأعراض التي أظهرها المصابون، توحي بالتعرض إلى عامل بالإضافة إلى الكلور"، موضحاً، "من الجدير توضيح المعلوم، وهو معدلات الإصابات والسرعة الظاهرة للموت والارتجاف (..) إن السم القائم على الفوسفات العضوي، بما في ذلك غاز السارين، يسبب هكذا أعراض".
مسرح الجريمة
ودرست وكالات الاستخبارات في باريس ولندن وواشنطن هذا الأسبوع، مقاطع فيديو من مسرح الجريمة، حالة معظم الوفيات، حيثُ قال مسؤولون أميركيون إن المصابين بدوا مشابهين للصور التي التقطت في أعقاب هجومين آخرين بغاز السارين، كانا أثارا إدانة واسعة النطاق للنظام السوري.
واعتقدَ المسؤولون الأمريكيون الثلاثاء، أن القنبلة التي أصابت المبنى السكني المؤلف من ثلاثة طوابق في دوما تحتوي على الكلور وعامل أعصاب، فيما أصر المسؤولون العسكريون في العواصم الثلاثة، على أن القنبلة أسقطت من إحدى طائرتين مروحيتين تابعتين للنظام كانت قد أقلعت من قاعدة الدامر الجوية شمالي دوما قبل 30 دقيقة.
في الوقت نفسه، باءت محاولات قوات النظام اقتحام مدينة دوما بالفشل، آخر معقل للمعارضة على بوابات العاصمة دمشق، والتي كانت خاضعة لفصيل "جيش الإسلام"، حيثُ وافق الأخير على إخلاء المنطقة، بعد ساعات من تعرضها للهجوم.
ودخلت القوات الروسية، "دوما" الثلاثاء وفتشت المنزل الذي توفي فيه معظم الناس، حيث التقط قبل وصولهم، رجال الإنقاذ، أشرطة فيديو لأسطوانة صفراء كبيرة على سطح المبنى، سُحق أنفها بعد اصطدامها، كما تم العثور على صور قذيفة ثانية مشابهة، تم أخذها من غرفة نوم، لم يتم التأكد من أنها تعود لنفس المنزل.
وكلا الإسطوانتين كانتا شبيهتين جداً بالاسطوانات التي استخدمت على نطاق واسع في الغوطة وأماكن أخرى في سوريا لإسقاط قنابل الكلور، ولم تكن هناك تعديلات واضحة على أي منهما، مما جعل المسؤولين في واشنطن وأوروبا يتدافعون لفهم ما يمكن أن يتسبب بوقوع ضحايا على نطاق واسع.
وقال أحد المسؤولين الإقليميين: "إننا ننظر إلى إمكانية وجود عبوات منفصلة داخل الأسطوانة"، مضيفاً، "[محتويات] لا يمكن أن تكون مختلطة، لأن ذلك سيكون متقلبًا وغير مستقر، بل يمكن وضعها سوية فقط".