في السابع من شهر نيسان عام 1947 أُعلن عن تأسيس حزب البعث في دمشق، تحت شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة؛ وأهدافه وحدة حرية اشتراكية، وهي تجسد الوحدة العربية والتحرر من الاستعمار والإمبريالية، وإقامة النظام الاشتراكي العربي، كما يوصف الحزب نفسه على أنه مزيج من الاشتراكية، والقومية العربية والعلمانية.
وفي هذه المادة الصحفية يسرد لكم شهود معاصرين لوقائع من الذاكرة السورية استضافهم راديو روزنة، سعياً لتقديم توثيق تاريخي في ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، يروى من خلاله عرض وثائقي ينشر على جزئين (تقريراً صحفياً في جزئه الأول، على أن يبث أيضاً خلال وقت لاحق؛ وثائقياً إذاعياً ينفرد به راديو روزنة للحديث عن مراحل تاريخية مهمة من الذاكرة السورية)
وعن نشأة حزب البعث يتحدث الأمين العام لحزب البعث الديمقراطي المعارض "محمود جديد" لراديو روزنة عن الظروف التاريخية لتأسيس الحزب ونشوئه بالقول "لقد تأثر الحزب بالاشتراكية الإصلاحية التي كانت في فرنسا بسبب مؤسسيه (صلاح الدين البيطار وميشيل عفلق) أثناء دراستهم الجامعية في فرنسا"
ليثبت الحزب وجوده بعد ذلك؛ جراء تفاهم بين حزب البعث العربي (وهو الاسم الذي كان عليه الحزب بداية نشأته) قبل أن يندمج معه الحزب العربي الاشتراكي برئاسة أكرم الحوراني، ليمتد الحزب نفوذه بين صفوف الفلاحين الذين دعموا حزب البعث العربي لنضاله من أجل حقوقهم، وكذلك كسبوا تأييد العمال بعد الدعم الذي قدمه لهم الحوراني في مناطق من حماة وفي وسط سوريا؛ بحسب شهادة "جديد" لراديو روزنة.
ووصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم في سوريا عام 1963 بعد سلسلة من الاضطرابات السياسية في البلاد، وتميزت فترة حكم البعث والتي ماتزال مستمرة لليوم تميزت بالتفرد بالسلطة والاستبداد بشكل وصل إلى كل مفاصل الدولة، حيث ساعد حزب البعث الذي تزعمه حافظ الأسد منذ عام 1970 في تسلطه على المشهد السوري أجهزة أمنية بناها وربط بها مقومات الدولة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
صلاح جديد..مفتاح عبور الأسد للسلطة؟
برز اسم "صلاح جديد" كشخصية قيادية مؤثرة في حزب البعث إبان مرحلة انفراط عقد الوحدة بين مصر وسوريا في الستينيات من القرن الماضي، صلاح جديد الذي ترك دراسة الطب ليلتحق بالجيش السوري في نهاية عقد الخمسينات، أسس في مصر اللجنة العسكرية بالشراكة مع حافظ الأسد، محمد عمران، أحمد المير، عبد الكريم الجندي، عثمان كنعان ومنير الجيرودي، حيث جاءت تلك الخطوة كردة فعل على إعلان القيادة التاريخية لحزب البعث ممثلة بميشيل عفلق وصلاح البيطار، حل الحزب في عام 1958 تلبية لاشتراط الرئيس المصري في ذلك الوقت جمال عبد الناصر، بتجميد كل نشاط حزبي في سوريا كشرط لتحقيق الوحدة بين البلدين.
وحينما أُعلن انفصال سوريا عن مصر، اعتُقل صلاح جديد مع ضباط سوريين في مصر، وأُفرج عنه بعد أشهر قليلة، وتجددت اتصالات صلاح جديد بعدها بزملائه في اللجنة العسكرية، و شارك في انقلاب البعث على عبد الكريم النحلاوي في الثامن من آذار لعام 1963، باعتباره ثورة العامل والفلاح على حكومة الانفصال التي وصلت إلى السلطة بعد الانتخابات التي تلت الانفصال عن مصر، و تعزز بعدها مركزه في قيادة سلطة البعث من خلال الانقلاب على أمين الحافظ عام 1966، وقال في حينها قادة الانقلاب بأنهم يسعون لتطبيق برامج حزب البعث ومقرراته علميًا ورفع مستوى المعيشي لعموم الشعب العربي السوري، وتولى حينها جديد منصب الأمين العام المساعد للحزب منذ عام 1964 بعد أن استقال من الجيش.
وهنا بدأ نفوذ حافظ الأسد بالتوسع ليخلق صراعاً محتدماً بين جديد ووزير الدفاع حافظ الأسد آنذاك.
بعد أحداث أيلول في الأردن من العام 1970 (وهو الصراع الذي نشب بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية) رفض الأسد تنفيذ أوامر صلاح جديد بدعم منظمة التحرير، ليدعو جديد إلى مؤتمر استثنائي للحزب في 13تشرين الثاني 1970 قرر فيه تجريد الأسد مهامه، فما كان من حافظ الأسد إلا أن قام بتنفيذ انقلاب عسكري في السادس عشر من تشرين الثاني أمسك من خلاله بالسلطة ووضع صلاح جديد ونور الدين الأتاسي رئيس الدولة في حينها في الإقامة الجبرية قبل أن يأمر بسجنهما.
ويروي محمود جديد في شهادته لراديو روزنة عن تلك الحقبة " حين اشتداد الصراع (آنذاك) جاءت تعليمات من القيادة القومية (لحزب البعث) بدعم معركة حافظ الأسد ضد القيادة القطرية للحزب، وأبدى الضباط الانفصاليين دعمهم لحافظ الأسد، وكذلك أيضاً أيد حافظ الأسد؛ الضباط الذين كانوا يتبعون لدولاً خليجية، فضلاً عن الإتحاد السوفييتي آنذاك والذين أبدوا دعمهم لحافظ الأسد مقابل المساومة على القرار الدولي (242) للعمل على تصفية القضية الفلسطينية."
والقرار 242 هو الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 22 تشرين الثاني 1967، وجاء في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية التي وقعت في حزيران 1967 والتي أسفرت عن هزيمة الجيوش العربية واحتلال إسرائيل لمناطق عربية جديدة، وقد جاء هذا القرار كحل وسط بين عدة مشاريع قرارات طرحت للنقاش بعد الحرب، وورد في المادة الأولى، الفقرة أ: "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير"، وقد حذفت "أل" التعريف من كلمة "الأراضي" في النص الإنجليزي بهدف المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار، وإضافة إلى قضية الانسحاب فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنا بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين، ويشكل هذا القرار منذ صدوره صُلب كل المفاوضات والمساعي الدولية العربية لإيجاد "حل" للصراع العربي الإسرائيلي.
واعتبر "محمود جديد" في شهادته لراديو روزنة أن من جاء بحافظ الأسد لتزعم الحكم في سوريا كان هدفهم الرئيسي قطع الطريق على المشروع التقدمي اليساري الثوري لحزب البعث، لأنها باعتبار "جديد" كانت تجربة صالحة للاقتداء في تجميع العرب على أساسها، وأضاف "كان مشروعهم بأن تتحول سوريا إلى هانوي فلسطين، بأن يعملوا على جلب كل مناضلي العالم إلى سوريا من أجل الكفاح في فلسطين."
ويذكر محمود جديد خلال حديثه لروزنة بأنه في كل المراحل الأساسية من تاريخ حكم البعث كان صلاح جديد ضد حافظ الأسد خصوصاً بعد 5 حزيران 1967 وكان ضد ترفيعه عسكرياً حينما عمل رئيس الدولة آنذاك "أمين الحافظ" على ترفيعه لرتبة لواء وتسليمه سلاح الطيران، واعتبر "جديد" في شهادته لراديو روزنة أن حافظ الأسد كان يضع الناس ضمن ظروف الفساد حتى يستطيع ترويضهم كما يشاء ليكونوا ألعوبة بين يديه.
كاشفاً عن دعم خليجي كبير كان يقدم لحافظ الأسد وقت استلامه للحكم بمبالغ سنوية تقدر بثلاثة مليارات دولار، وكذلك فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخصص سنوياً لسوريا ما يقارب الـ 89 مليون دولار، لكن هذا الدعم توقف في عام 1989.
مشيراً في الوقت ذاته إلى توافر دعم دولي مؤيد لاستلام حافظ الأسد للسلطة آنذاك، وكان ذلك ضمن سياق تنفيذ القرار 242 المتعلق بتصفية القضية الفلسطينية، وحتى أيضا دخوله إلى لبنان كان ضمن هذا السياق، وكذلك في هذا السياق ذهب إلى القتال في الكويت تحت الراية الأمريكية.
الانشقاق.. ضرورة أم خلافات أيديولوجية
استطاع إبراهيم ماخوس الذي أسس حزب البعث الديمقراطي، من تفادي الاعتقال والسجن في عام 1970 بعد عملية التطهير التي بدأها حافظ الأسد في قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، ماخوس الذي كان قد تسلّم مرتين وزيراً للشؤون الخارجية في 1965-1968، لجأ الى الجزائر آنذاك ليؤسس مجموعة منشقّة عن البعث الأساسي؛ عرفت باسم حزب البعث العربي الاشتراكي الديمقراطي في عام 1970.
وفي العام 1979، انضمّ الحزب إلى ائتلاف الحركات اليسارية السورية المعروف "بالتجمع الوطني الديمقراطي"، إلى جانب الحزب الاشتراكي السوري، وحركة الاشتراكيين العرب، وحزب العمال الثوري، والاتحاد الديمقراطي الاشتراكي العربي، وبعد بدء الحراك الشعبي في سوريا عام 2011، انضمّ حزب البعث الديمقراطي إلى هيئة التنسيق الوطنية المعارضة.
القيادي في حزب البعث الديمقراطي المعارض "إبراهيم معروف" تحدث في شهادته لراديو روزنة أن حزب البعث الديمقراطي بدأ عهده منذ اعتقال قيادات الحزب في الجناح الأساسي لحزب البعث؛ معتبراً أن نظام البعث في طيلة مراحل سلطته بقي متمسك باستبداده وديكتاتوريته ولا يقبل أي عمل وطني معارض له، معتبراً أن نظام البعث الاشتراكي عندما دعا إلى الجبهة الوطنية التقدمية في عام 1972؛ فقد كان النظام يقصد إلى إحداث انشقاقات ضمن تلك الأحزاب التي ضمها للجبهة.
وعلى عكس البعثية التاريخية التي تدعو إلى السيطرة السياسية على الدولة، فإن حزب البعث الديمقراطي يدعم التعددية الديمقراطية، كما يدعو إلى تنفيذ القوانين التي تكرس حرية التعبير وحرية التجمع وتكافؤ الفرص التي لم يتم تنفيذها في سوريا رغم إدراجها في الدستور، ويشير "معروف" في شهادته لروزنة أن حزب البعث الديمقراطي تعاون مع الأحزاب الوطنية المعارضة والتي شكل معها "التجمع الوطني الديمقراطي" نهاية عام 1979، حيث استمر العمل المشترك ضمن التجمع حتى عام 2005 قبل إطلاق "إعلان دمشق".
واعتبر "معروف" أن حافظ الأسد اعتمد على أجهزة أمنية منفلتة لإسكات أي صوت يخالف توجهات السلطة؛ "النظام لم يقبل أي صوت آخر غير صوته."
..تفاصيل أكثر ترقبوها في جزء جديد لشهادات من الذاكرة السورية على موقع راديو روزنة..
وفي هذه المادة الصحفية يسرد لكم شهود معاصرين لوقائع من الذاكرة السورية استضافهم راديو روزنة، سعياً لتقديم توثيق تاريخي في ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، يروى من خلاله عرض وثائقي ينشر على جزئين (تقريراً صحفياً في جزئه الأول، على أن يبث أيضاً خلال وقت لاحق؛ وثائقياً إذاعياً ينفرد به راديو روزنة للحديث عن مراحل تاريخية مهمة من الذاكرة السورية)
وعن نشأة حزب البعث يتحدث الأمين العام لحزب البعث الديمقراطي المعارض "محمود جديد" لراديو روزنة عن الظروف التاريخية لتأسيس الحزب ونشوئه بالقول "لقد تأثر الحزب بالاشتراكية الإصلاحية التي كانت في فرنسا بسبب مؤسسيه (صلاح الدين البيطار وميشيل عفلق) أثناء دراستهم الجامعية في فرنسا"
ليثبت الحزب وجوده بعد ذلك؛ جراء تفاهم بين حزب البعث العربي (وهو الاسم الذي كان عليه الحزب بداية نشأته) قبل أن يندمج معه الحزب العربي الاشتراكي برئاسة أكرم الحوراني، ليمتد الحزب نفوذه بين صفوف الفلاحين الذين دعموا حزب البعث العربي لنضاله من أجل حقوقهم، وكذلك كسبوا تأييد العمال بعد الدعم الذي قدمه لهم الحوراني في مناطق من حماة وفي وسط سوريا؛ بحسب شهادة "جديد" لراديو روزنة.
ووصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم في سوريا عام 1963 بعد سلسلة من الاضطرابات السياسية في البلاد، وتميزت فترة حكم البعث والتي ماتزال مستمرة لليوم تميزت بالتفرد بالسلطة والاستبداد بشكل وصل إلى كل مفاصل الدولة، حيث ساعد حزب البعث الذي تزعمه حافظ الأسد منذ عام 1970 في تسلطه على المشهد السوري أجهزة أمنية بناها وربط بها مقومات الدولة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
صلاح جديد..مفتاح عبور الأسد للسلطة؟
برز اسم "صلاح جديد" كشخصية قيادية مؤثرة في حزب البعث إبان مرحلة انفراط عقد الوحدة بين مصر وسوريا في الستينيات من القرن الماضي، صلاح جديد الذي ترك دراسة الطب ليلتحق بالجيش السوري في نهاية عقد الخمسينات، أسس في مصر اللجنة العسكرية بالشراكة مع حافظ الأسد، محمد عمران، أحمد المير، عبد الكريم الجندي، عثمان كنعان ومنير الجيرودي، حيث جاءت تلك الخطوة كردة فعل على إعلان القيادة التاريخية لحزب البعث ممثلة بميشيل عفلق وصلاح البيطار، حل الحزب في عام 1958 تلبية لاشتراط الرئيس المصري في ذلك الوقت جمال عبد الناصر، بتجميد كل نشاط حزبي في سوريا كشرط لتحقيق الوحدة بين البلدين.
وحينما أُعلن انفصال سوريا عن مصر، اعتُقل صلاح جديد مع ضباط سوريين في مصر، وأُفرج عنه بعد أشهر قليلة، وتجددت اتصالات صلاح جديد بعدها بزملائه في اللجنة العسكرية، و شارك في انقلاب البعث على عبد الكريم النحلاوي في الثامن من آذار لعام 1963، باعتباره ثورة العامل والفلاح على حكومة الانفصال التي وصلت إلى السلطة بعد الانتخابات التي تلت الانفصال عن مصر، و تعزز بعدها مركزه في قيادة سلطة البعث من خلال الانقلاب على أمين الحافظ عام 1966، وقال في حينها قادة الانقلاب بأنهم يسعون لتطبيق برامج حزب البعث ومقرراته علميًا ورفع مستوى المعيشي لعموم الشعب العربي السوري، وتولى حينها جديد منصب الأمين العام المساعد للحزب منذ عام 1964 بعد أن استقال من الجيش.
وهنا بدأ نفوذ حافظ الأسد بالتوسع ليخلق صراعاً محتدماً بين جديد ووزير الدفاع حافظ الأسد آنذاك.
بعد أحداث أيلول في الأردن من العام 1970 (وهو الصراع الذي نشب بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية) رفض الأسد تنفيذ أوامر صلاح جديد بدعم منظمة التحرير، ليدعو جديد إلى مؤتمر استثنائي للحزب في 13تشرين الثاني 1970 قرر فيه تجريد الأسد مهامه، فما كان من حافظ الأسد إلا أن قام بتنفيذ انقلاب عسكري في السادس عشر من تشرين الثاني أمسك من خلاله بالسلطة ووضع صلاح جديد ونور الدين الأتاسي رئيس الدولة في حينها في الإقامة الجبرية قبل أن يأمر بسجنهما.
ويروي محمود جديد في شهادته لراديو روزنة عن تلك الحقبة " حين اشتداد الصراع (آنذاك) جاءت تعليمات من القيادة القومية (لحزب البعث) بدعم معركة حافظ الأسد ضد القيادة القطرية للحزب، وأبدى الضباط الانفصاليين دعمهم لحافظ الأسد، وكذلك أيضاً أيد حافظ الأسد؛ الضباط الذين كانوا يتبعون لدولاً خليجية، فضلاً عن الإتحاد السوفييتي آنذاك والذين أبدوا دعمهم لحافظ الأسد مقابل المساومة على القرار الدولي (242) للعمل على تصفية القضية الفلسطينية."
والقرار 242 هو الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 22 تشرين الثاني 1967، وجاء في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية التي وقعت في حزيران 1967 والتي أسفرت عن هزيمة الجيوش العربية واحتلال إسرائيل لمناطق عربية جديدة، وقد جاء هذا القرار كحل وسط بين عدة مشاريع قرارات طرحت للنقاش بعد الحرب، وورد في المادة الأولى، الفقرة أ: "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير"، وقد حذفت "أل" التعريف من كلمة "الأراضي" في النص الإنجليزي بهدف المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار، وإضافة إلى قضية الانسحاب فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنا بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين، ويشكل هذا القرار منذ صدوره صُلب كل المفاوضات والمساعي الدولية العربية لإيجاد "حل" للصراع العربي الإسرائيلي.
واعتبر "محمود جديد" في شهادته لراديو روزنة أن من جاء بحافظ الأسد لتزعم الحكم في سوريا كان هدفهم الرئيسي قطع الطريق على المشروع التقدمي اليساري الثوري لحزب البعث، لأنها باعتبار "جديد" كانت تجربة صالحة للاقتداء في تجميع العرب على أساسها، وأضاف "كان مشروعهم بأن تتحول سوريا إلى هانوي فلسطين، بأن يعملوا على جلب كل مناضلي العالم إلى سوريا من أجل الكفاح في فلسطين."
ويذكر محمود جديد خلال حديثه لروزنة بأنه في كل المراحل الأساسية من تاريخ حكم البعث كان صلاح جديد ضد حافظ الأسد خصوصاً بعد 5 حزيران 1967 وكان ضد ترفيعه عسكرياً حينما عمل رئيس الدولة آنذاك "أمين الحافظ" على ترفيعه لرتبة لواء وتسليمه سلاح الطيران، واعتبر "جديد" في شهادته لراديو روزنة أن حافظ الأسد كان يضع الناس ضمن ظروف الفساد حتى يستطيع ترويضهم كما يشاء ليكونوا ألعوبة بين يديه.
كاشفاً عن دعم خليجي كبير كان يقدم لحافظ الأسد وقت استلامه للحكم بمبالغ سنوية تقدر بثلاثة مليارات دولار، وكذلك فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخصص سنوياً لسوريا ما يقارب الـ 89 مليون دولار، لكن هذا الدعم توقف في عام 1989.
مشيراً في الوقت ذاته إلى توافر دعم دولي مؤيد لاستلام حافظ الأسد للسلطة آنذاك، وكان ذلك ضمن سياق تنفيذ القرار 242 المتعلق بتصفية القضية الفلسطينية، وحتى أيضا دخوله إلى لبنان كان ضمن هذا السياق، وكذلك في هذا السياق ذهب إلى القتال في الكويت تحت الراية الأمريكية.
الانشقاق.. ضرورة أم خلافات أيديولوجية
استطاع إبراهيم ماخوس الذي أسس حزب البعث الديمقراطي، من تفادي الاعتقال والسجن في عام 1970 بعد عملية التطهير التي بدأها حافظ الأسد في قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، ماخوس الذي كان قد تسلّم مرتين وزيراً للشؤون الخارجية في 1965-1968، لجأ الى الجزائر آنذاك ليؤسس مجموعة منشقّة عن البعث الأساسي؛ عرفت باسم حزب البعث العربي الاشتراكي الديمقراطي في عام 1970.
وفي العام 1979، انضمّ الحزب إلى ائتلاف الحركات اليسارية السورية المعروف "بالتجمع الوطني الديمقراطي"، إلى جانب الحزب الاشتراكي السوري، وحركة الاشتراكيين العرب، وحزب العمال الثوري، والاتحاد الديمقراطي الاشتراكي العربي، وبعد بدء الحراك الشعبي في سوريا عام 2011، انضمّ حزب البعث الديمقراطي إلى هيئة التنسيق الوطنية المعارضة.
القيادي في حزب البعث الديمقراطي المعارض "إبراهيم معروف" تحدث في شهادته لراديو روزنة أن حزب البعث الديمقراطي بدأ عهده منذ اعتقال قيادات الحزب في الجناح الأساسي لحزب البعث؛ معتبراً أن نظام البعث في طيلة مراحل سلطته بقي متمسك باستبداده وديكتاتوريته ولا يقبل أي عمل وطني معارض له، معتبراً أن نظام البعث الاشتراكي عندما دعا إلى الجبهة الوطنية التقدمية في عام 1972؛ فقد كان النظام يقصد إلى إحداث انشقاقات ضمن تلك الأحزاب التي ضمها للجبهة.
وعلى عكس البعثية التاريخية التي تدعو إلى السيطرة السياسية على الدولة، فإن حزب البعث الديمقراطي يدعم التعددية الديمقراطية، كما يدعو إلى تنفيذ القوانين التي تكرس حرية التعبير وحرية التجمع وتكافؤ الفرص التي لم يتم تنفيذها في سوريا رغم إدراجها في الدستور، ويشير "معروف" في شهادته لروزنة أن حزب البعث الديمقراطي تعاون مع الأحزاب الوطنية المعارضة والتي شكل معها "التجمع الوطني الديمقراطي" نهاية عام 1979، حيث استمر العمل المشترك ضمن التجمع حتى عام 2005 قبل إطلاق "إعلان دمشق".
واعتبر "معروف" أن حافظ الأسد اعتمد على أجهزة أمنية منفلتة لإسكات أي صوت يخالف توجهات السلطة؛ "النظام لم يقبل أي صوت آخر غير صوته."
..تفاصيل أكثر ترقبوها في جزء جديد لشهادات من الذاكرة السورية على موقع راديو روزنة..