بعد سوريا… هل توسع روسيا نفوذها في لبنان؟

بعد سوريا… هل توسع روسيا نفوذها في لبنان؟
أخبار | 16 مارس 2018
موقع (csmonitor) - يتعينُ على "لبنان" المثقل بالديون، والذي يعاني من قائمة طويلة من المشاكل السياسة، الرد على عرضٍ روسيٍّ، لتزويده بأسلحة بقيمة مليار دولارٍ أمريكي بشروطٍ ملائمة، في حين يقول محللون ودبلوماسيون، إن هذه الصفقة تهدف إلى تقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتمثل تحولاً في السياسة الروسية مع دخول الحرب في سوريا مرحلة، متعددة الجنسيات، أكثر تعقيداً.
 
وقد لا تبدوُ واضحة للوهلة الأولى، أسبابُ إبداءِ "روسيا"، القوةِ العالميةِ المتنامية، بعد نجاحها باستعادة موطئ قدمٍ لها في سوريا، اهتماماً كبيراً في "لبنان" البلد الصغير في شرق المتوسط، الذي كان ذات مرة، دولة تابعة لجارتها سوريا الأكثر قوة، يتصارع مع قائمة طويلة من المشاكل السياسية والاقتصادية.
 
لدى "لبنان"، نظام سياسي طائفي معقد، كما يستضيف حوالي مليون لاجئ سوري، ويعاني من اقتصاد راكد، أثقلَ عليه بالديون، وبالإضافة إلى ذلك، يبدو لبنان وكأنه يجثو إلى الأبد على حافة حرب كارثية محتملة بين إسرائيل وحزب الله، القوة السياسية المهيمنة في البلاد، المدعومة إيرانياً.
 
وبالتزامن مع إبداء الولايات المتحدة وروسيا حالة من التأهب في سوريا، حيث تدخل الحرب ذات السبعة أعوام، مرحلة متعددة الجنسيات أكثر تعقيداً، يبدو أن "موسكو"، الداعم الأبرز للـ "الأسد"، تعاود حساباتها، عبر الاعتقاد بأنها تستطيع توسيع نفوذها، ضد "واشنطن"، في لبنان.
 
وقد تهدد هذه الاتفاقية إن تمت، بتقويض برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية الحالي، والذي بلغَ ما قيمتهُ أكثر من 1.6 مليار دولار، من الأسلحة والتدريب والمعدات، سُلمت إلى الجيش اللبناني منذ عام 2006، وقد ناقش كلٌ من لبنان وروسيا، صفقات أسلحة محتملة منذ عام 2009، لكن لم تُظهر "موسكو"، إلا مؤخراً استعدادها لدعم حزمة كبيرة من الأسلحة.
 
وإن الخط الائتماني الذي تبلغ قيمته مليار دولار، والذي يتضمن فترة سدادٍ مدتها 15 عاماً بفائدة صفر بالمائة، قد يكون أكثر من كونه رغبة روسية لبيع أسلحة إلى لبنان، بل يبدو الهدف منه، بناء مساحة نفوذٍ أوسع لروسيا، في هذا البلد الصغير، خصوصاً مع تنامي المنافسة مع الولايات المتحدة في سوريا، بحسب محللين وسياسيين لبنانيين.
 
ويقول أحد النواب اللبنانيين المطلعين على الصفقة، "هذا العرض يشير إلى تحول سياسي من قبل روسيا تجاه لبنان"، مضيفاً، "في وقت من الأوقات لم يكن هناك اهتمام من روسيا في تمويل صفقة أسلحة، لكن كلما ازداد الخلاف في سوريا مع الأميركيين، كلما أظهر الروس اهتماماً أكبر هنا، الأمرُ الذي جعل الراعيين الأميركيين والبريطانيين للجيش اللبناني، متوترين".
 
بم يخاطر لبنان؟
 
وقد أشارت الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتان تدعمان الجيش اللبناني، إلى الحكومة اللبنانية بأن برامج المساعدات العسكرية يمكن أن تتعرض للخطر إذا قبلت بيروت العرض الروسي، بحسب عدد من السياسيين والمحللين والدبلوماسيين الأجانب في بيروت.
 
وعلاوة على ذلك، يحذر المحللون من أن لبنان قد يواجه عقوبات أمريكية إذا تعامل مع شركات الأسلحة الروسية التي تم وضعها على القائمة السوداء من قِبل "قانون مناهضة خصوم أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA)"، الذي تم تبنيه الصيف الماضي، ويستهدفُ روسيا وكوريا الشمالية وإيران.
 
ويقول الرئيس التنفيذي لمجموعة "مورتونز غروب"، وهي شركة استشارات استراتيجية في واشنطن، "أرام نيرغويزيان"، "إن العقوبات المفروضة بموجب قانون (CAATSA) في الولايات المتحدة، يعرضُ لبنان، لخطر جعله بلداً منبوذاً إقليمياً، مع تأثيرات طويلة الأمد على استقرار لبنان".
 
وتنكر مصادر مقربة من الحكومة اللبنانية تلقيها أي تحذيرات من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، لافتةً إلى أن العرض الروسي لم يتم قبوله بعد، وفي مثل هذه الحالات، حسبما يقول أحد المصادر، إن الحكومة اللبنانية تطلب من الجيش تقييم ما إذا كان العرض يناسب متطلباته وقدراته.
 
"ويتابع المصدر الذي طلبَ عدمَ الكشف عن اسمه، "هذا لم يتم الرد عليه بعد"، مضيفاً، "في جميع الحالات، لن تعرض الحكومة والجيش اللبناني العلاقات الاستراتيجية القائمة، للخطر، إنهم بالغون ولا يحتاجون إلى تحذيرات".
 
إلا أن الحكومة اللبنانية كانت حريصة على إقامة علاقات أوثق مع روسيا، ربما اعترافًا بتزايد نفوذ موسكو في الجوار المباشر في لبنان، حيثُ أجرى رئيس الوزراء "سعد الحريري" في أيلول الماضي، زيارة إلى روسيا، سعى من خلالها للتعاون الاقتصادي والعسكري الثنائي، كما ناقش مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، "المساعدة العسكرية الروسية وطرق تطوير هذه العلاقة".
 
وذكرت وسائل إعلام روسية الشهر الماضي أن موسكو تريد البدء في التفاوض على اتفاقية تعاون عسكري مع لبنان. وقالت التقارير إن الاتفاق المطروح، سيسمح لروسيا باستخدام الموانئ والمطارات اللبنانية بالإضافة إلى تدريب روسيا للجيش اللبناني، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة.
 
كما تسعى الشركات الروسية للحصول على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الساحلية اللبنانية، وتتطلع الدولتان إلى تعزيز التبادل الثقافي بينهما، حيثُ تعتزم روسيا فتح مدرسة للغة الروسية في سهل البقاع في لبنان.
 
المنافسة في سوريا

يقول دبلوماسي أوروبي في "بيروت"، "روسيا تعتبر لبنان ساحة أخرى يمكن لها أن تقضي فيها على النفوذ الأمريكي"، مضيفاً، "آخر تأثير حقيقي للولايات المتحدة في لبنان هو العلاقة مع الجيش اللبناني، إنه يمنح واشنطن مقعداً على الطاولة. "
 
وفي آب الماضي، هزم الجيش اللبناني عدة مئات من مقاتلي الدولة الإسلامية وأخرجهم من معقلهم الجبلي في شمال شرق لبنان، حيثُ أظهرت الحملة القصيرة، التحسينات التي أُدخلت على قدرات الجيش على مدى العقد الماضي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى برامج الدعم الأمريكية والبريطانية.
 
ومع ذلك، طُرحت أسئلة في واشنطن حول مستقبل برامج الدعم هذه، حيثُ يجادل المنتقدون بأن الولايات المتحدة تهدر أموال دافعي الضرائب من خلال تمويل جيش لبناني متهم بالتواطؤ مع حزب الله، الذي تُصنفه واشنطن على أنه منظمة إرهابية.
 
قال "إليوت أبرامز"، وهو زميل رفيعٌ في مجلس العلاقات الخارجية للكونغرس، تشرين الثاني الماضي، "إذا حاولنا جعل الجيش اللبناني موازيا بالقوة لحزب الله، فقد فشلنا".
 
من ناحية أخرى، إذا تخلت الولايات المتحدة عن برنامج دعمها للجيش، فإنها ستقلص نفوذ واشنطن في لبنان وتسمح للاعبين الآخرين مثل روسيا وإيران (التي عرضت أيضاً تزويد الجيش اللبناني) بملء الفراغ، كما يقول المحللون.
 
معادلة موازين القوى - حزب الله المدعوم إيرانياً
 
بالنسبة للبعض في لبنان، فإن زيادة النفوذ الروسي، يمكن أن يكون بمثابة معادلة لموازين القوى، حيثُ يهيمنُ حزب الله على السياسة في لبنان، وبشكل غير مباشر من قبل إيران الراعية له.
 
إيران وروسيا حليفتان في ساحة المعركة في سوريا، حيث ساهمت القوات البرية السابقة والقوات الجوية الأخيرة بشكل كبير، بجعل المناهضين للأسد، أكثر قرباً من الهزيمة.
 
لكن مصالح البلدين يمكن أن تبدأ في التباين مع انتهاء الصراع. مصلحة روسيا هي توسيع نفوذها في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة والبحث عن فرص تجارية للشركات الروسية. هدف إيران الرئيسي في سوريا هو تعزيز وتوسيع تحالفها المناهض لإسرائيل. ويمكن أن يثبت جدولا العمل أنهما غير متوافقين على المدى الأطول.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق