كتبَ المحلل السياسي الهولندي "ويليام أوستر فيلد" مقالةً لـموقع "أي يو أوبزرفر" انتقد فيها، السياسة والاستراتيجية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي تجاه ما يحصل في سوريا، مستعرضاً خياراتٍ أخرى لدى الاتحاد، من شأنها أن تحوله لكيانٍ أكثر نفوذاً في سوريا، ما يساعده على إنهاء الصراع.
ويقول "ويليام أوستر فيلد"، تستغرق رحلةُ السفر من العاصمة القبرصية "نيقوسيا" إلى "دمشق"، حوالي نصف ساعة فقط، كما تستغرق رحلة السفر من "برلين" أو "باريس" إلى ذات الوجهة، حوالي أربع ساعات، وهكذا، فإنه وبالفعل، الحرب السورية تدور على أعتاب "أوروبا".
وعلى الرغم من ذلك، فإن استراتيجية الاتحاد الأوروبي الحالية تُجاه سوريا، لا تتناسب إلا "قليلاً"، مع مدى قرب الصراع من حدوده الجغرافية، كما أنها لم تُساعد في تعزيز المصالح الاستراتيجية الأوروبية في المنطقة ككل، لا سيما باعتباره كيانٍ "شبه غير مرئي" في محادثات السلام على اختلافها.
وبحسب "أوستر فيلد"، فإن اتباع الاتحاد الأوروبي، لنهجٍ جيوسياسيٍّ جديد أكثر جاذبية، من شأنه أن يدفع باتجاه مزيد من الأرباح للاتحاد الأوروبي.
تردد الأوربيين
إن الاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي، كان عليه أن يبذلُ مزيداً من الجهود لملاحقة تطور الأحداث في سوريا، هو أمر محق تماماً، خصوصاً، أن حالة عدم الاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لا تصبُ بالمصلحة طويلة الأمد، للبلدان الأوروبية جمعاء.
ومع تزايد الترابط بين أجزاء هذه المنطقة البحرية، يتعين على أوروبا أن تتطلع إلى شواطئ من أجل توفير أمنها الخاص، حيثُ أنه وفي بعض النواحي، تقومُ أوروبا فقط، بتأدية دور الشاهد على عمليات "صوفيا" في المتوسط، وساحل "EUCAP" شمال أفريقيا، لكنها غابت تماماً، عن مسرح الصراع الأكثر تأثيراً على الأرض، سوريا.
ولعل إحجام أوروبا عن التدخل فيما هو مُعقد، أمر مفهوم، فقد ثبت أن الصراع السوري صراعٌ مستعصي يضم عدداً لا يحصى من الأطراف المحلية، في وقتٍ تتزايد فيه المخاطر، حيال تصعيد بين اللاعبين الخارجيين الرئيسيين.
أوروبا تتصرف كما لو أنها "تعلمت الدرس" من حروب سابقة
العديدُ من الدول الأوروبية تضررت بشكل كبير، بسبب إما، انخراطها في حرب العراق، أو لمشاركتهم في التدخل الفاشل بليبيا عام 2011، أو أنهم الآن، يتساءلون عن مزايا مشاركتهم في حرب أفغانستان، التي تبدو كحربٍ لا نهاية لها.
وبصورة أعم، يمكن إرجاعُ دور أوروبا الخجول إلى حقيقة أنها لا تزال تفضل أن ترى نفسها كـ "سلطة ما بعد الحداثة"، التي لا تنوي تلطيخ يديها، عبر ممارسة نفوذٍ جيوسياسي مبالغ فيه.
ولكن الواقع هو أنه إذا كان للاتحاد الأوروبي أي نفوذ في تشكيل نتيجة الصراع السوري، فسيتعين عليه أن يعمل كلاعب جيوسياسي معلنٍ عنه، وهذا لا يعني بالضرورة أنه يحتاج إلى نشر قوة عسكرية، لكنه يعني أن أوروبا لا يمكن أن تحصل على مبتغاها، إلا إذا كانت مستعدة للعب في ساحةِ "احتياجات" اللاعبين الرئيسيين على أرض الواقع، أي ثلاثي أستانة، روسيا وإيران وتركيا.
كيف يمكن للاتحاد الأوروبي تحقيق أهدافه في سوريا؟
لعل أفضل الإجابات المفتاحية لهذا السؤال، تكمن في المشاركة بـ "سياسة الربط" مع روسيا وإيران وتركيا، وهي القوى الرئيسية التي تؤثر على الأحداث على الأرض في سوريا، ما يعني بعبارةٍ أخرى، تعبئة النفوذ الحقيقي الذي يمتلكه الأوروبيون في مناطق أخرى، من أجل تحفيز الجهات المعنية العنيدة، في موسكو وطهران وأنقرة، للموافقة على رؤية الاتحاد الأوروبي بخصوص سوريا ديمقراطية ومستقرة ومزدهرة، إلا إن استراتيجية الاتحاد الأوروبي الحالية تجاه سوريا، التي بدءَ اتباعها منذ حوالي عام، لا تتقاطع مع هذه الرؤيا.
وعلى عكس المطلوب، فإن الاستراتيجية العالمية للاتحاد لعام 2016، تتركز في العمل على أن يكون أكثر انضباطاً عوضاً عن ممارسة البراغماتية، مشددًا في الوقت عينه، على ضرورة تعزيز "الديمقراطية وحقوق الإنسان" وتحقيق "انتقال شامل" للحكم، ويجب أن يتحقق هذا من خلال دعم وإصلاح قطاع الأمن، وتشكيل حكمٍ مناسب، وترسيخ سيادة القانون.
ومع ذلك، وبغض النظر عن حقيقة أن هذه كلها مجالات ذات حساسية سياسية كبيرة، فمن غير المحتمل أن يشكل هذا النوع من الدعم، تحفيزاً مقنعاً، لدعوة بوتين والآخرين حوله، وجلبهم للتوقيع على أجندة الاتحاد الأوروبي.
بدلاً من ذلك، مع روسيا، سيكون أحد السبل هو العمل معاً بشكل أوثق على ليبيا من أجل تحقيق الاستقرار هناك.
مع إيران، يمكن تعبئة النفوذ الاقتصادي الأوروبي كوسيلة لمحاولة إقناع طهران بأن تصبح لاعباً بنّاءاً أكثر في المنطقة ككل، كما يمكن أن تستخدم أوروبا، علاقاتها مع السعودية، للمساعدة في نزع فتيل الأزمة المشتعلة في أنحاء الخليج الفارسي.
أما تركيا، فربما تشكل التحدي الشائك، لكن بالنسبة لأنقرة، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يحدث فرقاً حقيقياً على سبيل المثال في المساعدة على عكس الأزمة الجيوسياسية الوشيكة في شرق المتوسط.
خلق مساحات للمناورة
ومن ثم، ينبغي أن يكون للاتحاد الأوروبي مصلحة في توسيع خيارات سياسته من أجل خلق نفوذ حقيقي عندما يكون هذا غير موجود. هذا الارتباط هو بالفعل جزء لا يتجزأ من السياسة الإقليمية وهو واضح تماما: فكّر في كيفية لعب روسيا وإيران وتركيا بالفعل بطاقات مختلفة في مسارح مختلفة في أنحاء الشرق الأوسط.
وتعتبر سوريا نفسها، نقطةَ ارتكاز "سياسة الربط" في المنطقة.
بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هذا يعني أنه بحاجة إلى التعبير عن مصالحه الاستراتيجية الحقيقية في سوريا، وتحديد المكان الذي يمكنه فيه ممارسة النفوذ، ومن ثم استخدام ذلك في السعي لتحقيق الرؤية المرجوة، عندها فقط، ستحظى أوروبا بفرصةٍ، لتحويل استراتيجيتها القطرية إلى واقع.
ويقول "ويليام أوستر فيلد"، تستغرق رحلةُ السفر من العاصمة القبرصية "نيقوسيا" إلى "دمشق"، حوالي نصف ساعة فقط، كما تستغرق رحلة السفر من "برلين" أو "باريس" إلى ذات الوجهة، حوالي أربع ساعات، وهكذا، فإنه وبالفعل، الحرب السورية تدور على أعتاب "أوروبا".
وعلى الرغم من ذلك، فإن استراتيجية الاتحاد الأوروبي الحالية تُجاه سوريا، لا تتناسب إلا "قليلاً"، مع مدى قرب الصراع من حدوده الجغرافية، كما أنها لم تُساعد في تعزيز المصالح الاستراتيجية الأوروبية في المنطقة ككل، لا سيما باعتباره كيانٍ "شبه غير مرئي" في محادثات السلام على اختلافها.
وبحسب "أوستر فيلد"، فإن اتباع الاتحاد الأوروبي، لنهجٍ جيوسياسيٍّ جديد أكثر جاذبية، من شأنه أن يدفع باتجاه مزيد من الأرباح للاتحاد الأوروبي.
تردد الأوربيين
إن الاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي، كان عليه أن يبذلُ مزيداً من الجهود لملاحقة تطور الأحداث في سوريا، هو أمر محق تماماً، خصوصاً، أن حالة عدم الاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لا تصبُ بالمصلحة طويلة الأمد، للبلدان الأوروبية جمعاء.
ومع تزايد الترابط بين أجزاء هذه المنطقة البحرية، يتعين على أوروبا أن تتطلع إلى شواطئ من أجل توفير أمنها الخاص، حيثُ أنه وفي بعض النواحي، تقومُ أوروبا فقط، بتأدية دور الشاهد على عمليات "صوفيا" في المتوسط، وساحل "EUCAP" شمال أفريقيا، لكنها غابت تماماً، عن مسرح الصراع الأكثر تأثيراً على الأرض، سوريا.
ولعل إحجام أوروبا عن التدخل فيما هو مُعقد، أمر مفهوم، فقد ثبت أن الصراع السوري صراعٌ مستعصي يضم عدداً لا يحصى من الأطراف المحلية، في وقتٍ تتزايد فيه المخاطر، حيال تصعيد بين اللاعبين الخارجيين الرئيسيين.
أوروبا تتصرف كما لو أنها "تعلمت الدرس" من حروب سابقة
العديدُ من الدول الأوروبية تضررت بشكل كبير، بسبب إما، انخراطها في حرب العراق، أو لمشاركتهم في التدخل الفاشل بليبيا عام 2011، أو أنهم الآن، يتساءلون عن مزايا مشاركتهم في حرب أفغانستان، التي تبدو كحربٍ لا نهاية لها.
وبصورة أعم، يمكن إرجاعُ دور أوروبا الخجول إلى حقيقة أنها لا تزال تفضل أن ترى نفسها كـ "سلطة ما بعد الحداثة"، التي لا تنوي تلطيخ يديها، عبر ممارسة نفوذٍ جيوسياسي مبالغ فيه.
ولكن الواقع هو أنه إذا كان للاتحاد الأوروبي أي نفوذ في تشكيل نتيجة الصراع السوري، فسيتعين عليه أن يعمل كلاعب جيوسياسي معلنٍ عنه، وهذا لا يعني بالضرورة أنه يحتاج إلى نشر قوة عسكرية، لكنه يعني أن أوروبا لا يمكن أن تحصل على مبتغاها، إلا إذا كانت مستعدة للعب في ساحةِ "احتياجات" اللاعبين الرئيسيين على أرض الواقع، أي ثلاثي أستانة، روسيا وإيران وتركيا.
كيف يمكن للاتحاد الأوروبي تحقيق أهدافه في سوريا؟
لعل أفضل الإجابات المفتاحية لهذا السؤال، تكمن في المشاركة بـ "سياسة الربط" مع روسيا وإيران وتركيا، وهي القوى الرئيسية التي تؤثر على الأحداث على الأرض في سوريا، ما يعني بعبارةٍ أخرى، تعبئة النفوذ الحقيقي الذي يمتلكه الأوروبيون في مناطق أخرى، من أجل تحفيز الجهات المعنية العنيدة، في موسكو وطهران وأنقرة، للموافقة على رؤية الاتحاد الأوروبي بخصوص سوريا ديمقراطية ومستقرة ومزدهرة، إلا إن استراتيجية الاتحاد الأوروبي الحالية تجاه سوريا، التي بدءَ اتباعها منذ حوالي عام، لا تتقاطع مع هذه الرؤيا.
وعلى عكس المطلوب، فإن الاستراتيجية العالمية للاتحاد لعام 2016، تتركز في العمل على أن يكون أكثر انضباطاً عوضاً عن ممارسة البراغماتية، مشددًا في الوقت عينه، على ضرورة تعزيز "الديمقراطية وحقوق الإنسان" وتحقيق "انتقال شامل" للحكم، ويجب أن يتحقق هذا من خلال دعم وإصلاح قطاع الأمن، وتشكيل حكمٍ مناسب، وترسيخ سيادة القانون.
ومع ذلك، وبغض النظر عن حقيقة أن هذه كلها مجالات ذات حساسية سياسية كبيرة، فمن غير المحتمل أن يشكل هذا النوع من الدعم، تحفيزاً مقنعاً، لدعوة بوتين والآخرين حوله، وجلبهم للتوقيع على أجندة الاتحاد الأوروبي.
بدلاً من ذلك، مع روسيا، سيكون أحد السبل هو العمل معاً بشكل أوثق على ليبيا من أجل تحقيق الاستقرار هناك.
مع إيران، يمكن تعبئة النفوذ الاقتصادي الأوروبي كوسيلة لمحاولة إقناع طهران بأن تصبح لاعباً بنّاءاً أكثر في المنطقة ككل، كما يمكن أن تستخدم أوروبا، علاقاتها مع السعودية، للمساعدة في نزع فتيل الأزمة المشتعلة في أنحاء الخليج الفارسي.
أما تركيا، فربما تشكل التحدي الشائك، لكن بالنسبة لأنقرة، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يحدث فرقاً حقيقياً على سبيل المثال في المساعدة على عكس الأزمة الجيوسياسية الوشيكة في شرق المتوسط.
خلق مساحات للمناورة
ومن ثم، ينبغي أن يكون للاتحاد الأوروبي مصلحة في توسيع خيارات سياسته من أجل خلق نفوذ حقيقي عندما يكون هذا غير موجود. هذا الارتباط هو بالفعل جزء لا يتجزأ من السياسة الإقليمية وهو واضح تماما: فكّر في كيفية لعب روسيا وإيران وتركيا بالفعل بطاقات مختلفة في مسارح مختلفة في أنحاء الشرق الأوسط.
وتعتبر سوريا نفسها، نقطةَ ارتكاز "سياسة الربط" في المنطقة.
بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هذا يعني أنه بحاجة إلى التعبير عن مصالحه الاستراتيجية الحقيقية في سوريا، وتحديد المكان الذي يمكنه فيه ممارسة النفوذ، ومن ثم استخدام ذلك في السعي لتحقيق الرؤية المرجوة، عندها فقط، ستحظى أوروبا بفرصةٍ، لتحويل استراتيجيتها القطرية إلى واقع.