خلال تسعينات القرن الماضي، ظهرَ مصطلحٌ تم استخدامه للتعبير عن الدور الذي لعبته وسائل الإعلام عبر تغطيتها الحية للأزمات الإنسانية على مدار الساعة، في المساهمة بالقرارات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية، حيال استخدام القوة العسكرية.
تقول صحيفة "ذا أتلانتك" أن الولايات المتحدة الامريكية تدخلت في صراعات كان من الممكن لها أن تتجاهلها، كـ "العراق والصومال والبوسنة وكوسوفو"، وفي وقتٍ لم تثبت فيه الأبحاث الأكاديمية أبداً، وجودَ ما يسمى اصطلاحاً "تأثير سي إن إن" الاعلامي ، إلا أن هذه الفرضية لا تزال مغرية، بحيث تكون مهمة وسائل الإعلام مقتصرة، على نقل حجم المعاناة الرهيب في مكان ما، للجماهير وحكوماتهم، من أجل القيام بما يلزم.
كثرة الصور والأدلة، وقلة التعاطف
وفي الأيام الأخيرة، أظهر القصف المتواصل الذي تمارسه قوات النظام السوري على منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة مدى انعدام "تأثير سي إن إن" في سوريا، وعلى الرغم من انتشار صور الفظاعات التي ترتكب في سوريا في كل مكان، إلا أن قليلاً من الغضب والتعاطف، يحصل عليه المتضررون.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية "AFP"، في بيانٍ قبل أيام، "إننا لا ننشرُ جميعَ الصور والمواد التي تصل إلينا من سوريا"، مضيفةً، "لا ننشر الصورَ التي نجدها، عنيفةً للغاية".
وأشارت الوكالة، إلى أن فريقها من الصحفيين المختصين، الذين يعملون في مكتب الصور، لا ينشرون أي صورة، قبل التأكد من صحتها، والتحقق من محتواها، متبعين في ذلك، أسلوبَ فحص المعلومات الرقمية، لكل واحدة من الصور، على حدى.
وتقول صحيفة "ذا أتلانتك"، نقرأ أن مئاتٍ من الناس قد هلكوا في المنطقة التي أطلقت عليها الأمم المتحدة، صفةَ "جهنم على الأرض"، كما نرى صوراً لأطفال غارقين بالدم، أو تحت الركام، أو ملفوفين بالأكفان، وهي تظهرُ على شاشتنا وصفحاتنا في تويتر، كما شاهدنا طبيبةً وهي تجثو على ركبتيها باكيةً، لمعرفتها عدمَ استطاعتها، إنقاذ حياة طفلٍ تم إحضاره إلى المستشفى الممتلئ.
فيما تصيح والدةُ هذا الطفل، "لقد كنت أحضرُ الخبز له عندما وقع السقف علينا"، مضيفةً، "على الأقل، في الجنة خبز".
ومع ذلك لم يكن هناك احتجاجٌ عام يذكر في الولايات المتحدة ضد هذا الهجوم العسكري، أو حول الجهود المتأخرة و الفاترة التي بذلتها القوى العالمية لإيقافه، كما تبدو أخبار المجازر في الغوطة وكأنها في كل مكان من حولنا، حتى في الوقت الذي لا توجد فيه أخبار عن الجهود الجادة لإنهائها.
ويقول خبير الأمم المتحدة "ريتشارد غوان" أن سبب انعدام "تأثير سي إن إن" في سوريا، "في يومنا هذا، ومع التأثير الذي تشكله الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعية (لم يتم التحقق من صحتها)، والدعاية الإعلامية الماكرة التي تروج لها حكومة النظام السوري، حيال الحرب الأهلية التي تعيشها البلاد، والمتمثلة بحرب وكالات داخل حرب قوى عظمى، لدينا مشهد إعلامي مجزأ، صور مختلفة، روايات مختلفة، حقائق لا يسعنا إلا التشكيك بها".
روايات الأطراف المعنية وسياسة "إلحاق العار".
وأشار إلى أن سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، الذي تُعتبر بلاده حليفَ "الأسد" الأبرز، قد عارض الاقتراح الأخير لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، حيثُ اعتبر الدبلوماسي الروسي، جميعَ التقارير الصحفية عن عمليات قتل جماعي في الغوطة ما هي إلا "اضطراب عقلي جماعي"، أغفل "وقائع لا تناسبهم".
وتتمثل هذه الوقائع بحسب السفير الروسي، باستهداف مسلحين متطرفين، وسطَ العاصمة دمشق، من قواعد لهم، أقاموها داخل المستشفيات والمدارس.
وقال الخبير "غوان"، "عندما لا يكون هناك اتفاقٌ مشترك حول ما هو صحيح، لا يمكنك أن تتحدث الحقيقة إلى السلطة".
ويضيف الخبير، "في مناقشات الأمم المتحدة حول سوريا، تحاول سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، ومعها البريطانيون، والفرنسيون، إلحاق العار بالروس، مستخدمين حقيقة حيازتهم، على الكثير من الأدلة المروعة التي تكشفُ حقيقةَ ما يجري على الأرض".
ويتابع الخبير، "لكن الروس لا يقومون بتجاهل أدلة الطرف الآخر فحسب، بل يدّعون أن هذه الأدلة والأخبار، ما هي إلا عبارة عن أخبارٍ مزيفة، مع إيصال تلميحات، بأن كل شيء هو عبارة عن دعاية إعلامية أنتجها المسلحون المعارضون".
وأشار "غوان" الى حادثةٍ سابقة، جمعت فيها منظمات غير حكومية ومشاهيرُ في هوليوود، أدلة تثبتُ حدوثَ إبادة جماعية في "دارفور" بالسودان، بهدف الضغط على الصين لتساهم بدعم قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة هناك، خلال الفترة التمهيدية لدورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008.
وقال "غوان" للصحيفة، "إن عملية إلحاق العار، التي تقومُ بها شبكة موسعة من وسائل إعلام ونشطاء، سوف تنهار في البيئة الحالية"، مشيراً، "الآن، سيكون من السهل على المتصيدين والمفسدين أن يقوضوا هكذا حملة".
لماذا يزول تأثير سي إن إن بسرعةٍ في سوريا
وبالعودة لـ 2015، فقد أبدت عدةُ دولٍ مواقفَ أكثر ترحيباً باللاجئين السوريين، بعد انتشار صورةٍ لطفل غارق، كان يطفو على شاطئ أحد المدن التركية.
وبعد عامين من تلك الحادثة، عزا الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، قراره قصفَ قاعدة جوية استخدمها جيش النظام السوري لقصف المدنيين بأسلحة كيميائية، للصور التي تُظهر أطفالاً منكوبين، عانوا ضيقاً في التنفس.
ويقول "غوان"، إن ردَ فعل الرئيس الأمريكي، يعبرُ عن الطريقة المثالية، التي يجب أن يعمل "تأثير سي إن إن" بها، والتي كانت مناسبة تماماً لـ "مدمنٍ على مشاهدة الأخبار التلفزيونية".
لكن هذه التدخلات الإنسانية كانت ذات تأثير سريع الزوال (تلاشى التعاطف مع اللاجئين بسرعة، وكان قرار ترامب، صالح لضربة واحدة)، وتعسفي (مات المئات من الأطفال منذ غرق ذلك الطفل، وامتنعت إدارة ترامب، عن توجيه ضربات نارية للنظام، رغم شنه حملةً عسكرية شرسة ضد شعبه، استخدمَ فيها البراميل المتفجرة، وغاز الكلورين).
وقال غوان "لدينا مستوى معين من المعلومات التي نحصل عليها أثناء حدوثها، حول صراعٍ كان من غير الممكن تصور حدوثه، قبل عقدين، لكنه يصادفُ في الحقيقة، زمناً انخفضت فيه قدرتنا على الاستجابة".
"سوشال ميديا" مزدحمة
ويقول الخبير، "إن الكم الهائل من المعلومات التي نحصل عليه، إلى جانب حقيقة أننا، وفي كثير من الأحيان، لسنا متأكدين من صحة هذه المعلومات، يسهم بتعزيز شعور اليأس"، موضحاً، "لا أحد متأكدٌ تماماً، مما إذا كان الطفل الظاهر في هذه الصورة، ميت بالفعل أم لا، أو ما إذا كانت الصورة التقطت قبل عامين، وتم إعادة نشرها، الأمر الذي يشكلُ بيئةً ملؤها السخرية".
وقد خلص "بيرس روبنسون"، وهو عالم بـ "تأثير سي إن إن"، درسَ في جامعة "شيفيلد"، إلى أن تشتيت وسائل الإعلام، وسرعة دوران الأخبار في عالمنا المعاصر، يجعل من تركيز الانتباه للأزمات الإنسانية بشكل متواصل، أمراً صعباً".
ومن الصعب أيضاً على سبيل المثال، تصورُ أن يُلهم تقرير إخباري عن الفظاعات التي تُرتكب في سوريا، نفس النوع من النشاط، وردود الفعل، اللذين تليا، بثَ هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً عن المجاعة في إثيوبيا عام 1984.
لكن "روبنسون" اعتبرَ أنه من التبسيط القول، بأن "تأثير سي إن إن" ليس واضحاً في مجريات الصراع السوري لأن "بيئة المعلومات أكثر حيرة الآن".
الضغط نحو التدخل .. لحماية المدنيين أم للحفاظ على مصالح؟
في التسعينات، عندما ظهرت فكرة "تأثير سي إن إن" لأول مرة، كان المسؤولون الأمريكيون يناقشون الشكل الذي يجب للأنشطة العسكرية للقوة العظمى الوحيدة في العالم، أن تبدو عليه، في فترة ما بعد الحرب الباردة، الأمر الذي شكلَّ حيزاً لمفاهيم جديدة، كـ "التدخلات المسلحة لحماية حقوق الإنسان أو وقف الفظائع".
لقد غيرت هجمات الحادي عشر من أيلول كلَّ ذلك، مع تحويل الأولويات العسكرية لـ "مكافحة الإرهاب"،
لكن القادة الأمريكيين يواصلون اعتبارَ تدخلاتهم، التي حدثت حتى في مرحلة ما بعد أحداث أيلول، تدخلاتٍ إنسانية، متحدثين، عن جهودهم الرامية إلى تحقيق الحرية والديمقراطية في كل من أفغانستان والعراق، وحماية المدنيين من غضب الديكتاتور في ليبيا.
لكن السيناريوهات، التي ساهمت هذه التدخلات برسمها، كـ "الفوضى، والدمار الهائل الناتج عن تغيير النظام الحاكم، ووأد حركات المقاومة"، أثارت شكوكاً عميقة حول قدرة أمريكا على توفير الإغاثة الإنسانية من خلال القوة العسكرية.
وقال روبنسون، إن تأثير "سي إن إن" قد خسف، لكنه كان عاملاً كبيراً خلال فترة التسعينات"، مضيفاً، "إن التأثير ليس مهم في سياق الدفع باتجاه الاستجابة، بل مهم في سياق العمل على تبرير هذه التدخلات التي لا تكون مدفوعة يقلق حيال الحالة إنسانية بالدرجة الأولى".
وكانت أهمية "تأثير سي إن إن" هي قدرته على تحفيز الحكومات لاختيار التدخل، عوضاً عن عدم اتخاذ أي إجراء، والبقاء صامتة، لكن ما يجعل قضية سوريا، قضية معقدة على نحو خاص، هو أن الدول الأجنبية قد تتدخل بالفعل في سوريا، لفترة قد تمتد لسنوات.
وعلى سبيل المثال، دعمت الولايات المتحدة جماعات المعارضة المسلحين، وركزت مؤخراً على محاربة تنظيم داعش، وبمعنى آخر، أدت خدمة إنسانية في تحدي نظام الأسد القاتل، وساهمت بالقضاء على أكبر منظمة إرهابية في العالم.
لكن "المأساة الأخلاقية" - ليس فقط في سوريا ولكن في أماكن أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي ليست "فشلنا في القيام بالعمل، بل إنه فشلنا في فهم الاجراءات التي تم تنفيذها، وفهم عواقبها"،
"هذه ليست صراعات كنا فيها مارةٌ على جانب الطريق، بل هي صراعات، كنا فيها أداة أساسية"، وفي سوريا، لم يشكل أبداً، تقصير مدة الحرب وحماية المدنيين، أولويةً أو هدفاً أساسياً، للتدخل العسكري الأميركي.
تقول صحيفة "ذا أتلانتك" أن الولايات المتحدة الامريكية تدخلت في صراعات كان من الممكن لها أن تتجاهلها، كـ "العراق والصومال والبوسنة وكوسوفو"، وفي وقتٍ لم تثبت فيه الأبحاث الأكاديمية أبداً، وجودَ ما يسمى اصطلاحاً "تأثير سي إن إن" الاعلامي ، إلا أن هذه الفرضية لا تزال مغرية، بحيث تكون مهمة وسائل الإعلام مقتصرة، على نقل حجم المعاناة الرهيب في مكان ما، للجماهير وحكوماتهم، من أجل القيام بما يلزم.
كثرة الصور والأدلة، وقلة التعاطف
وفي الأيام الأخيرة، أظهر القصف المتواصل الذي تمارسه قوات النظام السوري على منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة مدى انعدام "تأثير سي إن إن" في سوريا، وعلى الرغم من انتشار صور الفظاعات التي ترتكب في سوريا في كل مكان، إلا أن قليلاً من الغضب والتعاطف، يحصل عليه المتضررون.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية "AFP"، في بيانٍ قبل أيام، "إننا لا ننشرُ جميعَ الصور والمواد التي تصل إلينا من سوريا"، مضيفةً، "لا ننشر الصورَ التي نجدها، عنيفةً للغاية".
وأشارت الوكالة، إلى أن فريقها من الصحفيين المختصين، الذين يعملون في مكتب الصور، لا ينشرون أي صورة، قبل التأكد من صحتها، والتحقق من محتواها، متبعين في ذلك، أسلوبَ فحص المعلومات الرقمية، لكل واحدة من الصور، على حدى.
وتقول صحيفة "ذا أتلانتك"، نقرأ أن مئاتٍ من الناس قد هلكوا في المنطقة التي أطلقت عليها الأمم المتحدة، صفةَ "جهنم على الأرض"، كما نرى صوراً لأطفال غارقين بالدم، أو تحت الركام، أو ملفوفين بالأكفان، وهي تظهرُ على شاشتنا وصفحاتنا في تويتر، كما شاهدنا طبيبةً وهي تجثو على ركبتيها باكيةً، لمعرفتها عدمَ استطاعتها، إنقاذ حياة طفلٍ تم إحضاره إلى المستشفى الممتلئ.
فيما تصيح والدةُ هذا الطفل، "لقد كنت أحضرُ الخبز له عندما وقع السقف علينا"، مضيفةً، "على الأقل، في الجنة خبز".
ومع ذلك لم يكن هناك احتجاجٌ عام يذكر في الولايات المتحدة ضد هذا الهجوم العسكري، أو حول الجهود المتأخرة و الفاترة التي بذلتها القوى العالمية لإيقافه، كما تبدو أخبار المجازر في الغوطة وكأنها في كل مكان من حولنا، حتى في الوقت الذي لا توجد فيه أخبار عن الجهود الجادة لإنهائها.
ويقول خبير الأمم المتحدة "ريتشارد غوان" أن سبب انعدام "تأثير سي إن إن" في سوريا، "في يومنا هذا، ومع التأثير الذي تشكله الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعية (لم يتم التحقق من صحتها)، والدعاية الإعلامية الماكرة التي تروج لها حكومة النظام السوري، حيال الحرب الأهلية التي تعيشها البلاد، والمتمثلة بحرب وكالات داخل حرب قوى عظمى، لدينا مشهد إعلامي مجزأ، صور مختلفة، روايات مختلفة، حقائق لا يسعنا إلا التشكيك بها".
روايات الأطراف المعنية وسياسة "إلحاق العار".
وأشار إلى أن سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، الذي تُعتبر بلاده حليفَ "الأسد" الأبرز، قد عارض الاقتراح الأخير لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، حيثُ اعتبر الدبلوماسي الروسي، جميعَ التقارير الصحفية عن عمليات قتل جماعي في الغوطة ما هي إلا "اضطراب عقلي جماعي"، أغفل "وقائع لا تناسبهم".
وتتمثل هذه الوقائع بحسب السفير الروسي، باستهداف مسلحين متطرفين، وسطَ العاصمة دمشق، من قواعد لهم، أقاموها داخل المستشفيات والمدارس.
وقال الخبير "غوان"، "عندما لا يكون هناك اتفاقٌ مشترك حول ما هو صحيح، لا يمكنك أن تتحدث الحقيقة إلى السلطة".
ويضيف الخبير، "في مناقشات الأمم المتحدة حول سوريا، تحاول سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، ومعها البريطانيون، والفرنسيون، إلحاق العار بالروس، مستخدمين حقيقة حيازتهم، على الكثير من الأدلة المروعة التي تكشفُ حقيقةَ ما يجري على الأرض".
ويتابع الخبير، "لكن الروس لا يقومون بتجاهل أدلة الطرف الآخر فحسب، بل يدّعون أن هذه الأدلة والأخبار، ما هي إلا عبارة عن أخبارٍ مزيفة، مع إيصال تلميحات، بأن كل شيء هو عبارة عن دعاية إعلامية أنتجها المسلحون المعارضون".
وأشار "غوان" الى حادثةٍ سابقة، جمعت فيها منظمات غير حكومية ومشاهيرُ في هوليوود، أدلة تثبتُ حدوثَ إبادة جماعية في "دارفور" بالسودان، بهدف الضغط على الصين لتساهم بدعم قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة هناك، خلال الفترة التمهيدية لدورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008.
وقال "غوان" للصحيفة، "إن عملية إلحاق العار، التي تقومُ بها شبكة موسعة من وسائل إعلام ونشطاء، سوف تنهار في البيئة الحالية"، مشيراً، "الآن، سيكون من السهل على المتصيدين والمفسدين أن يقوضوا هكذا حملة".
لماذا يزول تأثير سي إن إن بسرعةٍ في سوريا
وبالعودة لـ 2015، فقد أبدت عدةُ دولٍ مواقفَ أكثر ترحيباً باللاجئين السوريين، بعد انتشار صورةٍ لطفل غارق، كان يطفو على شاطئ أحد المدن التركية.
وبعد عامين من تلك الحادثة، عزا الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، قراره قصفَ قاعدة جوية استخدمها جيش النظام السوري لقصف المدنيين بأسلحة كيميائية، للصور التي تُظهر أطفالاً منكوبين، عانوا ضيقاً في التنفس.
ويقول "غوان"، إن ردَ فعل الرئيس الأمريكي، يعبرُ عن الطريقة المثالية، التي يجب أن يعمل "تأثير سي إن إن" بها، والتي كانت مناسبة تماماً لـ "مدمنٍ على مشاهدة الأخبار التلفزيونية".
لكن هذه التدخلات الإنسانية كانت ذات تأثير سريع الزوال (تلاشى التعاطف مع اللاجئين بسرعة، وكان قرار ترامب، صالح لضربة واحدة)، وتعسفي (مات المئات من الأطفال منذ غرق ذلك الطفل، وامتنعت إدارة ترامب، عن توجيه ضربات نارية للنظام، رغم شنه حملةً عسكرية شرسة ضد شعبه، استخدمَ فيها البراميل المتفجرة، وغاز الكلورين).
وقال غوان "لدينا مستوى معين من المعلومات التي نحصل عليها أثناء حدوثها، حول صراعٍ كان من غير الممكن تصور حدوثه، قبل عقدين، لكنه يصادفُ في الحقيقة، زمناً انخفضت فيه قدرتنا على الاستجابة".
"سوشال ميديا" مزدحمة
ويقول الخبير، "إن الكم الهائل من المعلومات التي نحصل عليه، إلى جانب حقيقة أننا، وفي كثير من الأحيان، لسنا متأكدين من صحة هذه المعلومات، يسهم بتعزيز شعور اليأس"، موضحاً، "لا أحد متأكدٌ تماماً، مما إذا كان الطفل الظاهر في هذه الصورة، ميت بالفعل أم لا، أو ما إذا كانت الصورة التقطت قبل عامين، وتم إعادة نشرها، الأمر الذي يشكلُ بيئةً ملؤها السخرية".
وقد خلص "بيرس روبنسون"، وهو عالم بـ "تأثير سي إن إن"، درسَ في جامعة "شيفيلد"، إلى أن تشتيت وسائل الإعلام، وسرعة دوران الأخبار في عالمنا المعاصر، يجعل من تركيز الانتباه للأزمات الإنسانية بشكل متواصل، أمراً صعباً".
ومن الصعب أيضاً على سبيل المثال، تصورُ أن يُلهم تقرير إخباري عن الفظاعات التي تُرتكب في سوريا، نفس النوع من النشاط، وردود الفعل، اللذين تليا، بثَ هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً عن المجاعة في إثيوبيا عام 1984.
لكن "روبنسون" اعتبرَ أنه من التبسيط القول، بأن "تأثير سي إن إن" ليس واضحاً في مجريات الصراع السوري لأن "بيئة المعلومات أكثر حيرة الآن".
الضغط نحو التدخل .. لحماية المدنيين أم للحفاظ على مصالح؟
في التسعينات، عندما ظهرت فكرة "تأثير سي إن إن" لأول مرة، كان المسؤولون الأمريكيون يناقشون الشكل الذي يجب للأنشطة العسكرية للقوة العظمى الوحيدة في العالم، أن تبدو عليه، في فترة ما بعد الحرب الباردة، الأمر الذي شكلَّ حيزاً لمفاهيم جديدة، كـ "التدخلات المسلحة لحماية حقوق الإنسان أو وقف الفظائع".
لقد غيرت هجمات الحادي عشر من أيلول كلَّ ذلك، مع تحويل الأولويات العسكرية لـ "مكافحة الإرهاب"،
لكن القادة الأمريكيين يواصلون اعتبارَ تدخلاتهم، التي حدثت حتى في مرحلة ما بعد أحداث أيلول، تدخلاتٍ إنسانية، متحدثين، عن جهودهم الرامية إلى تحقيق الحرية والديمقراطية في كل من أفغانستان والعراق، وحماية المدنيين من غضب الديكتاتور في ليبيا.
لكن السيناريوهات، التي ساهمت هذه التدخلات برسمها، كـ "الفوضى، والدمار الهائل الناتج عن تغيير النظام الحاكم، ووأد حركات المقاومة"، أثارت شكوكاً عميقة حول قدرة أمريكا على توفير الإغاثة الإنسانية من خلال القوة العسكرية.
وقال روبنسون، إن تأثير "سي إن إن" قد خسف، لكنه كان عاملاً كبيراً خلال فترة التسعينات"، مضيفاً، "إن التأثير ليس مهم في سياق الدفع باتجاه الاستجابة، بل مهم في سياق العمل على تبرير هذه التدخلات التي لا تكون مدفوعة يقلق حيال الحالة إنسانية بالدرجة الأولى".
وكانت أهمية "تأثير سي إن إن" هي قدرته على تحفيز الحكومات لاختيار التدخل، عوضاً عن عدم اتخاذ أي إجراء، والبقاء صامتة، لكن ما يجعل قضية سوريا، قضية معقدة على نحو خاص، هو أن الدول الأجنبية قد تتدخل بالفعل في سوريا، لفترة قد تمتد لسنوات.
وعلى سبيل المثال، دعمت الولايات المتحدة جماعات المعارضة المسلحين، وركزت مؤخراً على محاربة تنظيم داعش، وبمعنى آخر، أدت خدمة إنسانية في تحدي نظام الأسد القاتل، وساهمت بالقضاء على أكبر منظمة إرهابية في العالم.
لكن "المأساة الأخلاقية" - ليس فقط في سوريا ولكن في أماكن أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي ليست "فشلنا في القيام بالعمل، بل إنه فشلنا في فهم الاجراءات التي تم تنفيذها، وفهم عواقبها"،
"هذه ليست صراعات كنا فيها مارةٌ على جانب الطريق، بل هي صراعات، كنا فيها أداة أساسية"، وفي سوريا، لم يشكل أبداً، تقصير مدة الحرب وحماية المدنيين، أولويةً أو هدفاً أساسياً، للتدخل العسكري الأميركي.