زواج القاصرات في شمال حمص.. سعي للنفوذ أم خوف من السلاح؟

زواج القاصرات في شمال حمص.. سعي للنفوذ أم خوف من السلاح؟
تحقيقات | 02 فبراير 2018
أن يرتبط مصير فتاة  بحياة جديدة وتنشغل بتكوين عائلة ورعايتها وهي في مرحلة المراهقة هو أمر بالغ الخطورة على مستقبلها وعلى حقها في تقرير مسار حياتها.
 
ينتشر الزواج المبكر في مناطق سورية عدة لأسباب مختلفة، بعضها جديد وبعضها قديم، لكن الحالة زادت بشكل ملحوظ خلال سنوات الحرب في سوريا، حيث ينتشر تزويج الفتيات القاصرات بشكل كبير، وفي بعض الأحيان يطال الأمر الشّبان القصّر.
 
أطفال تنجب أطفال 
 
سارة علي؛ "اسم مستعار" تبلغ الأربعة عشر عاماً تزوجت من شاب يكبرها فقط بعامين، سارة التي لم تقدر حجم المخاطرة في زواجها بهذا العمر قالت لروزنة " لقد تزوجت بعمر الـ13 عام وبعد زواجي بعدة أسابيع حملت بطفلي الذي هو بيدي الآن وزواجنا كان سريعاً جداً وبلمح البصر أصبحت أماً لطفل" مضيفة بأنها لم تتوقع هي ولا أي من أقربائها أن تحمل بهذا العمر"
 
لم تعتد سارة على الخوف من مصاعب الحياة كما تقول في حديثها لروزنة، فعلى الرغم من عمرها الصغير، وسماعها قصصاً مخيفة ومقلقة عن الزواج المبكر إلا أنها أرادت أن تغير من روتين حياتها وتدخل حياة جديدة معتمدة على أفكار مراهقة تعتقد أن الزواج هو المنقذ المناسب من فقر وضيق الحال.
  
ويبدي أحمد" اسم مستعار" زوج سارة؛ ندمه على زواجه المتسرع حيث قال لروزنة " لقد أصبحت أباً لطفل وأنا لهذه اللحظة مصروفي اليومي من والداي ، كما أنني لم أكمل تعليمي وليس لدي صنعة أعمل بها وأُكمل مسيرة حياتي بها " .
 
الأعداد في ازدياد مستمر
 
وبحسب شهادة الشيخ عبد الجليل أحمد (إسم مستعار) وهو من رجال الدين الذين  يقومون بتسجيل وتثبيت حالات الزواج شرعياً داخل المحاكم الشرعية و الإدارات الأمنية التابعة للمعارضة، فهناك ازدياد كبير غير مسبوق لحالات الزواج المبكر في الآونة الأخيرة حيث تم تسجيل أكثر من 500 حالة زواج عام 2017،  70% منها زواج مبكر.
 
و بحسب عبد الجليل فإن هذه الأعداد تسجل سنوياً بشكل متقارب منذ ثلاث سنوات، وأشار لروزنة إلى أن التقدير الوسطي لعمر الزواج في المنطقة الآن هوخمسة عشر عاماً، وعادةً ما تكون النسبة الأكبر لحالات الزواج هذه من نصيب الفتيات بنسبة تقدر بـ  60% للفتيات و 40% للشباب .
 
زواج المقاتلين.. زواج النفوذ! 
 
وليد الحمصي (اسم مستعار) من سكان مدينة تلبيسة شمال حمص، يبلغ من العمر 45 عام؛  قام بتزويج إبنة أخيه المتوفي وهي لم تبلغ سن الرشد قال لروزنة: "  ليس لدي بنات أخاف عليهن غير بنت أخي المتوفي التي تبلغ من العمر 14 عاماً"؛ الخوف عليها من الوضع الحالي كان الدافع الأساسي لتزويجها وهي في مقتبل عمرها يقول وليد لروزنة؛ ويتابع "كنت دائماً أُراقب اللحظة المناسبة لتزويجها وسترتها في مكان آمن إلى أن "جاء نصيبها" بعيداً عن المنطقة، حيث زوّجتها لمقاتل من "الجيش الحر" يعيش في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة في محافظة درعا، كنت دوماً أنتظر الفرصة هذه لكي أراها زوجة لأحد مقاتلي الجيش الحر ولديها سند  يحميها في الأيام الصعبة ".
 
ويعتبر تزويج الفتيات القاصرات لمقاتلين في الفصائل المسلحة سبباً رئيسياً للزواج المبكر في اللمنطقة؛ حيث كان تزويج زينب (اسم مستعار)  فتاة قاصر لعائلة معروفة بسلطتها الإجتماعية في المنطقة بالإضافة إلى أن العائلة معظم شبابها منتسبين لصفوف المعارضة المسلحة؛ واحدة من الحالات المنتشرة في ريف حمص الشمالي.
  
أم عمر؛ واحدة من سكان المنطقة، تقول المرأة لروزنة أنه تقدم عدد كبير من الشباب لطلب يد واحدة من بناتها لكنها كانت ترفض في البداية بسبب صغر أعمارهم إضافة إلى أنها لم تجد المكان المناسب لابنتها بعد ! 

وأضافت أم عمر في حديثها "منذ حوالي خمسة أشهر تقدم لها شاب من عائلة كبيرة ومعروفة في المنطقة وهو من عائلة غنية أيضاً ومعظم اخوة هذا الشاب مقاتلين في صفوف المعارضة المسلحة ويمتلكون أسلحتهم الخاصة للدفاع عن أنفسهم في أوقات الشدائد، وأشارت إلى أنها لم تتردد أبداً في موافقتها على تزويج ابنتها البالغة من العمر 15 عام، خاصة أن ابنتها سوف تنعم بغنى هذه العائلة الكبيرة و المعروفة على مستوى المنطقة، وبالرغم من أنها رفضت عشرات الشباب الذين تقدموا لخطبة إحدى بناتها سابقاً إلا أنها تقول أن زواج ابنتها كان مثل الهم الذي أزيح عنها؛ بسبب كثرة بناتها و خوفها عليهم من الأوضاع غير مستقرة في ريف حمص الشمالي .
  
حالات الزواج المبكر انتشرت ولا تزال تنتشر شمال حمص وفي مناطق أخرى من سوريا، معظم الأسباب كانت قوة عائلة الشاب وانتسابهم ضمن صفوف المعارضة المسلحة بالإضافة إلى الغنى المادي لتلك العائلات؛ إضافة إلى الخوف من بقاء الفتاة القاصر من غير زواج وهو ما تسميه الأعراف الإجتماعية بـ "العانس" وتقدمها في العمر دون زواج، و بتسريع عملية زواجها قد يكون أفضل خيار بالنسبة لهم.
 
لا يرى أهالي المنطقة الحمصية أن تزويجهم لفتياتهم في هذا العمر المبكر هو قضاء على مستقبلهن في حياة يقرروها بإرادتهن الحرة؛ ليعشن بمستوى أفضل كما يروها ويقرروها، قد تكون ظروف الحرب السورية قد أثرت على حياة تلك الفتيات ولكن عائلاتهن لم تكن معينا لها بل كانت عاملاً مؤثراً في دفعهن نحو مصير مجهول.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق