تحول منظر البسطات المنتشرة على أرصفة الشوارع في دمشق، إلى أمر مألوف لسكان العاصمة، بعد أن اتسع نطاق تلك البسطات خلال سنوات الحرب لتتحول إلى ما يشبه "المولات" لناحية تنوع البضائع التي تعرضها من ألبسة وأحذية ومواد غذائية وأجهزة كهربائية خفيفة، واكسسوارات وجزادين وغيرها الكثير.
وتعتبر البضائع التي تعرض على تلك البسطات شديدة التنوع لدرجة أنه يمكن لها أن تغطي معظم حاجات الناس وتغنيهم عن الدخول للمحلات العادية، لكن الانتقاد يركز على نوعية وجودة المعروض، فهي لا تصل لمستوى البضائع المباعة في المحلات النظامية، وخاصة فيما يتعلق بالألبسة والأحذية والجزادين، كما قد تجد لدى بعضها أنواع معلبات غذائية وزيوت غير معروفة النوع وغير منتشرة.
اقرأ أيضاً: "محافظة دمشق" تزيل "البسطات" من الأسواق
وفي أحد شوارع العاصمة، وفي جولة مسائية لـ"روزنة"، افترشت عدة بسطات الرصيف، بعد أن بات التواجد والعمل في النهار خطراً بسبب تشديد المحافظة ومكافحتها لهم، وعرضت إحدى تلك البسطات بيجامات صيفية للأطفال بسعر 2300 ليرة، بينما عرضت البسطة المجاورة لها بناطلين قطنية وفيزونات نسائية بسعر بين 1800- 2500 ليرة حسب النوع والموديل، في حين كانت البسطة التالية مخصصة للكنزات الرجالية "تيشرت" وكانت أسعارها تتراوح بين 2500- 3500 ليرة وهي تقليد "كوبي" لموديلات الماركات مثل لاكوست وأبولو وغيرها.
وكان الأمر اللافت في كل مايعرض على تلك البسطات هو أن بضائعها ذات جودة متدنية، وتصاميم شعبية يندر بيعها في محلات الأسواق، فمثلا كانت إحدى البسطات تبيع بشاكير بسعر 600 ليرة للبشكير الواحد أي 1200 ليرة لكل "جوز"، وكان رقيق السماكة وخشن الملمس، علماً أن البشاكير جيدة النوعية تباع في السوق بسعر لا يقل عن 2500 ليرة للـ"جوز".
وبالنسبة لبسطة مجاورة عرضت أجهزة كهربائية مثل خلاطات ومحضرات الطعام وابريق الكهرباء وغيرها، فكانت معظم البضاعة المعروضة صينية أو وطنية تجميع الصين، وعلى سبيل المثال عرضت بيع مجفف الشعر الكهربائي "سيشوار" باستطاعة 5500 واط يحمل اسم ماركة وطنية تجميع الصين بسعر 8 آلاف ليرة، على أنه عرض لفترة محدودة بعد أن كان سعره 12 ألف ليرة، ومجفف آخر للشعر باستطاعة 1800 واط أيضا صيني الصناعة بسعر 4500 ليرة، في وقت يباع فيه مجفف شعر باستطاعة 3 آلاف واط في أحد المولات بدمشق من نوع "فيليبس" بسعر 9500 ليرة بعد تخفيض بنسبة 30%.
أما بالنسبة للبسطات المتخصصة بالشوكولا والبسكوت وأكياس الشيبس، فتبين أنها تبيع ما لديها بسعر موحد مع أسعار الميني ماركت والبقاليات دون أي فارق يذكر، وقد يعود الأمر كون أغلب هذه المنتجات محددة السعر من الشركة المنتجة، وبالتالي لن يجد المستهلك فرقاً في التسعيرة بغض النظر عن مكان الحصول عليها سواء كان بسطة أو محل أو مول.
قضية إزالة البسطات من شوارع المدينة، واجهت ردود أفعال متباينة بين المواطنين، حيث رأى بعضهم أنها وفرت عملاً لكثيرين لم يجدوا فرصة في العمل بأماكن وقطاعات أخرى، كما أنها أفضل من التسول والتشرد، فضلاً عن كونها وفرت مساحة مريحة للتسوق بأماكن تشبه المولات مرتفعة الأسعار، لكن بأسعار أرخص حتى من الأسواق النظامية، كون أسعار البضائع لايضاف إليها النفقات المضافة على مايباع في المحلات النظامية من فواتير وضرائب وغيرها.
اقرأ أيضاً: حملة لإزالة بسطات المحروقات في عفرين!
بالمقابل، رأى فيها آخرون تشويهاً بصرياً لشوارع المدينة، واحتلالاً للأرصفة التي تعتبر من المرافق العامة، والتي من المفترض أن يتمكن المشاة من الاستفادة منها عوضاً عن الهرب من ازدحامها بسبب البسطات والبضائع إلى الشارع والتعرض لخطر الحوادث المرورية.
ومن ناحية أخرى، كانت البسطات أو "المولات" مكاناً تتجنب الفتيات على وجه الخصوص المرور قربه أو عبره، خوفاً من التعرض للمضايقات أو التحرش من المتواجدين هناك سواء كانوا باعة أو مارة..
ومن جانبها، حاولت محافظة دمشق في حكومة النظام السوري، قمع أصحاب تلك البسطات عدة مرات بحجة تنظيف الشوارع والحفاظ على المنظر الحضاري، فضلاً عن حرصها على راحة المارة، إلا أن جولاتها لم تكن كافية لأداء المهمة، حيث اتجه أصحاب البسطات إلى النشاط الليلي للتخفي عن أعين المحافظة.
وفي الوقت نفسه، كشفت المحافظة مؤخراً أن حوالي 4 أشخاص فقط يتحكمون بكل بسطات العاصمة، وشبهتهم بالمافيا، حيث أوضح عضو المكتب التنفيذي فيها فيصل سرور، أن أربعة أشخاص يتقاسمون أغلب بسطات المدينة، ويشغّلون أشخاصا عليها بموجب أجرة يومية أو شهرية.
تصريح عضو المحافظة، لم يكن موضع استغراب، فمعظم سكان دمشق يعلمون ضمناً أن أغلب من يعمل أو يسيطر على تلك البسطات هم عناصر أمنية بالغالب، حيث يشرفون على من يعمل في منطقتهم ويؤجرون المساحات الملاصقة لبسطاتهم لأولئك العاطلين عن العمل، الذين يجدون في البسطة مصدر رزق لهم.
أما فيما يخص إنشاء سوق مخصص للبسطات منظم ومراقب من حيث المنتجات المعروضة للبيع، فالموضوع لا زال طرحاً متكرراً منذ سنوات، لم يلق طريقاً للتنفيذ، إذ بررت المحافظة تأخير تطبيق الاقتراح، بعدم قبول سكان المناطق التي تم اقتراحها كسوق للبسطات، باستقبال هذا السوق في مناطقهم.
وكان من المفترض أنه توجد أيام مخصصة في الأسبوع للبسطات بعدة مناطق في دمشق، منها سوق الجمعة في منطقة الزاهرة، وسوق الثلاثاء في منطقة برزة، إلا أن الفوضى غزت معظم المناطق، وبات انتشار البسطات غير محدد بمكان أو زمان، ليصل معها عدد البسطات بحسب أرقام محافظة دمشق التابعة لحكومة النظام في 2016 لأكثر من 22 ألف بسطة.