يبدو أن الفضاء الفيسبوكي أصبح الملاذ الوحيد لنا نحن السوريون هذه الأيام، لنعبرعن خيباتنا، انكساراتنا، حزننا وغضبنا، كل المشاعر بلا استثناء تخرج جميعها على صفحاتنا ونصبّ قهرنا في كل البوستات والتعليقات دون أيّة حواجز نختبئ خلفها عندما تلتقي الأعين.
نتمترس خلف شاشاتنا وحيدين ونبدأ بالقصف والطعن، وحتى أننا نمارس القتل من نفس هذا المكان!
من عادتي أن ألتزم الصمت تجاه مايحدث حولي وخاصة بعد قناعتي بأنه لم يعد للكلام مكان فيما يحدث بنا.. وبيننا نحن السوريون. لكن ماحدث من ردود فعل على الفيس بوك مؤخراً حول الإضراب الذي حصل في مؤسستنا روزنة دفعني لكتابة ما أخطّ الآن.
الاختلاف بالرأي حقٌ من الحقوق في كل بلدان العالم وهذا مايحدث في كلّ المؤسسات سواء كانت إعلامية أو تجارية أوغيرها، نعم يحدث إضراب وتتناوله وسائل الإعلام بكل مهنية وحرفية ودون أن تتحيز لأحد الطرفين وحتى لو بلغ البحث الصحفي حد الإستقصاء فإنّه يبقى في فضاء المهنية ولا يخرج منها إلى الشخصنة والفردية.
في مجتمعاتنا تعودنا على أن الأب يُطاع من قبل الأولاد، والإستاذ يُطاع من قبل الطلاب، والمدير يُطاع من قبل الموظفين، والحاكم يطاع من قبل الشعب. إذا عارض الإبن أو الإبنة الأب بشأن يخص حياته يتدخل الأقارب والجيران والرفاق ليلقوا باللوم على هذا الولد ويحملونه ذنب المعارضة التي انتهجها وكذلك يحدث أيضا مع الإستاذ والمدير والحاكم.
جزء من الشعب السوري قرر الإنتفاض على الحاكم واتخذ نهج المعارضة وقرر التغيير فبدأت الثورة السورية منذ ست سنوات بعد أربعين عاماً من الرأي الواحد، الغريب هو أن تجد أشخاصاً أشعلوا شرارة ثورة فكرية كتلك و طالبوا بالحرية واحترام الرأي الآخر ينتهجون سياسة القمع ضد أي رأي مختلف عنهم وكأنهم نسوا التغيير الذي طالبوا به.
ماحدث باختصار في روزنة هو اختلاف بالرأي بين الموظفين والإدارة والفريق المضرب عبر عن اختلافه بالرأي مع إدارة المؤسسة مع الإبقاء على الإحترام ولم يتم تبادل أي كلام أو شتيمة مؤذية بين الطرفين. حجم الشتائم والتخوين الذي تعرض له فريق الإدارة أثناء الإضراب، والذي تعرض له الفريق المضرب قبل وبعد فكّ الإضراب كان حجماً مفاجئاً غير منطقيّ بحق فعل ديمقراطي تعودت الدول المتقدمة ممارسته بشكل روتيني. رغم أن الموظفين والصحفيين المضربين في مؤسسة روزنة، اعلنوا خلال مؤتمرهم الصحفي بوضوح تبرأهم من الشتائم والكلمات النابية التي افترشت حيطان الفيس بوك وصفحاته، فيما احترمت إدارة المؤسسة فعل الإضراب الديمقراطي من خلال بيان الرد، ودخلت مع الفريق بمفاوضات لتقرب وجهات النظر حيث استطاع الطرفان الوصول إلى حل يرضي الجميع بأرقى طرق التواصل والإحترام المتبادل وأثبتوا أن هذا الفعل الديموقراطي لايفسد للود قضية أبدا، وعاد الجميع إلى العمل اليومي بشكل طبيعي.
دعونا نحاكم أنفسنا ونراجع سوية كيف عولجت بعض الإضرابات في وسائل إعلام عربية ومثلها في رديفتها الغربية، ومن هذه المحاكمة تكتب لروزنة إدارة وفريقا أول محاولة ديموقراطية للتعبير عن الرأي وهذا ماشهد عليه القاضي ابراهيم الحسين مدير مركز الحريات في رابطة الصحفيين حيث قال أنها أول بادرة في الإعلام السوري قاطبة منذ خمسين عاماً.
هذا بالضرورة يعني أن روزنة مؤسسة سورية تسير على خطى مطالب مازال الشعب السوري ينادي بها منذ ست سنوات وحتى هذه اللحظة.