هل تعرفون لماذا بكى طبيب المشفى الميداني؟

هل تعرفون لماذا بكى طبيب المشفى الميداني؟
صحة | 21 أغسطس 2016

كتب الطبيب سامر الجندي على صفحته في فيسبوك، في ذكرى مضي ثلاث سنوات على الهجوم بالسلاح الكيماوي:

 

"منذ عام 1981 ولغاية عام 1983، وهي فترة عملي كطبيب مقيم في مشفى الأطفال التابع للهلال الأحمر بحلب، استقبلتُ عشرات حالات التسمم بمادة الفوسفور العضوي والتي تستخدم كمبيدات حشرية في الريف الحلبي. تعالج هذه الحالة بالأتروبين الوريدي، وهي ( كلمة بالفم ) لا يدرك معناها سوى من يمارسها، فالأتروبين مادة خطرة فإذا كنتَ غير مصاب بالتسمّم، وحُقِنتَ بنصف أمبولة (1مل) منه، ستصاب بالخفقان و يصبح وجهك كالشوندرة و تتسع حدقتاك ويجف حلقك. أما إذا كنتَ متسمّماً بالفوسفور العضوي فقد لا تكفي مئات الأمبولات.

في نهاية عام 1983، كنت مناوباً في المشفى وفي الساعة الرابعة صباحاً، استدعيت إلى الطابق الثالث لفحص طفلة متسممة، عمرها ثلاث سنوات، بعد تشخيصي للحالة استدعيت ممرضات المشفى جميعهنّ، فقامت "ليلى" بتحميم الطفلة وحلق شعرها و"سلمى" بفتح الوريد، وأرسلتُ "مرفت لتأتي بالـ 60 أمبولة أتروبين، الموجودة في غرفة العمليّات، بينما كانت "دينيز" تقوم بسحب المفرزات الغزيرة من الفم والأنف والبلعوم، و"هايكو" بفتح جفني المريضة لمراقبة حدقتيها، بعد أن جاءت مرفت بالأمبولات أخذت "سميرة" بفتحها الواحدة بعد الأخرى، ليتسنى لـ"مرفت" تعبئتها بسيرنغ 10 مل، لأقوم أما بدفش الدواء في الوريد وسمّاعتي تراقب قلب الطفلة وعيناي تراقبان حدقتيها.

كان عليَّ أن أستمر بالدفش سيرنغاً وراء الآخر وببطء شديد إلى أن تبدأ الحدقتان بالتوسّع، كتبتُ وصفة بالـ60 أمبولة للأب، لجلبها من الصيدليّة المناوبة لتعويض الاستهلاك لأننا لا نستطيع ترك غرفة العمليات بدون أتروبين. بعد ساعة كانت الـ60 أمبولة، قد أسـتُنفدت فكتبتُ وصفة أخرى بـ 60 أمبولة أخرى ليجلبها الأب، وعندما عاد بعد ساعة كنتُ قد استهلكتُ ال60 الثانية فبدأتُ بالثالثة، ولم تتوسّع حدقتا الطفلة (اللعينتان) إلا بعد أن استهلكت ما مجموعه 180 أمبولة. كانت الساعة قد أصبحت الثامنة صباحاً عندما عاد الوعي إلى الطفلة وبدأت تبكي، وكانت إحدى أسعد اللحظات في حياتي وحياة الممرّضات المناوبات.

لقد احتجتُ ومعي طاقم تمريضي كامل إلى أربع ساعات لإنقاذ طفلة.. هل أدركتم الآن لماذا كان طبيب المشفى الميداني المتواضع يبكي حرقةً واختناقاً، وهو يشكو من العدد الهائل من المتسممين.. في ليلة واحدة؟".

رابط صفحة الطبيب سامر الجنيدي على فيسبوك، اضغط (هنا)


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق