الثورة مابتموت... ذكرى الثورة السورية

الثورة مابتموت... ذكرى الثورة السورية
سياسي | 18 مارس 2015

في ذكرى الثورة السورية الرابعة لا أستطيع  إلا أن أفكر بهؤلاء الشباب والصبايا الذين قدموا أغلى ما عندهم من أجلها وعلى مدى الأربع سنوات الفائتة.


 
ليس الموت ما يؤلم فقد يكون رحمة في أيامنا (هذه) إنما ما يؤلم طريقة الموت وكيف نموت حتى أصبح الواحد منا يسأل مباشرة كيف مات لا لماذا، أصبحنا نتعايش مع الموت يومياً كالغذاء واللباس حتى أمسى الموت من بديهيات حياتنا.
الموت تحت التعذيب أي عنوان هذا الذي أصبحنا نقرأه يومياً والذي يعني عُذب حتى الموت،  لا أستطيع أن أتخيل هذا حتى كمشهد في فيلم رعب، أرفض أن أتصور أن من يقوم بهذا الفعل هو من فصيلة الإنسان .
  كانت المواقف الأولى في الثورة وكأنها مشاهد اقتطعت من فيلم خيالي، فانتازيا ثورية لعلنا كنا نشاهدها بالأفلام ونقرأها بالقصص والروايات فقط، وفجأة بدأت تتجسد أمامنا على أرض الواقع .
لا أستطيع أن أنسى مشهد هذه الأم السورية التي كانت تنتقي الملابس المناسبة لشبابها الأربعة لتضمن لهم الحماية من القتل و الاعتقال عند مشاركتهم  بالمظاهرات،  فقد كانت تختار لهم الأحذية المناسبة للهرب والجري عند هجوم الأمن السوري عليهم لاعتقالهم أو قتلهم .
والملابس ذات اللون الغامق هي الأنسب لعدم لفت النظر وبيديها الحنونتين كانت تلف لهم الوشاح حول وجوههم بكل تأنٍ وإحكام لتخفي ملامحهم ثم  تنتقل بين وجناتهم الواحد تلو  الآخر وتحضنهم بكلتا يديها وتقول:  روح الله يحميك يا ابني ويعمي عيون الظلام عنك، روح الله يكون معك يا حبيبي.
تحضنهم وكأنها تودعهم الوداع الأخير ولعله اللقاء الأخير في الحياة، وكأنها لن تراهم بعد اليوم .
يقبلون يديها ويطلبون الرضى، رضى الأم الذي سيحيطون به أرواحهم وليواجهوا ربهم والطمأنينة تغمر قلوبهم وأفئدتهم، يخرجون الأربعة ملثمين ليشاركوا بثورة اندلعت لتطالب بأبسط حقوق الإنسانية ألا وهي الكرامة والحرية .
 الله سوريا حرية وبس ، واحد احد واحد الشعب السوري واحد ،  الشعب السوري مابينذل ، سلمية …سلمية …. اسلام ومسيحية ، تلك  هي الهتافات التي بدأت بها الثورة السورية والتي كان يهتف بها هؤلاء الأخوة الأربعة السوريين مع الآلاف غيرهم من السوريين .
الشعب يريد اسقاط النظام  هذا ما كانت تهتف به هذه المرأة على أكتاف الشباب وكان الآلاف يردد خلفها بصوت واحد وحركة جسد واحدة متماوجة من قلوب مليئة بالإيمان دون الخوف من الرصاص المنهمر عليهم من كل الجهات . 
عيناها من خلف الوشاح الذي تغطي به وجهها تشبه عيون هؤلاء الشباب الأربعة مليئة بالحرية والكرامة .
استطاعت أن تحكم أوشحتهم جيدا على وجوههم على عكس وشاحها الذي سقط فجأة وكشف عن وجه أمهم وعندما عادوا جميعهم سالمين إلى البيت سألوها لماذا لم تعلمينا أنك ستكونين هناك لأننا نفخر بك أجابتهم بأنها تؤمن بأنه ثمن يجب أن يدفع ومن الجميع بلا استثناء حتى لو كانوا فلذات كبدها هم جزء من هذا الثمن .
عندما كانت تفتح أبواب البيوت لتسحب الشباب الهاربين من الأمن وتخبئهم لتحميهم  من عيون القتلة  لم تكن تلك الأبواب تسأل عن هوية وطائفة هذا السوري الفار  من سطوة رجال الأمن .
 انتهكتم كرامتنا سبيتم حلمنا وحرقتم ثورتنا ولكننا مستمرون لأن الثورة هي إيمان بفكرة ومبدأ وحق مشروع في الحياة، مستمرون من أجل دم السوريين  النقي الطاهر الذي أُهدر  من أجل هذه الثورة، مستمرون من أجل هذه الأم التي فقدت حتى الآن اثنين من أولادها الأربعة أحدهم تحت التعذيب، ليس لدينا أي خيار ولا نملك الحق في التوقف في هذه المرحلة مهما كانت النتائج والأسباب .
مستمرون من أجل هذه الأم وكل الأمهات السوريات اللواتي فقدن أولادهن وضحين بهن، لأنهن مؤمنات بأن هناك ثمن يجب أن يدفع من أجل حرية وكرامة شعب بأكمله . 

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق