"تركها حاملاً بعد زواجهما بثلاث أشهر، لم تعرف عنه أي معلومة سوى أنه مقاتلاً أجنبياً في أحد الفصائل المسلحة"، سمرفتاة سورية تزوجت خلال الأحداث الجارية في البلاد من رجل أجنبي، رفض إثبات هويته وشخصيته، وبعد زواج دام ثلاث أشهر، رحل بدون أن يخبرها أو يودعها أو يطلقها حتى، ونتج عن هذا الزواج طفل بدون نسب.
"سمر" هي واحدة من مئات النساء اللواتي تزوجن من رجال غير سوريين، بدون توثيق رسمي للزواج أو أوراق تثبت هوية الزوج، ونتج عن هذه الزيجات مئات الأطفال أيضاً، في ظل غياب إحصائية حقيقة، لأن معظمهن تخيفُهن التبعات المترتبة عن جنسية هذا الشخص أو ربما انتماءه لفصائل معينة، بينما أن معظم النساء اللواتي تزوجن قبل الحرب من غير السوريين، ولم يتم تثبيت هذا الزواج، تعرضن للخداع من قبل هؤلاء أو بسبب الإستهانة وقلة المعرفة.
كيف ينظر الشرع إلى هذه الزيجات
لايتوافق هذا النوع من الزيجات مع مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية، إذ قال عمار طاووز أستاذ في الفقه الإسلامي أن المقاصد الشريعة من الزواج، هي حفظ العرض، وحفظ النَسب، وحفظ المال، و جميعها ليست موجودة في هذا الزواج.
وأشار عمار إلا أن الزواج المعقود في هذه الحالات يصح شرعاً ويحرم في نفس الوقت، والحرمة تقع مشتركة على كل من والدة الفتاة لأنه قصر في معرفة هوية ونسب العريس، وعلى الزوج الذي رفض الإفصاح عن نفسه، وعلى العاقد، وعلى الشهود، وعلى كل من علم بهذا الزواج، ولم يوقفه لما له من تبعات سلبية فيما بعد.

إضافة إلى أن المقاصد الشرعية للزواج في الشريعة الإسلامية، متعلقة بصلاح الفرد والذي هو (الزوج والزوجة)، و صلاح الأسرة وصلاح المجتمع وصلاح الإنسانية أجمع، وفي هذه الزيجات لم تتحقق كل هذه المقاصد، لذلك أكد طاووز على ضرورة رفضها وتنبيه المجتمع عليها وتوعيتهم، وعلى أهمية تسجيل العقود رسمياً، و بأوراق ثبوتية معترف بها في سوريا أو في دولة أخرى.
وقال طاووز أن المرأة المسلمة تستطيع أن تملك "طلقة"، تفتدي بها نفسها في حال تزوجت برجل وتركها فجأة بدون طلاق، بهذا تستطيع هي أن تطلق نفسها منه.
وأصدر المجلس الإسلامي السوري، وهو يعتبر مرجعية دينية سورية تضم كل الأطياف والمدارس الدينية الفكرية، في سنة 2017 بياناً نبه وأكد من خلاله على خطورة هذه الأنواع من الزيجات على المجتمع السوري ككل، وعلى المرأة والأطفال بشكل خاص.
رؤية القانون
القانون السوري أعطى لابن الأم السورية المجهول النسب الجنسية السورية، بشرطين، الأول أن تكون الأم ساعة الولادة عربية سورية، والثاني أن تتم الولادة في سورية وذلك ضمن الفقرة (2) من المادة الثالثة حيث يعد الطفل المجهول النسب سورياً حكماً وفق القانون، ولا يسمح القانون للمرأة السورية بمنح طفلها الجنسية باستثناء الحالة المذكورة أعلاه.

المحامي السوري عاصي الحلاق، وضح تفاصيل متعلقة بالوضع القانوني للزواج من أجانب وتثبيته وتسجيل الأطفال، حيث قال أن القانون السوري يمنح الجنسية للطفل المولود من أجبني، في حال تأكد أن هذا الطفل غير قادر على إثبات نسب البنوة من أبيه، وأن هذا الأب مجهول النسب والجنسية، وفي هذه الحالة يحمل الطفل كنية والدته، بينما يشار لإسم الأب بالاستفهام أو غير معروف.
وإذا لجأت امرأة سورية متزوجة من رجل غير سوري، ومجهول الجنسية والنسب، بعقد غير رسمي للمحكمة، يقوم القضاء بمنح أطفالها الجنسية السورية، ولكنه بالمقابل لايمنح الجنسية للطفل المعروف جنسية والده ولم يمنحه إياها.
وأشار الحلاق إلى أن الزواج العرفي خارج دائرة القانون، وأنه يجب أن يكون هناك عقد وفق قانون الأحوال المدنية السوري أي العقد مثبت وفق القانون والشرع من ناحية الشهود و الايجاب والقبول و المَهر والشروط.

نظرة مجتمعية سائدة
النظرة الإجتماعية في المجتمع السوري قائمة على أساس النسب، فهو يهتم بحفظ الأنساب وهناك مايعرف "بشجرة العائلة" وهي عبارة عن شجرة كتب فيها نسب العائلة فلان ابن فلان ابن فلان إلى أن يصل إلى أصل العائلة أو العشيرة أو القبيلة.
وتهتم العائلات بتفاصيل أصدقاء أولادهم فكثيراً مايتم سؤالهم "من هو والد صديقك من جده" وهكذا، وبسبب أهمية النسب في المجتمع ينظر للأطفال مجهولي النسب أو اللقطاء بنظرة دونية و قاسية ومهينة، وقد يتعرضوا للتنمر والإهانة.

وقال الإختصاصي الإجتماعي صفوان أننا كمجتمع سوري يعتبر الأب أو الذكر هو رأس المجتمع، لذلك قام بحفظ سلسلة نسبه بفلان ابن فلان إلى آخره، وهنا يعيش الطفل بحالة وصمة العار، لأنه لايملك نسب وليس لديه عائله، حتى إن وجدت عائلة ترعاه تحمل هي أيضاً هذا الوصم لأنها تقوم بتربية طفل مجهول النسب.
وتواجه المرأة نظرة مجتمعية قاسية أيضاً، لأنها تزوجت من شخص أجنبي غير معروف، وأنجبت منه أطفالاً وأصبحوا مجهولي النسب، وهناك أسباب عديدة تدفع النساء لمثل هذا الزواج تم ذكرها في استبيان أجرته روزنة، ومن هذه الأسباب ضعف المعرفة بالقانون وقلة الوعي المجتمعي والفقر وأسباب أخرى تتعلق بكل حالة على حدى.

إذا يقول صفوان أننا لانستطيع أن نحدد السبب الأول الذي دفع المرأة للزواج من مجهول، إلا إذا درسنا حالتها وظروفها المحيطة بها من الألف إلى الياء، وأضاف أن مثل هذه القضايا حتى لو وجد لها حل شرعي وقانوني إلى أن النظرة المجتمعية تبقى قاسية وسائدة.
استمع للمزيد من القصص من خلال فيديو الحلقة كاملة
الكلمات المفتاحية