لعلّ أكثر الكليشيهات التي استخدمها الغرب في تقريظ بشّار الأسد قبل انطلاق الثورة السورية أنه طبيب جرّاح تعلّم في الغرب وأن زوجته، («وردة الصحراء» على حدّ وصف راج بعد لقاء لصحيفة إنكليزية معها قامت بترتيبه شركة علاقات عامّة)، نشأت ودرست أيضاً في بريطانيا، وبالتالي فإن هذا الثنائي الذهبي سيفتح الطريق للديمقراطية والتحديث في سوريا. وقد قامت وسائل إعلام عديدة بتجريع السوريين هذه التقييمات والأوصاف متجاهلة الطريقة الكاريكاتورية التي وصل فيها الوريث إلى السلطة وتاريخ والده الدكتاتوري الذي حكم بلاده بالنار والحديد.
لكن مزركشي الحكاية الإعلامية للطبيب المتعلم في الغرب أو ضحاياه، لم يتوقعوا أن يتفوق الأسد الابن على والده بمراحل كبيرة في التنكيل بأبناء بلاده وأن يحوّل الجرّاح الخطير وطنه إلى أشلاء على طاولة التشريح، وأن تصبح سوريا، التي كانت إحدى الدول التي بدأت فيها الزراعة والكتابة والتجارة ممرّاً مفتوحاً لانتهاك سيادتها من قبل جيوش من كل لسان ولون، فتصبح «الجبهة الجنوبية» مناطاً بغرفة «الموك» التي لأمريكا وإسرائيل يد طولى فيها، وتصبح الحسكة والقامشلي وعفرين شبه دويلة كردية، ويغدو الشريط المحاذي للبنان محطّ تجارب التغيير الديمغرافي الطائفي لـ«حزب الله» اللبناني، وتغدو الرقة عاصمة لتنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف (الذي تعهّده النظام بالعناية واستخدمته أبواق الغرب العنصرية مجددا لإعادة تأهيل رئيس الضرورة)، ويغدو الساحل السوري محكوماً من قاعدتي حميميم وطرطوس الروسيتين، فيما أزيلت مدن وقرى وبلدات من الخارطة وتم قتل وتهجير سكانها الذين فاضت بهم البلدان المجاورة وابتلعت الكثيرين من الهاربين منهم قيعان البحار.
المثير للسخرية أن الأسد نفسه، والذي تشير دلائل عديدة إلى أنه لم يُنه درجته العلمية المزعومة في بريطانيا، لم يكفّ عن استخدام حكاية الطبيب الأثيرة إلى نفسه، وفي أحد لقاءاته هذا العام مع قناة «سي إن إن» قال: «عندما يوجد طبيب يبتر قدم مريض ويجنبه الموت بالغرغرينا فأنت لا تسميه جزاراً بل تسميه طبيباً».
ومن صحف اليوم نقرأ أيضاً: كتب سامي كليب في الحدث نيوز "الأسد روغوزين.. ثمة شيء سيحصل"، وكتبت رندة تقي الدين "فرانسوا فيون مع بشار الأسد وإيران" في صحيفة الحياة، وفي العربي الجديد كتبت نجوى بركات "الكاميرا الخفيّة حين تكشف عوراتنا".