كتب عمر قدور في صحيفة الحياة:
"كي تكتمل مأساة السوريين، بات النقاش الدولي حولها شبه مقتصر على جلسات لمجلس الأمن، يُمنح فيه مندوبا روسيا والنظام حرية التحدث ببذاءة، كمقايضة مع إدانات غربية لا تتجاوز التنصل من المسؤولية الأخلاقية. هكذا، لا يكون من شأن لجثث أطفال مدرسة حاس في المجزرة الأخيرة سوى كونها مادة لتكرار الجدل الدولي الممجوج. لكن الأخير يبقى على رغم تكراره متحلياً بقدرته على التأثير، فتكرار الإهانة الجماعية المشتركة يجعلها موغلة في الأعماق، ويُرجّح أن يجعلها غير قابلة للشفاء".
ويرى الكاتب أن "كل هذه السياسات يعني تحويل السوريين كائنات بيولوجيةً محضة، هدفها البقاء على قيد الحياة وسد الرمق، لا غير. وهذه هي سياسة النظام قبل الثورة، إذ كان يعتمد تصوير بقاء السوريين على قيد الحياة، بالحد الأدنى من الخدمات التي احتكرها، إنجازاً يقايض به على حرياتهم، وفي مقدمها الحريات السياسية وحرية الرأي. سياسة التجويع، عقاباً على العصيان، امتداد للمقايضة القسرية السابقة، فعندما قرر السوريون التحول إلى كائنات فوق بيولوجية، عمد النظام إلى محاولة إعادتهم إلى الحظيرة البيولوجية السابقة، وبالتأكيد إلى ما دونها بعمليات الإبادة".
ويتابع: "المقارنة بين السيء والأسوأ لا تتوقف عند حد، فوفقها يُحرم ضحايا الدرجة الثانية والثالثة من شرطهم الإنساني. فأولاً يُعتبر محظوظاً من نجا من الموت، وثانياً يُعتبر محظوظاً من لم يفقد عزيزاً من الدرجة الأولى، ولا حساب مطلقاً لتأثيرات العيش تحت الخطر، أو الخوف على مَن هم تحته، أو تلك التأثيرات المتأتية من سوريّة أصحابها واهتمامهم بقضيتهم الذي لم ينقطع على وجه العموم. مثل هذا «الترف» لا يبدو مباحاً، على رغم تأثيراته المستدامة في غياب العدالة، تلك التأثيرات التي تدلل على بديهية أن الإنسان ليس كائناً بيولوجياً فحسب، بما يتلوها من آثار قد يدفع العالم ثمنها وهو يعاند ما هو بديهي، وينكر من خلال ذلك أحقية السوريين بالثورة".
ويختم الكاتب بالقول: "ظاهرياً، ربما يُسجّل بعض النجاح لهذا التواطؤ على تجريد السوريين، واختزالهم في الحد الأقصى إلى قضية شفقة خاسرة. إذ من المنطقي أيضاً أن تتضاءل آمال بعضهم وفق ظروفهم، بمن فيهم الخاضعون طوعاً أو قسراً لسيطرة النظام ويتمتعون بالأمان في مقابل التضحية بأبنائهم على الجبهات، وفي مقابل إفقارهم المستمر. غير أن النجاح الظاهري لا يعني اقتناع السوريين باستــحقاقهم أدنى شروط العيش، وإلا كانت سياسة النــــظام خلال أربعة عقود قد أثمرت ولم تحدث الثورة أساساً. ثمـــة تيــــار يتــــندر عليه السوريون يرفع أصحابه مقولة «كنا عايشين»، وهي مقولة تضمر لوم الثورة مع تواضع المتطلبات لدى بعضهم ووضـــاعتها لدى آخرين، غير أن ما فيها من تحسر على ذلك «الفردوس المفقود» يضمر استحالة عودته".
ومن صحف اليوم نقرأ أيضاً: كتب فراس عزيز ديب "بين «ملحمة حلب» وملحمة النفاق الدولي: لماذا يتمسك الروس بالهدنة؟!"، كتب فايز سارة في صحيفة الشرق الأوسط "التغيير الديموغرافي بين زمنين".