الوقت أنجع الأطباء. أقساهم. وأكثرهم غدراً. لهذا لا بد من التمهُّل في الاستنتاج. يصعب التكهُّن بالصورة التي ستكون عليها المنطقة بعد أعوام. فما يُعتبر اليوم إنجازاً قد يُعتبر خسارة بعد أعوام. وما فُسِّر جرأة في وقت سابق قد يُعتبر تهوراً في وقت لاحق. وحده الوقت يستطيع التمييز بين الجرأة والمغامرة والمقامرة.
تجتاز المنطقة الآن حقبة من الضباب والدم. خرائط متصدّعة. انتكاسة مدوّية للتعايش بين المذاهب والأعراق. أزمة هويات حادة وميل جارف إلى الطلاق. استقطابات حادة عابرة للحدود الدولية. وجيوش منهكة تتكئ على الميليشيات. وتدخُّلات إقليمية ودولية. منطقة مريضة تَعِد بمزيد من القتلى واللاجئين والفقراء والمتشدّدين. منطقة مريضة تكاد أن توحي بحاجتها إلى إدارة دولية مباشرة.
على دويّ الحرب السورية والمناخات المحمومة في الإقليم، جاء كلام موسكو عن الاستعداد لتوسيع قاعدة حميميم التي تطفئ الشهر المقبل شمعتها الأولى. توسيع لضمان وجودٍ مريح دائم أو مديد على الأقل. واللافت هو أن القاعدة الروسية تبعد عشرات الكيلومترات عن قاعدة أميركية شهيرة هي قاعدة أنجرليك الجوية الأميركية في جنوب تركيا.
أنفقت إيران الكثير من البلايين ومن دم حلفائها لتضمن لنفسها وجوداً دائماً على المتوسط وعلى الحدود مع إسرائيل. نجحت روسيا في انتزاع موقع على المياه الدافئة بثمن أقل حتى الآن. ولكن لماذا تريد روسيا وجوداً دائماً في حميميم؟ هل تبعث برسالة جديدة مفادها أنها لن تسمح بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ولو تعرض لانتكاسات من قماشة ما حصل أخيراً في حلب؟ هل تريد القول أن مستقبل سورية سيُرسم انطلاقاً من حميميم وليس من أي نقطة أخرى، قريبة أو بعيدة؟ هل ستكون القاعدة الروسية حارسة الحل في سورية حين ينضج؟ هل ستتولى حراسة سورية الفيديرالية؟ أم ستتولى في غياب الحل ضخ منشطات دائمة في عروق «سورية المفيدة»؟ وهل لحميميم وظيفة تتعدى سورية إلى الإقليم، وتشمل سلامة أنابيب الغاز التي كانت حاضرة بين بوتين وأردوغان؟
وتتابعون: المعارضة السورية "راسب ويعيد"، حلب تكشف بذور الانقسام في «جيش الفتح».