حرب العصابات أو الحرب الشعبية ضدّ السلطة العسكرية، هي ما نظّر له الجنرال البروسي كلاوزفيتز في زمن الحروب النابوليونية، وما أطّره ومارسه الكثير من حركات التحرّر في القرن العشرين، وحتى طالبان في أفغانستان تقوم على استنزاف العدو سياسياً واقتصادياً وعسكرياً مع تجنّب التحصّن العسكري في أي رقعة جغرافية تستطيع قوات النظام المدججة بالسلاح استهدافها وتدميرها في شكل مباشر ومفتوح.
على العكس من ذلك ومتأثرةً بالنموذج الليبي، قامت استراتيجية الثورة السورية في مرحلتها العسكرية على الهجوم على مناطق جغرافية وتحريرها والدفاع عنها بانتظار تمدّد رقعة التحرير، من دون أن يكون لدى قوى المعارضة المسلّحة قدرة عسكرية على خوض حرب تقليدية مفتوحة ومتكافئة ضد تحالف عسكري كان ينجح النظام السوري في توسيعه كلما استدعت الضرورة. فقد أنقذه التدخل الإيراني في منتصف 2012، وتالياً التدخل الروسي المباشر منذ أواخر 2015.
استراتيجية مراكمة الملاحم التراجيدية من حمص والقصير إلى داريا وحلب المهدّدتين حالياً، أدّت إلى تحميل القاعدة الشعبية أكلافاً بشرية ومادية ضخمة، كان من الممكن استيعابها لو كانت استراتيجية التحرير سليمة و فعالة.
فعدا الضحايا والتدمير الذي شهده الكثير من المدن والبلدات السورية، وضعت هذه الاستراتيجية القاصرة المعارضة تحت رحمة إمداد قوى إقليمية مدفوعة بأجنداتها الخاصة لتأمين العتاد الكافي للدفاع عن جبهات تقليدية، وسهلت للنظام تركيز توزيع قواته العسكرية والاقتصادية استراتيجياً. وكان قبول هذه المآسي أسهل لو كان هناك أفق واضح عن نظام آتٍ بديل يكفل الحرية والعدالة والكرامة للسوريين. هذا الأفق تتلبّد رؤيته بازدياد مع الحضور القوي لقوى متطرّفة متداخلة وذات مواقف معادية أو ضبابية تجاه مبادئ الحقوق الديموقراطية والمواطنة، وتشكّل حجر عثرة أمام تقديم المعارضة السورية كبديل معتمد للنظام الأسدي.
وتتابعون: من يخلص سوريا؟، ومتابعة للمقالات التي تناولت لقاء كيري ولافروف.