في هذه الأيام السوداء يطلع علينا البعض يوماً بعد آخر ليبشر بسوريا جديدة أو “سوريا مفيدة”.. إلخ، معلناً أن التحول والتطور التاريخيين لهما حق الاعتراف بهما، وبما تضخه نتائجهما ومدخلاتها من قبل من يرغب الاستمرار في العيش، كائناً من كان، وفي المذلة وهدر الكرامة، إذا اقتضى الأمر! ولكن “ما هكذا تورد الإبل” أيها السامعون والعارفون، وما هكذا يصنع بالأوطان وبالشعوب، بل لدينا مثال فريد في عمقه ونبله هو ذاك الذي قدمه إلينا رئيس مجلس البرلمان السوري في حينه، الرجل الوطني الكبير فارس الخوري، فهذا السياسي المرموق رفض طلباً وجه إليه من فرنسا تدعوه فيه إلى قبول “تشريفه” بحماية فرنسا له بمثابته “مسيحياً”. لقد أجاب طلب الغزاة السابقين بتأكيده على أنه يحتمي بوطنه سوريا بكل طوائفها وإثنياتها وأعراقها، كثيرين كانوا أو قليلين، بحيث إنه كان لفترة ما على رأس إحدى المؤسسات الإسلامية الشرعية.
وقد جاء ذلك كله رداً على المشروع الفرنسي البريطاني الاستعماري بتقسيم سوريا عام 1916، ذلك المشروع الذي حمل تسمية “سايكس- بيكو” والذي أتى في أساسه بوصفه ثمرة مؤامرة دولية إجرامية، ولكن الشعب السوري الأبي ناضل ضد هذه المؤامرة، وأسقطها ومرّغ أنوف الاستعمار وأتباعه في الرغام، وعمل بكل مكوناته من أجل تحقيق استقلال بلده، فكان له ذلك.
أما المفارقة الفظيعة التي راح شعب سوريا يواجهها في أيامنا هذه، وفي ما قبلها فقد تمثلت فيما حدث مرافقاً للوحدة السورية المصرية، أي لحلم السوريين والعرب جميعاً، ونعني إنهاء المجتمع السياسي المدني في سوريا الذي تمثل خصوصاً بتفكيكه، أي بتفكيك المجتمع الذي كان عليه أن يحمي الوحدة الناجزة ويطورها ويجعلها نموذجاً حياً لوحدة محتملة للعالم العربي.
وفي صحف اليوم أيضاً: كتب ابراهيم حميدي في صحيفة الحياة "ثلاثة عقد قبل استئناف مفاوضات جنيف منتصف الشهر"، وكتب راجح خوري في صحيفة النهار "يستعيدون دبابة ويخسر بلداً!".