لا ينفك التدخل الروسي في سوريا عن أن يكون مصدراً للتكهنات، ليظهر بوتين كأنه لغز يصعب حله، وليمنح محللون سياسيون أنفسهم حق الشطط في تأليف السيناريوهات، وأيضاً الشطط في استنباط نوايا ليس لها ما يسندها على الأرض. أما للتخلص من خطأ موجة التكهنات، عندما يثبت السلوك الروسي خطأها، فيكفي الحديث عن بوتين بوصفه صاحب مفاجآت، الأمر الذي يزيد في مهابته، بل يكرسه أحياناً في المكانة التي كانت طوال عقود حكراً على الرئيس الأميركي الذي تلتبس صورته بصورة الكاوبوي السينمائية.
هكذا، يمكن مثلاً القول بأن مبادرة بوتين لتهنئة بشار، إثر استعادة تدمر من سيطرة داعش، مفاجئة بعد الإهانات التي وجهها مسؤولون روس له، وبعد القول بأن الانسحاب الروسي إثر تلك الإهانات صفعة قوية لبشار. ستغيب في هذا السياق تفاصيل كثيرة، من قبيل عدم وجود أدنى ضغط روسي على وفد النظام أثناء جولة التفاوض الأخيرة في جنيف، وستغيب مثلها جزئية سحب الروس اعتراضهم على انتخابات "مجلس الشعب" التي ينظمها النظام استباقاً لنتائج المفاوضات، وقد يغيب أيضاً التأكيد الروسي على أن الجانب الأميركي بات أكثر تفهماً لبقاء بشار في السلطة.
لكن أهم ما يغيب عن بورصة التكهنات تلك هو العامل الإيراني. فمنذ بدء العدوان الروسي على السوريين توارى التركيز على التأثير الإيراني، لتبدو الميليشيات الشيعية كأنها مجرد كومبارس في العمليات العسكرية التي يديرها الروس، مع أن التنسيق كان على أشده في كافة العمليات انتهاء باستعادة تدمر مؤخراً. وكما نذكر، أريق حبر كثير لإثبات وجود خلاف بين طهران وموسكو، بخاصة من الأقلام التي ترى الصراع السوري من منظار الصراع الشيعي/السني في المنطقة، وكان رهانها على الكاوبوي الجديد أن يزيح إيران وينفرد بالسيطرة على نظام بشار. ولم يخلُ ذلك من الرهان على أن يتفوّق التنسيق الروسي/الإسرائيلي على حلف موسكو/طهران، مع تجاهل واقع عدم تأثير علاقة موسكو الممتازة بإسرائيل على علاقتها بطهران من قبل.
وتتابعون أيضاً: هل تغيرت أميركا أم رَبِح الأسد؟، الإشكالية الكردية في الحالة السورية.