تحدّث المعارض السوري، الدكتور هيثم مناع، في مقابلة أجرتها معه قناة غسان بن جدو الفضائية، في العشرين من يناير/كانون الثاني الحالي، عن الذكاء. قال إن علينا، الآن، أن نرجع إلى تصنيفات العَلَّامة ابن الجوزي، فنقول إن فلاناً من الناس ذكي، والآخر غبي، بغض النظر عن الأيديولوجيا التي يحملها كل منهما. وعلى الفور، دَفَعَنا ذكاؤنا، نحن المتابعين، إلى الاستنتاج أن مناع يصنف نفسه في فريق الأذكياء، وإلا لما كان أدخل نفسه في هذه الخانة الإشكالية أصلاً.
قبل الثورة، في الحقيقة، لم يكن يوجد بيننا رجل واحد يشك في ذكاء الدكتور هيثم مناع. كنا نتابع برنامجه “حقوق الناس” على قناة الحوار اللندنية، فنندهش من جرأته وإصراره على فضح انتهاكات إسرائيل والأنظمة العربية المختلفة، بلا استثناء، حقوق الإنسان. لكننا، الآن، بعد خمس سنوات من الثورة، سنضطر إلى ترك تصنيفات ابن الجوزي جانباً، ونقتطف من فيلسوف آخر، هو النفَّري، قولاً بارعاً هو: العلمُ المستقر، جَهْلٌ مستقر.
خَرَجَ (استقرارُ عِلْم) هيثم مناع عن طوره، اعتباراً من بداية الثورة السورية في أوائل الـ 2011، وبدأت تصريحاتُه تنم عن حالةٍ تشبه حالات الطيش، وفقدان الصَّواب. فحينما كان النظام السوري يعاني الأمَرَّيْن في تسويق أكذوبته إن هذه الثورة السلمية النظيفة ليست ثورة، وإنما مؤامرة مسلحة، فاجأنا بتصريح يقول إن فكرة التسليح عُرِضَتْ عليه، لكنه رفضها… فبدأ إعلام النظام يشتغل، ليلاً ونهاراً، على الاستفادة من هذا التصريح الغريب.
كان تسليح الثورة، برأي كثيرين، وأنا منهم، خطأ تاريخياً، أدى إلى تحويلها إلى حربٍ، أو ما يشبه حرباً أهلية طاحنة. وفي مرحلةٍ لاحقةٍ، تسلل الجهاديون المتطرفون، من تنظيم القاعدة وغيره، إلى صفوف الثورة، رافعين الرايات السود، مظهرين عداءهم للثوار المدنيين الأكابر. ووقتها، ضحك النظام السوري في عُبِّه، وأخرجَ شعارَ (الأسد أو نحرق البلد) من حيز الغرف المغلقة إلى الساحات العامة، وأصبحت، من ثم، القذائف التي يطلقها على المدنيين في المناطق الثائرة أقل خجلاً، وأكثر علانية ووقاحة، وبدأت طائرات الهليوكبتر تعمل مثل (باصات الهوب هوب)، في نقل البراميل المتفجرة، لتلقيها فوق المشافي والأسواق والبوازير والمخابز والمدارس؛ وبدأنا نحن، في المدن الثائرة، نمضي أوقاتنا في استخراج أشلاء أهالينا من تحت الأنقاض، وتجميعها، ونقلها إلى المقابر، وتهيئة الطرقات للخائفين من الموت، لكي ينزحوا ويتبعثروا في بلاد الله التي كانت واسعة، ثم أخذت تضيق علينا بالتدريج.
وفي جولة الصحافة أيضاً: من الهافينغتون بوست: "سكان دير الزور محاصرون من جميع الجهات"، وكتبت رغدة درغام في الحياة "دي مستورا يراهن على حاجة روسيا الى الانسحاب من سوريا".