لم تعد مأساة مضايا تستدرج المزيد من الأوصاف والتعريفات، ولم يعد تجويعها والعمل على ردّ المقيمين فيها إلى سويّة التوحّش سرّاً يُلحّ على الفضح والإشهار.
لقد أُشبع الوصف وأُشبع التعريف وكلّ شيء صار مكشوفاً. لكنّ بيئة سوريّة – لبنانيّة لا تني تستخفّ بتلك المأساة، أو تنكرها أصلاً، أو، وهذا أسوأ الأسوأ، تسخر ممّن يعانونها وتشمت بهم.
والحال أنّ السذاجة فحسب هي التي تقترح علينا اعتبار البشر تجسيداً لنبل خالص ودائم. إلاّ أنّ ردود الفعل المذكورة هي ممّا لا يكفي الذكاء ولا الخبث لجعلها مفهومة، خصوصاً أنّ أصحابها يجهرون بها مثلما يجهر البشر العاديّون بحاجاتهم العاديّة إلى الهواء والغذاء وسواهما.
وراء ذلك تقيم بالطبع الدرجة القصوى التي بلغها تفتّت مجتمعاتنا وتكارهها، بحيث سقطت أوراق الحجب والتخفّي والتورية جميعاً. لقد صار واضحاً، بل فاقع الوضوح، كيف أنّ إرادة عدم العيش المشترك تفوق بلا قياس إرادة العيش المشترك، وكم أنّ الحاجة ماسّة لمراجعة أشكال الاجتماع الوطنيّ وصيغه في سائر بلدان المشرق المتنابذة.
وتتابعون أيضاً: مضايا تحاصر حزب الله، خطوة واشنطن التالية.. هل تقتل الممكن بالمستحيل.