يقدم المشهد السوري لوحة سوريالية يصعب على المرء تحديد الزاوية التي سيرى عبرها بداية المشهد من نهايته. أكثر من أربعين دولة إقليمية وعالمية تتصارع على الأرض السورية، من قوى التحالف الذي فبركته الولايات المتحدة الأميركية إلى الغزو الروسي الأخير بطائراته وسائر ترسانته المتطورة، كلها أتت لمحاربة ما تراه إرهاباً استوطن سورية وبدأ يتمدد إلى سائر أنحاء المعمورة. الجامع المشترك بين شعارات هذا المعسكر العالمي وأهدافه أنه أتى للدفاع عن سيادة بلده البعيد مئات آلاف الأميال عن سورية.
معسكر التحالف الغربي برر حربه منذ البداية باستباق الإرهاب في داره والقضاء عليه قبل أن يستبيح الأراضي الأميركية والأوروبية. وبريطانيا الداخلة حديثا إلى الحرب، بررت انخراطها بأن ضرب «داعش» سيجعل بريطانيا أكثر استقراراً وأمناً في المستقبل، وروسيا الطامحة إلى استعادة موقع القوة، ترى في تورطها العسكري تنفيذ مهمة قومية وإنسانية تبعد من خلالها انتشار الإرهاب في روسيا والبلدان الدائرة في فلكها. أما إيران فتتصرف بصفتها وصياً على النظام السوري من موقع مذهبي يقوم على حماية الطائفة العلوية، أو من موقع الداعم لـ «حزب الله» اللبناني الذي دفعته إيران لينخرط في هذه الحرب تحت عنوانين شهيرين: الحفاظ على المواقع المقدسة في سورية أولاً، والدفاع عن سيادة لبنان ثانياً، وهو الأهم اليوم في خطاب الحزب. فهل حقاً تبدو سيادة الدول المتدخلة في سوريا، مهددة من التنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا؟ أم إن أهدافاً ومصالح أخرى تكمن وراء هذه الحجة الواهية؟ ثمة ملاحظات ترد في هذا المجال.
الملاحظة الأولى، تتصل هنا بمنطق سيادة الدولة وكيف تتحدد في القوانين الدستورية المحلية أو وفق القانون الدولي. في الجاري حالياً على الأرض السورية، هناك خرق فاضح للسيادة السورية من جانب الحلف الدولي القائم بعكس الادعاءات أن سيادة هذه الدول مستباحة. لا تشكل هذه البلدان مدى حيوياً لسورية تطمح عبره هذه الدولة الصغيرة إلى التدخل في شؤون هذه الدول، وليس بمقدرتها في الأصل التنطح لمثل هذه المهمة. السيادة الوحيدة المهددة من النظام السوري هي السيادة اللبنانية، لاحقاً وراهناً. لذا، تبدو حجة التهديد للعالم حجة ساقطة وفق القوانين الدولية في شكل كامل.
وفي جولة الصجافة لليوم نقرأ أيضاً: كتب هشام شعبانلي أوغلو في ترك برس عن "بوتين والصفعة التركية".