بعد أن لعبت موسكو دوراً رئيسيا في السنوات الأربع الماضية من عمر الثورة السورية، ثم الأزمة في منع التوصل إلى تسوية سياسية، دفعها وصول وضع نظام الأسد في سبتمبر/أيلول الماضي إلى شفا الانهيار إلى تدخل عسكري مفاجئ. وعلى الرغم من أن هذا التدخل لا يزال بعيداً عن أن يعطي لموسكو زمام المبادرة العسكرية من قوى المعارضة السورية، إلا أنه مكّنها، من دون شك، من أن تنتزع زمام المبادرة السياسية، وأن تفتح تحت قيادتها وإشرافها باب المفاوضات الدولية التي لم تعد تقتصر على التداول في مصير الأزمة السورية، وإنهاء الحرب، وإنما أصبحت تشمل، كما هو واضح، مصير سورية نفسها، ومستقبل شعبها.
أوراق القوة الروسية
وعلى الرغم من الاختلاف العميق الذي ظهر في وجهات النظر تجاه الثورة السورية والأحداث التي أعقبتها بين الغربيين عموماً، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وروسيا في السنوات الماضية، بل وروح العداء التي لم تكفّ موسكو عن التعبير عنها تجاه أي خطوة يخطوها الغرب في اتجاه دعم المعارضة السورية، استمر الغرب في موقفه المعتدل، ورفض الانجرار إلى أي مواجهة مع موسكو، وقبل، في النهاية، بألا يتجاوز خطوطها الحمراء. وهو يكاد يقبل، اليوم، من دون أي نقاش، بتفويضها في الإشراف على الملف السوري، ولعب الدور الأول في التوصل إلى تسوية سياسية. وكما راهن الغرب في هدفه احتواء الثورة السورية، وتعطيل حركتها في السنوات الأربع الماضية، على روسيا، فهو يراهن عليها في الخروج من الأزمة التي نجمت عن هذه السياسة، ومعالجة نتائجها الكارثية على المستويات السياسية والجيوسياسية والإنسانية، التي جعلت من إعادة لم شمل سورية وتوحيدها من التحديات الكبرى. وفي اعتقادي، لن يتردّد الغرب، والمجتمع الدولي عموماً، في دعم أي مبادرة روسية، تحظى ببعض النصيب من النجاح، بعد إخفاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتفاقم الأزمة الإنسانية وتحول النزاع إلى عملية تدمير متبادل بين الأطراف. وهذا ما تدل عليه إشارات التراجع التي تبديها عواصم غربية عديدة، بل وعربية، عن مواقف سابقة متشددة تجاه الأسد.
وتتابعون ايضاً: «موسكو 3»: رغبة سورية ـ روسية غير مؤكدة، أغاثا كريستي… السورية.