بمحاولة ذكية من المخرج السوري محمد ملص، يرصد الحياة في دمشق وتحولاتها اجتماعياً وسياسياً بلغة سينمائية، استطاع أن يعبر عنها من وجهة نظره أحياناً والحالة العامة أحياناً أخرى. سرد حارات دمشق الحب والعنف والمشاعر الإنسانية المضطربة، وأحلام هي مصادرة بشكل كامل، فالعنف هو ثيمة المادة السينمائية، "أحلام المدينة" انتاج 1983.
تحاك أحداث الفيلم من خلال حكايتين إحداهما سياسية والأخرى قصصية، في تلك الفترة يُعلن سقوط حكم العقيد "أديب الشيشكلي"، ثم نشوء مصالحة وطنية تنتج عنها الجبهة الوطنية التي قادت انتخابات عام 1954.
تنتهي الانتخابات بفوز "شكري القوتلي"، ويعود مجدداً إلى السلطة، حتى نهاية الفيلم بإعلان الوحدة بين مصر وسوريا 1958.
اختار ملص شخصيات شديدة الذكاء، فالأرملة التي يموت زوجها في بداية الخمسينات، تجد نفسها حائرة في عالم مضطرب الأحداث وقلة المال، تقرر الفتاة العودة إلى بيت أبيها، الفتاة لديها ولدين يضطر أحدهما للعمل كصبي مكوجي من أجل لقمة العيش.
الطفل الصغير ديب يرصد العنف الذي يبدأ من التكوين الأسري، يضربه جده ضرباً مبرحاً، كأن العنف أصبح عادة يومية. المدرس يُضرب ويغرق في دماءه في الشارع، والشباب يضربون إذا تحدثوا في السياسة.
ففي مشهد محاولة قتل الزوج الخائن من أهم مشاهد الفيلم، فالطفل "ديب" يقبض على المقص، ويحاول بكل قوة أن ينتقم من ذلك الزوج الخائن الذي غدر بوالدته، الدم الذي يندفع من رأس الرجل ليغطي الكادر بأكلمه هو دليلٌ قاطع على خيبة الأمل والعنف والانتقام. هنا يصبح الانتقام وسيلة للقضاء على كل المخلفات الثقافية والاجتماعية داخل واقع مؤلم ومريض.
ملص وكأنه يوحي من خلال الديكتاتور والعنف المتجدد والمتكرر سواء في المحيط العام أو ضمن المفردات اليومية، هي ذاتها في يومنا هذا أو أيام أي ديكتاتور قاد البلاد للقمع والظلم اليومي.